السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حنان الشيخ: أنا كاتبة «نسوية» مثل نجيب محفوظ

حنان الشيخ: أنا كاتبة «نسوية» مثل نجيب محفوظ
24 مارس 2010 21:13
تتمتع حنان الشيخ بعفوية محببة وتدفق في التعبير عن نفسها، تجعل الحوار معها ممتعاً، غير محاط بالتكتم والحذر. إنها من الأدباء القلائل الذين تتشابه شخصياتهم مع كتاباتهم. تضحك على الهاتف وأنا أقول لها إنطباعي عنها، بعد يومين من لقائنا الذي أجرينا فيه الحوار، وتعلق: “مع أن زوجي ينتقد عفويتي أحيانا مع الآخرين، ويقول إنهم قد يسيئون فهمها”. تقولها بلهجة إبنة الجنوب التي تربت في بيروت، ولا تزال تحافظ على بساطة روحها التي لم تفسدها نشوة الشهرة العالمية وترجمة أعمالها لعدد كبير من اللغات. التقينا في يوم تحرر قليلا من وقع موجة البرد الأخيرة في مدينة لندن، كان المطر ينث خفيفاّ، وهي تنتظرني تحت مدخل مخزن سلفريدج الشهير لتقودني الى مقه هادئ يقع في شارع خلفي مواز لشارع اكسفورد، بعيداً عن ضجيج المحال والمتسوقين في قلب المركز الحيوي. نوهت هي بعد أن جلسنا، الى أن كلينا ترتدي بلوزة بلون بنفسجي، فاعتبرتها أنا علامة جيدة في بداية الحوار على تفاهم قادم. لدى الروائية اللبنانية البارزة، عدة أسباب لتفرح بنجاح كتاب سيرة والدتها الذي صدر بالإنجليزية أخيرا تحت عنوان “الجرادة والطير” عن دار نشر بلومزبيري، بعد أن صدر بالعربية بعنوان “حكايتي شرح يطول” عام 2005 عن دار الآداب، فبالإضافة الى ارتفاع مبيعاته التي جلبت لها عائدا جيدا، تبدو قد حققت هدفا سيكولوجياً مهماً من كتابته. لقد ساهم استماعها الى الأم كاملة قبل أن تتوفى، تروي الأحداث من وجهة نظرها، في تفهم التصرفات التي أقدمت عليها قبل سنوات بعيدة، ودفعت حنان الطفلة إلى أن تغضب على الأم. في استماعها للسرد، اكتشفت الكاتبة حقيقة أنها أخذت عن أمها الكثير، من بينها الرغبة بالقص وجموح الخيال والحس الساخر، وأيضا التمرد على واقعها. لا عجب اذن، إن أطلقت عليها بعض الصحف في الغرب، لقب “شهرزاد الجديدة”، وهو اللقب الذي يحمّلها الآن عباءه لتجلس وتكتب مع مخرج بريطاني، مسرحية مستوحاة من حكايات “ألف وليلة”. في سرد سيرة الأم، جرأة في الكتابة قلما تقدم عليها كاتبة عربية، وهي تكشف لعدد كبير من الناس عن تفاصيل حياتية يعدّها البعض خصوصية شديدة. فقد طلبت كاملة الشابة من الطلاق من زوجها الأول، وتركت ابنتيها بعهدته لتتزوج من رجل آخر تحبه منذ كانت صبية غير متزوجة. قبل أن تتوفى الأم بسنوات قليلة، فضلت حنان الشيخ أن تواجه تلك التفاصيل بأن تسمعها من أمها وتوثقها وتحفظها من الضياع. كانت الأم التي شهدت شهرة البنت ككاتبة ذائعة الصيت، قد طلبت أكثر من مرة، أن تروي تفاصيل الماضي من وجهة نظرها هي لا كما تناقلتها النمائم، ربما لأنها لاحظت، أن البنت استوحت بعض الأحداث الحياتية وضمنتها في أعمالها، بصورة لم ترض عنها كاملة. وراحت الأم تحكي. فعلت ذلك بسلاسة تمرنت عليها عندما كانت تروي لصديقاتها وجاراتها منذ زمن بعيد، مشاهد الأفلام التي كانت تراها في السينما خفية عن زوجها وشقيقها. كانت دوما تبدو مأخوذة بالرومانسية بين الحبيبين، خصوصا في فيلم “الوردة البيضاء” لعبد الوهاب، متمنية لو أنها تخترق شاشة السينما وتشارك أبطال الفيلم تفاصيل حياتهم. (ألا تذكرنا بفيلم “وردة القاهرة القرمزية” للمخرج وودي ألن؟). توفيت الأم بعد أن روت حكايتها بمرض خبيث، وبقت الأوراق في الأدراج فترة، إلى أن قررت الابنة أن تنشرها في كتاب. أسأل ضيفتي: كيف تقبلت العائلة تلك الصراحة الجريئة وذلك البوح؟ تقول: “كان استقبال الكتاب جدياً، باستثناء أبناء أخي الذين احتجوا على الصورة التي ظهر فيها جدّهم في الكتاب، فهم يذكرونه طيباً، حنوناً، ويبكي لو مرض أحدهم. قلت لهم هكذا رأته أمي، لا أنا. وذكرتهم بأن أمها كاملة، زوّجت وهي طفلة، لتحل محل أختها المتوفاة وتكون أماًِ لأطفالها الثلاثة. وبأنها لم تستشر ولم تعرف شيئا عن موضوع الزواج الذي فرض عليها بقوة الأمر الواقع”. شيء ما تغير في موقف حنان الشيخ من الأم والزوج بعد سماعها للحكاية المروية من وجهة نظر أخرى، واطلاعها على اليوميات والرسائل التي كان يرسلها الحبيب محمد، الذي أصبح لاحقاً زوج أمها. المقاربة الجديدة جعلتها تتفهم حقيقة مشاعرهما أكثر، وهي المرأة التي تملك حساسية كبيرة للكلمات. لقد غفرت له أنه حطف منها أمها وهي طفلة، وتواصلت معه مرة أخرى بعد موته بالكلمات. ومن خلال السردين، سرد كاملة المحكي وسرد محمد المكتوب، أنزلت الكاتبة عن روحها حمولة من الغضب عاشت معها طويلا، ليحل محلها التفهمّ والتعاطف. غير أن الحديث عن الأم وتمردها على واقعها، لا يعني بأي حال موقفا عدائياً نحو الأب من قبل ابنته التي تؤكد، سواء في الحوارات الصحفية، أو في اللقاءات التي عقدتها دار نشر بلومزبيري وغيرها للترويج للكتاب، أنها تحب أبيها وتحترمه (رحل عام 2001)، فهو بحسب كلماتها “كان حنوناً مع أبنائه ولم يقصر ناحيتهم كأب، لا مادياً ولا عاطفياً. ورغم ملابسات الزواج غير الناجح، حاول أن يساير الزوجة الصغيرة ويغفر لها أخطاءها، بل كان يصدق ما تقوله في مقابل تشكيك الآخرين بها، وكان يواجه أخيها الغضب من الإشاعات ويحميها منه”. سيرة مؤجلة بعد صدور الكتاب بالعربية، تحت خانة “الرواية” كما قدّرت دار النشر، سمعت حنان الشيخ معلومات جديدة عن أمها من بعض من كن يعرفنها من العائلة والأقارب والجارات، وحصلت من أخوتها لأمها على أوراق ورسائل متبادلة بين الحبيبين، وهي تفاصيل تضيف للنص الأصلي بعداً جديداً. وعليه اقترحت على دار الآداب أن تدخل تلك الإضافات في الطبعات الجديدة بالعربية، إلا أن القائمين عليها ارتأوا غير ذلك. وعلى ذلك تم تضمين التفاصيل المضافة الى السيرة بطبعتها الإنجليزية، التي تحتوي أيضا على مقدمة كتبتها الشيخ عن نشأتها وعن علاقتها بالأم، كما أنهت الكتاب بفصل علقت فيه على الأحداث وعلى جمعها للمادة. المعايشة والتخيل تبدو حنان الشيخ في كتابتها القصصية والروائية على مسافة قريبة جداً من التجارب التي تكتب عنها. من ذلك، رواية “مسك الغزال”، التي كتبتها بعد أن عاشت فترة في مدينة الخبر في السعودية منتصف السبعينات. وفي رواية “حكاية زهرة”، التي كانت على تماس مع تجربة حزبية للأقارب الرجال، جزءا من سيرة أمها، وهجرة أبناء الجنوب الى أفريقيا. وفي رواية “بريد بيروت” ينبئ سردها الحيّ اللاهث، وهي تنبش تفاصيل الحياة فترة الحرب الأهلية، إنها قريبة جداً من بعض الأحداث والشخصيات. من هنا، بدت لي روايتها “إنها لندن يا عزيزي”، أقل جاذبية وقوة من أعمالها السابقة. فهل يتفوق الواقع وتفاصيله وشخوصه على المتخيل عند حنان الشيخ؟ توافقني الرأي على أن الملحوظة تنطبق بدرجة أكبر على أعمالها الأولى، و”لكن مع الزمن باتت قضايا أخرى تفرض نفسها عليّ ككاتبة. أنا أكتب عن عوالم أعرفها، وبذرة أي فكرة أتناولها تكون بالضرورة مغروسة في تربة الواقع، أكملها بالتخيل. الكتابة عن الحرب، مثلا، قادتني بالضرورة للكتابة عن المكان الذي قسمته تلك الحرب الى بيروت شرقية وأخرى غربية، وكنت في زياراتي لبيروت أعيش هذا التمزق. كذلك الكتابة عن الإقطاعية التقليدية التي أضعفتها الحرب في الجنوب لتظهر بعدها تجمعات مسيطرة من نوع آخر، إنهم اقطاعيو السلاح. هذه كلها تفاصيل أعرفها عن قرب وعايشتها بصورة شخصية. أما في “مسك الغزال”، فقد عشت تجربة ما كان يمكن أن أعرف عنها، لولا وجودي في ذلك المكان، الصحراء. كان مجتمعاً جديداً عليّ تماماً، على النقيض من البلد الذي جئت منه. “مسك الغزال” مثال على تأثير المكان على الأشخاص الغرباء. سها، الشخصية الرئيسية في العمل، مشوشة في المكان الجديد، أمام الصحراء وخرافاتها ومناخها، وضغط كل ذلك على المرأة القادمة من بيئة مختلفة تماما. “شخصية سها تشبهني، ولكني لم أعرف تجربة مماثلة مع نور المتخيلة، التي دمجت في شخصيتها أكثر من شخصية سمعت عنها أو التقيتها هناك. أما تمر، فشخصية حقيقية عرفتها عن قرب، وسمحت لي أن استخدم تفاصيل من حياتها. أما شخصية العمة فهي متخيلة. بشكل عام صار استلهام الموضوعات أصعب من قبل، فالحرب الأهلية في لبنان الهمتني الكثير للكتابة في السنوات الماضية، ولكن تفاصيلها استنفدت الآن”. أنا نسوية بمناسبة الحديث عن تلك الأعمال، أشير الى ملحوظة تبادرت إلى ذهني من خلال إعادة قراءتي لغالبية أعمالها في الفترة الأخيرة، وهي أن حنان الشيخ تقدم الشخصيات المقهورة، خصوصا النسائية منها، بصورة بارعة تجعلنا نحبها ونتعاطف معها. فكثير من بطلاتها من الجنوب المهمل، وسواء نزحن الى أحياء بيروت أو بقين في القرى الجنوبية، فإنهن مقموعات بصورة مضاعفة عن الرجل هناك، لأنه بدوره يمارس على المرأة تسلطه ويفرض عليها القيم الذكورية. في “مسك الغزال”، مثلاً، تبرز شخصية تمر، التي علمت نفسها بنفسها حدّ إقدامها على الإضراب عن الأكل، كي يسمح لها أخوها بالذهاب الى المدرسة المسائية، لأنها تريد أن تكمل تعليمها وتمحي أميتها. وهناك العمة التي أتت من الصحراء وهي لا تعرف شيئا عن الحياة المدنية، وصمدت في المكان الجديد وتعايشت معه. تفاصيل حياة تلك المرأتين تبدو ثرية جدا إنسانياً. كذلك الأمر في بعض شخصيات رواية “بريد بيروت” النسائية. لماذا تبرع حنان الشيخ في الكتابة عن النساء المقهورات التعيسات أكثر من غيرهن، وتنحاز لهن في أعمالها؟ “ربما كان لجدتي لأمي تأثير كبير عليّ”، تقول الشيخ وتضيف: “كانت جدتي تجسد الحزن الشيعي ولطالما رأيتها تبكي. تبكي ابنتيها اللتين رحلتا مبكراً بسبب المرض، وتبكي أمي التي تطلقت من أبي وتركتنا. كنت متعلقة بها جداً، وكانت تصحبني إلى مجالس عاشوراء، وإلى البيوت التي كنت أسمع فيها حكايات النساء المعذبات. أذكر زيارة الى بيت صديقة لجدتي للأطمئنان على ابنتها التي حاولت الانتحار بحرق نفسها، للتخلص من ظلم الزوج. وقد بقيت في ذهني صورة تلك المرأة وهي ممددة وأمها تغير لها الضمّادت على الحروق، وتشكو للجدة ما فعله الصهر بابنتها. شاهدت وسمعت الكثير من الوقائع في أوساط الحرمان والقهر وهذا أثر بي، رغم أننا كنا من طبقة متوسطة ونعيش بصورة طيبة، نسكن في “رأس النبعة” ببيروت، قرب بيت رئيس الوزراء الأسبق رياض الصلح”. ? هل أنت بهذا المعنى، “نسوية”.. هل تشعرين انه المصطلح ينطبق عليك؟ ? مؤكد أنني كذلك وكتابتي تعلنها. انها طريقتي في التفكير في الحياة اليومية. أريد أن أشير الى أن هذه السمة، لا تعني نوافق النساء فقط، فنجيب محفوظ عندما قدم النساء ومآسيهن في رواياته، مثل في “بداية ونهاية” و”زقاق المدق”، كان نسوياً. وكذلك يوسف إدريس وغيرهما. أنا نسوية إذا اعتبرنا أن الكتابة عن النساء المقهورات كذلك، ولكني لا أكتب من منطلق التحيز فقط، فأنا أنتقد النساء في مجالات أخرى أيضا. الكتابة عن الجسد يمكن تلمس الجرأة مبكراً في أعمال حنان الشيخ، وتحيلها الكاتبة الى تأثر مبكر بكتابات روائيين عالميين رواد كسروا التابوهات، مثل الجنس، في أعمالهم، من هؤلاء هنري ميللر وألبرتو مورافيا. ولكنها تنوّه إلى ملحوظة دقيقة في هذا السياق، وهي أن “الجرأة في الكتابة عن الجسد، يجب أن تتكئ على فكرة مهمة. موضوعة الجنس في “موسم الهجرة الى الشمال” للطيب صالح، مثلا، تأخذ القارئ الى منطقة مهمة في الرواية لا يمكن عزله عنها. وفي روايتي “مسك الغزال”، مقاطع الجنس فيها مبررة عندما تناقش الكبت الشديد في الصحراء الى حد المثلية الجنسية. حالياً، ويبدو أن الكثير من الروايات العربية الجديدة تعجّ بالجنس، وتجرّب خرق الممنوع والتابوهات. ربما أن هذا الخرق مهم في هذه المرحلة، ولكن لاحقاً، وبعد أن ينتهي مفعول الإثارة، سيتم التركيز على الأدب نفسه”. تجربة مع النشر بعد تجربة طويلة في مجال النشر، وتعاون مع ناشرين عرب وغربيين، أسألها عن تقييمها للتجربتين: مع من ترتاح أكثر في التعامل، الجهة العربية التي تترك لها حرية تقديم نصها من دون تدخل، أم الإنجليزية التي تتدخل من خلال محرريها، فتضيف وتعدل وتلغي؟ “أشعر براحة أكبر مع العرب، لأنهم لا يسعون إلى تغيير شيء في الكتاب” تقول الشيخ. “العفوية حلوة في العمل. عندما كنت عضو لجنة تحكيم بجائزة “إمباك” الارلندية الشهيرة قبل سنتين، لاحظت ان أعضاء اللجنة كانوا يعترضون على بعض الكتب بقولهم: تمّ تحريرها أكثر مما يجب، (over edited)، أي أن تدخل محرر الدار فيها كان واضحاً، الأمر الذي غيّب صوت الكاتب الخاص”. إلا أن رأي حنان الشيخ هذا لا يحمل رفضاً مطلقاً لفكرة إبداء الرأي والتدخل الخفيف من قبل الناشر، وتستشهد بتجربتها مع دار الآداب، فقد كان مسؤولها الراحل الأديب سهيل إدريس، يبدي رأيه في النص ويطلب منها أحيانا بعض الحذف. “في رواية بريد بيروت التي تقوم تقنيتها على الرسائل، طلب مني حذف بعضها، لأنها ستثقل النص ولن تضيف اليه شيئا جديداً. وفي مرة أخرى، طلب مني ألا أضيف حرفاً على نوفيلا (إمرأتان على شاطئ البحر)، لأن أي إضافة سترهلها. لاحظي أن إدريس لم يهتم بكون الكتاب صغيرا وقد لا يبيع مثلما تبيع الرواية!. بعد رحيله وتسلم ابنته رنا إدريس للدار، كان لي تجربة مشابهة عندما طلبت مني حذف 200 صفحة من رواية “إنها لندن يا عزيزي”، وقد فعلت”. خارج المشهد رغم أن حنان الشيخ تكتب منذ الستينات وانطلاقتها كانت من بيروت، وحتى بعد مغادرتها لبنان، بقيت تقدم نفسها دوماً في المحافل الدولية على أنها كاتبة لبنانية، وكتاباتها دارت في غالبيتها عن لبنان، إلا أنه يتم نسيانها أحيانا عندما يجري الحديث عن المشهد الأدبي اللبناني. فهل لوجودها الطويل خارج لبنان علاقة بذلك؟ يفاجئها السؤال، إلا أنها تحتفظ بدبلوماسيتها وتقول، “إذا كان المعنيين بالأمر يرونني خارج هذا المشهد، فليس لديّ اعتراض عليه. لن أكون أنانية وأطالب أن اكون خارج لبنان وحاضرة فيه، في الوقت نفسه، وقد غادرته منذ عام 1975. يهمّني فقط أن كتبي تباع بشكل جيد في لبنان، وأنا متابعة مثابرة لما يصدر هناك من أعمال في مجال الرواية”. الحرب الأهلية اللبنانية في كتابتها وبحثها عن خفايا الحرب الأهلية بلبنان، تبدو حنان الشيخ في أعمالها طرفاً له صوت، من غير أن تحسب على أي جهة. وتصل جرأتها حدّ تسمية الأطراف، من ميليشيات وأحزاب. هل كانت تمثل صوت من لا صوت لهم في تلك الحرب، كما يقال؟ “الحرب زعزعتنا وغيرت مسار كل حياتي ونقلتني الى مكان جديد، فكيف لا أكون طرفاً يريد أن يقول رأيه!. أنا طرف في سياق مضاد لكل الأطراف المتحاربة، وضد العنف الذي يستخدم في السياسة لتحقيق مكاسب على أرض الواقع. ومن هنا تأخر نشر رواية “حكاية زهرة” ولم تجد من يتبناها بسهولة، لأنها لم تكن مع جهة محددة من الأطراف المتحاربة. أحب أن اشير هنا أيضا، إلى السمة العالمية، لا العربية فقط، التي تفضل أن تكتب النساء عن قضايا خاصة بهن، مثل الحب والزواج والجنس والمشاكل العائلية، لا عن قضايا مصيرية مثل الحروب والسياسة”. المرأة اللبنانية أنضجتها الحرب التي استمرت خمس عشرة سنة، هذا ما يلاحظ من خلال شخصيات حنان الشيخ النسائية. وما بين “حكاية زهرة” التي صدرت في أوائل الثمانينات، و”بريد بيروت” التي صدرت منتصف التسعينات، تتخلى الكاتبة عن الفتاة الحالمة المتمثلة بشخصية زهرة التي توهمت أنها تستطيع من خلال الحب، أن تمنع القناص من القنص وأن تمنع الحرب، وهي نفسها كانت ضحيتهما. كان هذا النضج لصالح شخصيات نسائية ايجابية، يقلن آراءهن بصوت عال، لهن مواقفهن الخاصة في تلك الحرب، ويعرفن كيف يحافظن على الحياة وسط الدمار والموت. شهرزاد الجديدة آخر المشاريع التي تشتغل عليها الكاتبة حنان الشيخ، مشروع مسرحية عن “ألف ليلة وليلة” بالتعاون مع المخرج البريطاني المتميز “تيم سابل”، الذي أخرج قبل عدة سنوات مسرحية “حلم منتصف ليلة صيف” لشكسبير، بطاقم من الممثلين الهنود. ويسعى في مشروعه مع الشيخ الى تقديم المسرحية الجديدة بسبع لغات من خلال ممثلين من أكثر من منطقة في العالم. ويأمل الطرفان ان تكون المسرحية جاهزة للعرض في العام 2011. دور الشيخ هنا هو كتابة النص الأدبي، لا النص المسرحي، ولكن النص القصصي تصيغه بلغتها الخاصة، وتربط أيضا القصص بين بعضها البعض. وستترك للمخرج لاحقاً، أن يستخدم خياله المسرحي واجتهاده الخاص في كيفية تقديم هذه النصوص. لهذا الغرض قرأت حنان الشيخ ما يقارب 5000 صفحة من النسخ القديمة للحكايات العربية هذه، بالإضافة الى نسختين بالإنجليزية، واحدة قديمة وأخرى صدرت قبل شهور. تقول حنان “نجتمع كل يوم اثنين ضمن برنامج محكم بيننا منذ سنة، نحكي عن القصص التي قرأناها ونتناقش حولها. وزعنا القصص على كومات ثلاث، بحسب إعجابنا بها. وبيننا حوار مستمر. الغرب عادة يركز، من خلال السينما بشكل لخاص، على حكايات علاء الدين وسندباد وعلي بابا. وأنا الآن سعيدة أن “ألف ليلة وليلة “ستعود الى الواجهة بنسختها العربية”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©