5 مايو 2009 23:07
تتألق «العرضة» كفن شعبي تراثي يزدهر في المنطقة، يؤدي الرجال فيه رقصة «العرضة» وهم حاملون لسيوفهم. فيما كان هذا الفن يمارس قديماً في المعارك، وكانت القبائل تمارسه لشد العزائم وتعبيراً عن النصر. اشتق اسم هذا الفن من «العرض العسكري» باعتباره جزءاً من الإعداد للحرب ووسيلة لبث الحماس في صفوف المقاتلين، في الوقت ذاته يعتبر وسيلة للتعبير عن الفرح والاحتفال بالانتصارات العسكرية، ويهتم به على وجه الخصوص في قطر والإمارات والسعودية. بينما له طابعه الخاص في قطر ويحافظ عليه المواطنون ويؤدونه خاصة في المناسبات الدينية والاحتفالات الوطنية والأعراس والأفراح.
اختلاف المسمى
ويعتبر فن «رقصة العرضة» رجوليا في قالبه وتأديته، وعلى الرغم من تعميم ممارسته على كل شرائح المجتمع القطري حالياً، إلا أنه فن من فنون البيئة البحرية وانتقل إلى أهل البحر وأصبح البحارة في السفن يمارسونه. ويروي بعض الأجداد: «إنه مأخوذ من العصور القديمة، والمتفق عليه أنه خرج من إقليم نجد في شبه الجزيرة العربية، وانتشر في بلدان الخليج العربي عن طريق هجرة القبائل في الخليج». وقد اختلفت مسمياته في كل بلد ومنطقة، ففي قطر يسمى «العرضة» وفي السعودية يسمى «العرضة النجدية» لأن هناك عدة رقصات مختلفة داخل المملكة، حيث إن هناك أيضاً «العرضة الجنوبية» التي يختص بها أهل الجنوب، وأخرى لأهل الحجاز، وفي الإمارات تسمى «الرزيف».
أداء وأزياء
ولا تزال القبائل القطرية تحافظ على ممارسة هذا الفن الجميل في مناسباتهم، حيث إن له طابعا خاصا في الحياة العامة الاجتماعية، ويحافظ هذا الفن الشعبي على الموروث لإبقائه حاضراً في ذاكرة الأبناء، ويحافظون على استمراريته. فيما تستخدم الطبول «الطيران» في أدائه، عبر الضرب عليها، ويوجد أفراد يضربون على الدفوف بصفوف متراصة يرددون الأناشيد الحربية وقصائد فخر ومديح. أما الأداد فيكون عبر صفين متقابلين بعيدين عن بعض ويسمى بصفوف «الشيالة» ويقابلها رجل يلقنهم القصيدة ويسمى «الشيال» فيما الأفراد يضربون على الدفوف والطبول ويسمون «رجال العدة» ويرقص الرجال والشبان الصغار والكبار بفرح وهم رافعون سيوفهم إلى فوق يلوحون بها. وقد اشتهر شعراء كثر بإجادة هذا الفن، حيث درجت القبائل على أن يقف الشبان صفوفا فيما يقوم أحدهم بإرشاد الراقصين إلى «اللازمة» التي تتكرر خلال العرض، ويعرف باسم «النزع»، وفي الناحية الثانية يلقي الشاعر قصيدته التي تتعمق في وجدان السامعين وتبعث فيهم الحماسة والاستعداد للتضحية والفداء. وكان الناس الذين يؤدون فن «العرضة» يلتزمون بارتداء لباس وأزياء جميلة محلية، من هذه الثياب «الشلاحات» وهو ثوب ذو أكمام طويلة، وهناك «الدقلة» و»الزبون» وهو ملبس يشبه الثوب مفتوح من الوسط مثل العباءة، ويكون مطرزاً بالألوان، والبعض يرتدي «البشت» وهناك «المجالد» و»المحازم» التي كانت ترتدى خلال المعارك في الماضي، وتوضع فيها المسدسات أو الأسلحة البيضاء والرصاص بالإضافة إلى البندقية والسيف.
طبول للبحر
لا يضطر أصحاب «العرضة البحرية» إلى ارتداء ذات الأزياء، إذ يؤدى الفن حين تصل السفن للموانئ وعند إنزال الشراع أو رمي المرساة على الشاطئ ويقوم العارضون بالإنشاد والرقص بأناشيد تتلاءم مع الموقف، فحينما تصل السفينة إلى أحد الموانئ يقوم البحارة بعمل ما تتطلبه الحاجة والقواعد المتبعة في عملية إنزال الشراع وتحضير المرساة وتسوية حبال السفينة لتسهيل عملية الإرساء في الوقت الذي يقوم به عدد آخر من المتخصصين بالغناء بتسخين «الطيران» على وهج النار وشد الطبول لتكون معدة للعمل قبل دخول السفينة للميناء ليبدأ الطرب والغناء بأبيات تناسب الموقف الذي أتوا من أجله، فيأخذون جانبا من وسط السفينة بصف واحد يحملون بأيديهم سبعة من «الطيران» أو أكثر، يقابلهم اثنان من حملة الطبول الكبيرة. فالضربات الإيقاعية في «العرضة البحرية» تختلف اختلافا كليا عن الضربات الإيقاعية المعروفة في «العرضة البرية» وإن تجلت فيهما الأشعار كل حسب موقفه، إلا أن «العرضة البحرية» تؤدى بشكل مغاير بالنسبة لقرع الطبول.
شيّاب و شباب
منذ زمن بعيد، ما قبل ظهور النفط وحتى اليوم يؤدى فن «العرضة البحرية» يبدأ على ظهر السفينة بإنشاد المغني وحملة «الطيران» يرددون من حوله الأبيات الشعرية في دائرة صغيرة محدودة على ظهر السفينة. وعندما يبدأ الضرب تجد السفن الراسية في الميناء تأخذ برفع أعلامها تحية لمقدم هذه السفينة الآتية من عرض البحر، فالرقصة بالنسبة للسفينة القادمة، هي الفرحة بسلامة الوصول، وهي أيضا تعريف بجنسية السفينة. وهذا تقليد جرت عليه العادة بين سفن البحر في الخليج، فمن خلال أغاني السفينة وضربات إيقاعاتها تتعرف السفن الراسية في الميناء على جنسية السفينة في عرض البحر قبل اكتشاف حجمها ومعرفة ربانها وبحارتها، فتقوم السفن التي تنتمي لجنسية هذه السفينة برفع الأعلام تحية لها وترفع الأعلام في السفن الأخرى مجاملة لقائدها، ومنهم من يقوم بغنائها ابتهاجاً بمقدمها. ولكن مع التطور المنهجي والحضاري الذي حصل في بلدان الخليج وقطر إحدى هذه الدول لم يعد لفن «العرضة» دوره السابق، بل بات كفلكلور جميل وموروث يشير إلى العادات والتقاليد في زمن الأجداد. ويقوم بممارسة هذا الفن في أيامنا هذه بعض فرق الفن الشعبي، خاصة في الأعراس والمناسبات الوطنية والرسمية.
حصدت المركز الأول والفروسية هوايتها الأخيرة
هبة الرحبي: الخيل كالطفل يحتاج إلى الحنان
محمد الرحبي
مسقط - وجدت نفسها على صهوة الخيل منذ طفولتها، فكنّتْ حبا خاصا لهذا المخلوق الأنيق، وتدربت على قيادته وترويضه لتكون فارسة، فالفروسية لم تكن لديها مجرد هواية بل حياة كاملة، بدأت في صغرها وعاشت وترعرعت بالقرب من الخيول، وعندما حان وقت الحياة العملية لم يكن إلا في عالم الفروسية التي تألقت في مضاميرها. هبة الرحبي، فارسة عمانية، أخلصت في محبتها للخيل فكانت النتائج كبيرة، نالت ألقابا محلية وخارجية، ومؤخرا نالت لقب أول وأفضل فارسة في السلطنة، وتم تكريمها في حفل كبير خاص بالفروسية. عن علاقتها بالخيول.. كيف بدأت ونمت، وماهي سبل التواصل مع خيلها، تقول الرحبي: «لم أتوقع أن تصل هوايتي وحبي للخيل إلى درجة أن تكون ضمن مستقبلي المهني، والحمد لله علاقتي بالخيل حققت لي الكثير من النجاحات الكبيرة في حياتي، وطبيعة التواصل مع أي مخلوق تكون بالمعاملة اللطيفة والرقيقة وكأنك تتعامل مع طفل لديه مشاعر وأحاسيس جميلة، وتعاملي أنا بالذات لطيف جداً معها حيث إنني متعلقة بالخيل كثيرا، أكلمها كأنها صديقة وأداعبها كأنها طفلة، أخاف على خوفها وأحنّ إليها وعليها». وتشير الرحبي إلى تشجيع الأهل ومدى أهميته حين دخولها إلى مجال الفروسية، وتقول: «إن وجود الأهل حولي وتشجيعهم لي، كان في المقام الأول سبب تحقيقي هذه الهواية -(والمهنة لاحقا)- فدور الأهل وتعاملهم مع هذا النوع من الرياضة شجعني ومكنني من التعرف على مهارات التعامل مع الخيول، وطبيعي أن تدعم أسرتي ما يناسبني من الهوايات، خاصة أن هواية ركوب الخيل من الرياضات المتصلة بتاريخنا وتراثنا، فديننا الإسلامي أوصى الأمة بتعليم أولادها ركوب الخيل، لذا كان دور أسرتي في دعمي كبير جدا ولا أنسى تأثيره علي». وفيما يخص تقنيات التعامل مع الخيل وتدريبه وقيادته، تقول الرحبي: «لا يوجد وقت محدد لتدريب الخيل، أو تعلم قيادته، لكن هناك من يحبذ وقت الصباح أو العصر فهما من أجمل الأوقات وأكثرها متعة في ممارسة الفروسية، كما أن الطقس يكون ملائما للخيل التي تصبح أكثر رزانة ومتحمسة للخروج والتدريب والجري بعد نوم طويل ليلا أو بعد نوم فترة الظهيرة». وتعتز الرحبي بمشاركاتها في البطولات المحلية والخارجية، وتقول في ذلك الخصوص: «حققت نجاحات عديدة في السلطنة وخارجها، فمحليا كان أهمها سباق الفروسية في بداية العام الحالي حيث حصلت على لقب أفضل فارسة في السلطنة، تتويجاً لفوزي بمراكز عديدة خلال السنوات الماضية، كما أحرزت مراكز متقدمة في مشاركاتي في سباقات الخيل الخارجية، المركز الأول في قطر والثاني في دبي وكذلك في أبوظبي، والثالث في الشارقة». وللرحبي رأي خاص في رياضة الفروسية في عمان، ومدى إقبال الفتيات العمانيات على ممارستها، تقول: «أفخر بما وصلت إليه رياضة الفروسية في السلطنة نتيجة الاهتمام الكبير بها من قبل جلالة السلطان قابوس بن سعيد، ومنح الفتاة العمانية فرصة المشاركة في جميع سباقات الخيل، فهناك في عمان أكثر من 400 فارسة يمارسن رياضة الفروسية، وتوفر لهن الدولة كل المستلزمات الضرورية لتعلم وممارسة الفروسية. ونأمل في وجود نواد خاصة لتقوم بدورها في تعليم رياضة ركوب الخيل لمن يرغب، والحمد لله لا يوجد عائق يبعد المرأة العمانية عن هذه الرياضة، لكن تربية الخيول وممارسة الفروسية لا تتوفر في بعض الولايات العمانية خاصة المناطق الريفية.. لكن بشكل عام ليست هناك عوائق تحول دون مواصلة الفتاة لهذه الهواية الرياضية الأصيلة». وتتابع الرحبي سباقات الخيل في العالم، كما تقضي بعض الوقت في القراءة خاصة الكتب والدراسات المتصلة بعالم الخيول، تقول: «أقرأ كثيراً عن الخيل، أنواعها وأحوالها وأمراضها والعناية بها وسبل التواصل معها، فأنا كفارسة أحتاج دوما لتثقيف نفسي بكل ما يخص هوايتي ويجعلني على دراية بالرياضة التي أمارسها والتي تعتمد على عنصرين الفرس والفارس، وبذا يمكنني الرد على استفسارات توجه إلي تختص بهوايتي ووظيفتي، وقد قدمت برنامجا عن الخيل في القناة الثانية من تلفزيون عمان وقمت بإعداد مادة البرنامج، ولاقى صدى واسعا. كما أتابع كثيرا سباقات الخيل حول العالم، وأتابع أخبار أجود الخيول «المعاصرة» لمعرفة مدى قدرتها على التفوق». ويمنع عشق الرحبي لعالم الخيول والفروسية من مجرد تخيلها أن يأتي عليها يوم تنقطع فيه علاقتها مع الخيل، تقول: «أتمنى أن لا يأتي اليوم الذي أبتعد فيه عن حبي الأول والأكبر: الفروسية، سأظل فارسة وسأبقى قريبة من الخيل، فهناك مجالات عديدة لتحقيق ذلك، فأنا -كما قلت- لا أملك من الهوايات إلا ركوب الخيل، وكي أحقق اللياقة أمارس المشي والجري والسباحة، ولدي أيضا اهتمام بالرحلات». ولدى الفارسة هبة الرحبي طموحات في الحياة، منها ما يتعلق بهوايتها، تشير إليها قائلة: «طموحاتي أن أظل أحقق النجاح تلو النجاح في مجال الفروسية، خاصة أنني تشرفت بالتكريم وحققت عبره ذاتي، فالفروسية تأخذ كل وقتي وتفكيري بحيث أنني لا أتمنى في الحياة أكثر من نجاح دائم لي يتحقق على صهوة خيل».
المصدر: الدوحة