حوار: سامي عبد الرؤوف
أكدت عائشة السويدي المدير التنفيذي لقطاع سياسات الموارد البشرية في الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية، أن دولة الإمارات العربية المتحدة ليست بمعزل عن محيطها العالمي، فهي تعيش نفس الظروف والمعطيات العالمية، بفعل التحول التكنولوجي، وأسلوب التفكير، ونمط الحياة.
وقالت السويدي، في حوار مع « الاتحاد» عن مستقبل بيئة العمل في دولة الإمارات: إن « فلسفة العمل ستتغير بشكل أساسي خلال السنوات المقبلة، لأن حكومات المستقبل ستتجه نحو تحسين الخدمات، وتبني مفاهيم تدعم تحسين بيئة العمل، واستثمار الموارد المتاحة في جميع القطاعات على الوجه الأمثل».
وأضافت: « مما لا شك فيه أن التكنولوجيا ستلعب دوراً محورياً في عملية التحول هذه، حيث ستسرع التكنولوجيا من وتيرة هذا التحول بشكل أو بآخر، وبرأيي أن التداعيات التي ستصاحب هذا التطور التكنولوجي سيكون لها تأثير كبير على التحولات المستقبلية التي ستطرأ على علاقات العمل من منظور التحولات التي ستطرأ لاحقاً.
لفتت السويدي، إلى أن بيئة العمل ستشهد تغيرات دراماتيكية على أكثر من صعيد أبرزها: الهياكل التنظيمية للجهات، كما سيكون هناك دور مهم وفاعل لصناع التغيير والمجتمع والقادة في معادلة التغيير.
مستقبل العمل
ورداً على سؤال عن مستقبل بيئة العمل في دولة الإمارات خلال الـ 50 سنة المقبلة، ذكرت السويدي، أن بيئة العمل التي ستتحول نحو التركيز على أولويات جديدة غير تقليدية، بفعل تحول خصائص الموارد البشرية واحتياجاتها، من حيث التركيز على الفعالية المؤسسية، والرفاه الاجتماعي، وتحسين جودة الحياة، وبيئة العمل، والرفاه الوظيفي، وهي أمور ستوليها الحكومة أهمية كبيرة خلال الفترة المقبلة.
وقالت السويدي: «من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أن بيئات العمل ستتأثر بشكل كبير بفعل توجهات الأجيال واحتياجاتها، فجيل اليوم يختلف عن سابقه، وجيل المستقبل سيكون مختلفاً بشكل أكبر، فنحن الآن أمام حقبة تحول كبيرة»، وأضافت: «فلأول مرة تلتقي أربعة إلى خمسة أجيال تحت سقف واحد في أماكن العمل، بدءاً من جيل ما قبل الطفرة النفطية، مروراً بجيل الألفية، وصولاً إلى جيل Z».
وأكدت السويدي، أن هذا الذي يفرض معطيات وقيماً مؤسسية جديدة من شأنها أن تلبي تطلعاته وشغفه بالتكنولوجيا والمهارات المستقبلية، واختلاف نظرته إلى موضوع الأجور والرواتب عن الأجيال السابقة، بقدر اهتمامه بالتعلم المستمر، وتوافر مقومات الرفاه الوظيفي في بيئة العمل، والعلاقات الاجتماعية.
ولفتت إلى أن بيئة العمل في الإمارات ستشهد تحولات كبيرة في ضوء هذه المعطيات، لا سيما وأن الدولة حريصة على مواكبة كافة المتغيرات العالمية، وتبني أفضل الممارسات؛ لضمان توفير بيئات عمل سعيدة ومحفزة، تقدم أفضل الخدمات، بما يضمن تحقيق تنافسيتها وريادتها العالمية.
ممكنات إماراتية
وعن مميزات ونقاط القوة التي تمتلكها دولة الإمارات لصناعة مستقبل الموارد البشرية، أكدت المدير التنفيذي لقطاع سياسات الموارد البشرية في الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية، أن دولة الإمارات العربية تمتلك قدرة استثنائية على مواكبة كافة الأحداث والمستجدات الحاصلة على الساحة العالمية، وباتت صانعاً ومحركاً رئيساً لها.
وأشارت إلى أن الفضل في ذلك يرجع إلى الرؤية الحكيمة الثاقبة التي تتمتع بها قيادتها الرشيدة وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وأخوه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وأخوهما صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وأوضحت أن حكومة دولة الإمارات قطعت أشواطاً كبيرة نحو تحسين بيئة العمل الحكومية، وزيادة جاذبيتها وتنافسيتها، وذلك من خلال إطلاق المبادرات التحفيزية التي من شأنها تطور أداء الموظفين، وتعزز مستويات الرضا والتناغم والسعادة الوظيفية لديهم، مشيرة إلى أن تجربة الدولة في هذا المجال تستحق التعميم والاسترشاد بها.
«سعادة العمل»
وعن وسائل تحقيق السعادة وجودة الحياة في بيئة العمل في المؤسسات الحكومية، أجابت السويدي: «الوسائل فهي برأيي تحسين بيئة العمل ومراعاة متطلبات الأجيال المختلفة وقوة العمل المستقبلية، والتركيز على ملف التعلم المستمر في الجهات، والنظر له كأولوية أمر حتمي ومهم، والابتعاد عن النظرة والمقاييس التقليدية في قياس الأداء، ووسائل تقديم التدريب والتعليم سيكون لها أولوية مستقبلاً.
وقالت: «من الأهمية بمكان إيجاد أفكار وأساليب لإدارة الموظفين بعيداً عن الأسلوب التقليدي الذي يتطلب وجودهم في أماكن العمل في أطر زمنية محددة في القانون، حيث سيكون هناك خيارات عمل أكثر مرونة، فالسعادة تتولد لدى الموظفين عند منحهم هامشاً أكبر من الحرية في العمل عن بعد، ودعم القوى العاملة المستقبلية في التواصل الاجتماعي، من دون الاعتماد على النظرة التقليدية في التواصل نتيجة وجود هياكل تنظيمية معينة تحد أحياناً من عملية التواصل، بالتالي نحن على موعد مع تحول كامل لمفهوم العمل، وبيئة العمل والقوى العاملة المستقبلية.
قوة جديدة
وردا على سؤال عن انطباق هذه الوسائل على القطاع الخاص أسوة بالقطاع الحكومي، أفادت السويدي، أنه لا شك في أن الكل سيخضع للتأثير، وسيكون هناك مزيد من التقارب يصل إلى حد التماهي حسبما تشير الأبحاث والدراسات؛ لأن فرص الجيل القادم لن تنحصر بالقطاع الحكومي الذي يشهد تحولاً في مفاهيم العمل، وقالت: «نحن أمام تحول في مفهوم القطاعين العام والخاص، وأعتقد أنه مع تلاشي ضيق الهوة بينهما ستظهر قوى اقتصادية جديدة تعتمد على الاستقلالية بالعمل أو العمل الحر Freelancers، وهؤلاء حقيقة سيكون لهم دور كبير في منظومة العمل المستقبلية.
المبادرات المستقبلية
وحول أهم المبادرات والأنشطة المستقبلية التي تعتزم الهيئة القيام بها بالتعاون مع الشركاء، لتعزيز توفير بيئة عمل جاذبة للموظفين، ذكرت السويدي، الأهداف التي ستركز عليها الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية ستعمل في معظمها خلال الفترة المقبلة على تحسين نوعية الخدمات المقدمة، وتعزيز الابتكار والاستثمار بالموارد البشرية من خلال الحلول الرقمية والبيانات، وتعزيز الرفاه الوظيفي، وجودة الحياة في بيئة العمل والإنتاجية.
وأعلنت أن الهيئة ستكرس جهودها خلال الفترة المقبلة للاستفادة من البيانات الموجودة، والتسريع في عملية الربط الإلكتروني مع قواعد البيانات، وهو الأمر الذي ستصبح معه عملية اتخاذ القرار أكثر سلاسة وشمولية، مشيرة إلى أن اتخاذ القرار سيكون قائما على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وصولاً إلى حلول أفضل وأكثر منطقية، في ظل تحديات قائمة على مدى جودة البيانات المستخلصة، والأطر العامة لحوكمتها واستخدامها.
وألمحت السويدي، إلى أهمية إجراء دراسات مستمرة لمدى تأثير التطور التكنولوجي على أسواق العمل، خصوصاً القطاع الحكومي الذي سيكون عرضة للتغيير.. وقالت: «من المهم عند التفكير في صناعة السياسات أن تكون وتيرة تعديلها سريعة ومرنة، بما ينسجم مع تغير المعطيات والظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتغير نوعية القوى العاملة، واستخدامية التكنولوجيا».
وأضافت: «من المهم أيضاً التركيز على التحول الرقمي في منظومة رأس المال البشري، والتوجه نحو الذكاء الاصطناعي، كما سنركز على موضوع التعلم المستمر لموظفي الحكومة.
أبرز النتائج
قالت السويدي رداً على سؤال عن أبرز النجاحات والإنجازات التي حققتها الهيئة في مجال تحسين بيئة العمل: «على مدار السنوات الماضية سعت الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية جاهدةً لتحسين بيئة العمل في الحكومة الاتحادية، وتعزيز جاذبيتها لأصحاب المواهب والكفاءات».
وأشارت إلى إطلاق العديد من المبادرات والمشروعات والأنظمة الإلكترونية الاستراتيجية التي تصب في خدمة هذا الهدف ومنها: (نظام إدارة معلومات الموارد البشرية في الحكومة الاتحادية «بياناتي»، وأنظمة الموارد البشرية الإلكترونية المنضوية تحته.
ونوهت بنظام المكافآت والحوافز الخاص بموظفي الحكومة الاتحادية، والمعتمد من قبل مجلس الوزراء، ونظامي إدارة الأداء والتدريب والتطوير الخاصين بموظفي الحكومة الاتحادية، ومبادرة معارف لشركاء التدريب المفضلين في الحكومة الاتحادية، ومبادرة بوابة التعلم الإلكتروني في الحكومة الاتحادية «المورد»، مشيرة إلى مبادرة بنك المهارات الحكومية، وبرنامج الخصومات الخاص بموظفي الحكومة «امتيازات»، وإطلاق الدليل الاسترشادي للرفاه الوظيفي في الحكومة الاتحادية).
تحديات وفرص
حول أهم التحديات التي تواجه تحسين بيئة العمل، قالت السويدي: «أعتقد أن التحديات بوجه عام تكمن في بيئات العمل نفسها، ومن هذه التحديات تعديل سلوكيات الموظفين المرتبطة بالتحولات التكنولوجية، والاعتماد المتزايد في المؤسسات على تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتنوع في خصائص وتوجهات القوى العاملة».
وأوضحت أن هذه التحديات رغم ما تحمله من فرص سانحة تكتنفها بعض المخاطر التي ينبغي التنبه لها وأخذها بعين الاعتبار، فالهياكل التنظيمية للمؤسسات تتغير بشكل مستمر، وبيئة العمل أصبحت أكثر تبنياً لمفهوم العمل الاجتماعي.
وذكرت السويدي، أن أساليب ومنهجيات تقييم أداء الموظفين تشهد تغيراً مستمراً، وخيارات العمل التي تتيحها بيئة العمل الحالية بحاجة لتحليل يكون أكثر دقة. وشمولية؛ لمعرفة مدى مواكبتها للمتغيرات والمستجدات العالمية، وقدرتها على تلبية احتياجات كافة الأجيال التي تنتمي إليها القوى العاملة.