15 فبراير 2011 22:16
تنتشر حالياً في المدن المصرية عشرات الأغاني الوطنية التي تتغنى بحب مصر، وبُثت فيها الحياة مجدداً؛ تناغماً وتقاطعاً مع أحداث حركة الشباب التي انطلقت من أرضها وأبناء شعبها وانتهت بإطاحة رئيس مصر. وازدهر بالتالي مبيع ألبومات الأغاني الوطنية لعمالقة الفن في مصر وللفنانين الشباب فيها، بحيث شكلت عودة الأغاني الوطنية إلى شاشات الفضائيات ومحال بيع التسجيلات الغنائية ظاهرة اجتماعية فنية.
(القاهرة) ـ راجت في الآونة الأخيرة في مصر مبيعات الأشرطة والاسطوانات الغنائية الوطنية التي تتغنى بعشقها والانتماء لها منذ اندلاع حركة الشباب في الخامس والعشرين من يناير الماضي لاسيما الأغاني الوطنية لشادية وعبد الحليم وأم كلثوم ووديع الصافي وشيرين عبدالوهاب ونانسي عجرم وأغاني الشيخ أمام مع الشاعر أحمد فؤاد نجم والتي شهدت إقبالاً واسعاً وغير مسبوق من الجمهور لاسيما جيل الشباب وغيره من الأجيال، إلى جانب جمهور أخر يمثل عينة من المصريين غير المشاركين في المظاهرات ولكنه يتابع ما يجرى عبر وسائل الإعلام المختلفة.
إقبال كبير
تباع الأشرطة الوطنية هذه الأيام أكثر من غيرها ويقبل الناس على شرائها، يقول في ذلك وليد درويش (29 عاماً) بائع أشرطة بوسط القاهرة: “أبيع يومياً حوالى عشرين شريط (كاسيت- سي دي) جميعها وطنية الطابع تتغنى بحب مصر”.
وما يبيعه وليد طوال اليوم لا يرقى لحجم مبيعاته قبل الأزمة بعدما اقتصر إقبال الشباب على الأغاني الوطنية وتراجعت مبيعات الأغاني العاطفية فما يحققه من هامش ربح بالكاد يغطي نفقاته اليومية. يضيف: “يسأل الشباب عن أغان بعينها لنجوم الزمن الجميل من المطربين “حبيبتي يا مصر” لشادية و”عظيمة يا مصر” لوديع الصافي و”يا أغلى اسم في الوجود” لنجاح سلام والنشيد الوطني “بلادي بلادي لك حبي وفؤادي” وغيرها. علماً أن بعض الشباب لا يعرف اسم المطرب ولكن يعرف اسم الأغنية أو مقاطع منها ويطلب شراءها، إنما من خلال ذاكرتي الغنائية أعرف أنه يعني أغنية كذا لمطرب ما”.
ويكشف درويش عن سعادته بالحالة التي يعيشها شباب مصر حالياً، مؤكداً أنه يشعر بالتفاؤل نحو المستقبل وأن الأوضاع ستكون أفضل ومصر ستعود أفضل مما كانت.
مبيعات السوق
من جهته فإن يشير أسامة مزيكا (42 عاماً) كغيره من باعة الكاسيت إلى أن “حالة الانقسام التي بدا عليها فريق من المطربين تجاه الأزمة بين مؤيد ومعارض لما يقوم به الشباب منذ انطلاق أحداث 25 يناير انعكست على مبيعات سوق الكاسيت فحدثت شبه مقاطعة كاملة لألبومات المطرب تامر حسني الذي استنكر في تصريحات بثها التليفزيون المصري ما يقوم به الشباب ودعاهم إلى عدم تخريب البلد، مما اعتبره المؤيدون للتظاهر خيانة من تامر لحركتهم وذلك حسب ما قاله بائع الكاسيت أسامة مزيكا الذي أضاف: “سعى الشباب للرد العملي على تامر حسني بمهاجمته عندما زارهم في ميدان التحرير وطرده من الميدان وتمزيق صوره على محلات بيع الكاسيت القريبة من الميدان إلى جانب تراجع مبيعات ألبوماته كثيراً في حين تجاوب الشباب مع البومات مطربين شباب آخرين حيوا حركة الشباب وزاروهم في الميدان مثل شيرين عبدالوهاب والتي أحسن المتظاهرون استقبالها يوم زارتهم في ميدان التحرير كما تحظى أغنيتها الوطنية بإقبال كبير من جمهور الشباب على شراء الشريط والسي دي الخاص بها”.
أغنيات الرواد
لدى سؤال سمير الشافعي (55 عاما) أحد باعة الأشرطة في ميدان طلعت حرب، عن أسباب رواج أغاني الرواد، قال: “ومن يعبر عن حبنا لمصر غير صوت شادية وأم كلثوم وعبد الحليم”؟
وبحسب سمير فإن الأغاني الوطنية التي تغنى بها أبناء الجيل الحالي من المطربين كثيرة إلا أنها لم تعلق بالأذهان باستثناء أغان تعد على أصابع اليد الواحدة في مقدمتها “ما شربتش من نيلها” لشيرين عبدالوهاب و”لو سألتك أنت مصري” لنانسي عجرم. رغم ميل الشباب نحو الاستماع إلى الأغاني الوطنية لجيل الكبار من المطربين كونها رغم قدمها تتعدى ظرفها وزمانها لتعبر عن العدالة والحرية وحب الوطن والتسامح والعمل على بناء البلاد وعدم تخريبها وغيرها من القيم الإنسانية والوطنية الجميلة التي باتت مهددة الآن”.
فرصة للحوار
أما سعيد عبدالمنعم “47 عاما” سائق تاكسي- فيجد في تلك الأغاني فرصة للتعرف على أراء الزبائن فيما يدور بميدان التحرير وغيره من مدن مصر ويقول: “حركة السير بطيئة نظراً للاختناقات المرورية الكثيرة التي تعترض طريقنا في أي مكان نذهب إليه نتيجة لتمركز الجيش هنا وهناك، لذا فالزبون يشعر بالملل وأنا كذلك، فنجد في الأغاني الوطنية فرصة لأن يدور حوار بيننا حول مستقبل مصر وأحياناً تكون وجهه نظرنا مشتركة مما ينعكس على ما يمنحه الزبون من أجر زائد تقديراً منه للوقت الذي استغرقه في المرور وأحيانا يحدث العكس إذا اختلفت مع الزبون في وجهات النظر فأجده يفاصل في تعريفة الأجرة”!
ويضحك وهو يتذكر ذلك الزبون الذي هبط فجأة من السيارة فور تيقنه من أنه مختلف معه فراح يصرخ في وجهه: “نزلني هنا” وهو يردد “أنت وأمثالك سبب تأخر مصر”.
إضاءات
تشهد أغان الشيخ أمام مع الشاعر أحمد فؤاد نجم إقبالاً واسعاً وغير مسبوق.
? تتصدر أغان “تعيشي يا بلدي يا بلدي تعيشي” و”يا بيوت السويس” و”أنا المصري كريم العنصرين” و”مصر يامة يا بهية” الإذاعات والتلفزة ومحال بيع الأشرطة.
? الشريط التقليدي يباع بعشرة جنيهات بينما السي دي يباع بقيمة 15 جنيها.
? يأتي مقطع “أصله ماعداش على مصر” لشادية في صدارة رنات الموبايل.
رنات الموبايلات
فيما مضى كانت شوارع (عدلي وشريف و26 يوليو والتوفيقية وطلعت حرب) وغيرها من شوارع وسط القاهرة تعج بباعة الأشرطة الغنائية والاسطوانات المدمجة التي تحتوي على أغان شعبية وغربية وشرقية، وحتى الأشرطة التراثية الفلكلورية، لكن مع اندلاع حركة الشباب بدا أن المشهد تغير تماماً فالأشرطة التي كانت مدفونة في الأرفف الخلفية تصدرت واجهات الكثير من المحال المنتشرة في العاصمة وغيرها من المدن الرئيسية كما تحولت إلى رنات على أجهزة الموبايلات الحديثة لكثير من الشباب ممن يقومون بتحميلها مقابل جنيه ونصف جنيه للرنة، حيث تنتشر رنات للعديد من الأغاني الوطنية في حب في مصر مطربيها ومطربي العالم العربي الذين تغنوا بها.
مشاعر عديدة
لا يختلف الحال في المقاهي مثل (ريش والبستان والجريون) الشهيرة بوسط القاهرة عن بقية المقاهي الشعبية المتناثرة في المكان والتي تتناوب فيها قنوات الأخبار والأغاني الوطنية على جذب انتباه جمهور الجالسين، وما إن يتوقف صوت التلفزيون وتنتهي نشرات الأخبار عبر القنوات الفضائية حتى تصدح من المذياع في أحد أركان مقهى “الجريون” الأغاني الوطنية لشادية وعبدالحليم وأم كلثوم وغيرهم من الفنانين العرب، ولكن تبقى أغنية شادية “يا حبيبتي يا مصر” الأكثر رواجاً وإثارة للمشاعر والحماس لدى الزبائن الذين تخيم على غالبيتهم مشاعر الحزن رغم محاولتهم أثناء وجودهم بالمكان التغلب على ذلك بتبادل النكات والقفشات المختلفة إلا أن ما في القلب بالقلب وذلك حسب أحد المترددين على المقهى المهندس أحمد مراد (30 عاماً) الذي يؤكد أن “الابتسامة غابت لأن الكل بات يخشى المستقبل وما ينتظر مصر في الغد القريب”.