خولة علي (دبي)
كبار المواطنين، هم أهل الخبرة والحكمة، فالرجوع إليهم والتشاور معهم والأخذ بآرائهم، يمنحهم الثقة بأنهم ما زالوا في محط اهتمام من حولهم، فلم يتوقف عطاء كبار المواطنين، الذين ينظرون إلى واقع حياة أبنائهم وأحفادهم بمزيد من المسؤولية والرغبة في احتوائهم ورعايتهم، هذا العطاء يجدد نفسيتهم ويجعلهم أكثر رغبة في مواصلة علاقتهم مع محيطهم.
أشارت بعض الدراسات إلى أن مشاركة كبار المواطنين في تربية أحفادهم والجلوس معهم ورعايتهم، يجعلهم أكثر سعادة، وتبقى أعمارهم طويلة مقارنة مع الذين يعيشون في عزلة اجتماعية، فالمشاركة في الحياة الاجتماعية أمر مهم ينعكس إيجابياً عليهم، إلى جانب استفادة المجتمع من خبرتهم الحياتية الطويلة.
يقول الوالد إبراهيم آل رحمة، والذي يبلغ من العمر 83 عاماً: حياتي مليئة بأنشطة متعددة في العمل والعطاء، وعلاقتي بأحفادي متميزة، فأنا دائماً أحرص على تعليمهم وإرشادهم وتوجيههم، والجلوس معهم، فهذه مسؤوليتي سواء تجاه أبنائي أو أحفادي، فنحن نملك الخبرة وتعلمنا الكثير من الحياة، ففي بعض المواقف الصعبة التي ربما يقع فيها الأبناء والأحفاد، نحن قادرون على التعاطي معها بحكمة، قد يجهلها الصغار.
ويتابع قائلاً: إن التواصل بين الأجيال يحقق الكثير من الأمور الإيجابية، والخبرة الطويلة التي يمكن أن يستفيد منها الأبناء، كما أحرص دائماً على التواجد والمشاركة في البرامج والفعاليات الاجتماعية، لأقدم خبرتي في مجال الصناعات والحرف التراثية، من خلال محلي الصغير القابع في السوق الشعبي.
استثمار الوقت
وأشارت الوالدة أم يوسف (87 عاماً)، قائلة: بقدر ما ساهم أجدادنا وأباؤنا وأعطوا، فنحن أيضاً لا نتوانى عن بذل كل ما في استطاعتنا لاحتواء العائلة ومدها بالحب والرعاية والاهتمام، فالإنسان لا يستطيع أن يحيا بمعزل عن عائلته، وأن يرى أبناءه وأحفاده وهم يكبرون متحلقين حوله، فانا لا أتهاون عن مشاركة أبنائي وأحفادي أنشطتهم، وأشجعهم على استثمار وقتهم بشيء مفيد، ربما نجد الأحفاد لا يرغبون في النصح ويتذمرون منها، فهذا الصراع بين الأجيال موجود ومستمر ولكن هذا لا يمنع أن ندعمهم ونساندهم، فنحن نشكل عائلة واحدة بالرغم من كثرة المشاغل التي تحول دون رؤية الأبناء في بعض الأوقات، إلا أننا نبذل كل ما في وسعنا ليتجمعوا تحت سقف واحد، ونوثق صلة القرابة ونعزز أهميتها.
كرم واحترام
ويقول د. عبدالله الكمالي من دائرة الشؤون الإسلامية: كبار المواطنين لهم رونق خاص في حياتنا، بقلوبهم الطيبة النقية وأخلاقهم الجميلة، ومن الأمور الملموسة أن كبار المواطنين يتحسسون جداً في هذه المرحلة العمرية من أشياء قد تبدو في نظرنا يسيرة، فعلينا أن ننتبه لذلك، ولنحرص على إكرامهم فهم ضيوف علينا في هذه الحياة ومن طرق إكرامهم واحترامهم وذلك بمعاملتهم بما أمر الله تعالى، فحسن الخلق معهم باب عظيم من أبواب الأجر، فالله تعالى حث على إكرام الوالدين الكبيرين فقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)، والنبي عليه الصلاة والسلام حث على توقير الكبير فقال: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا)، فخدمتهم والإحسان إليهم قربة نتقرب بها إلى الله، وأيضاً الصبر عليهم، فقد تبدر منهم بعض الكلمات العفوية وتكون في نظرنا قاسية أو شديدة أو تبدر منهم بعض التصرفات التي نستغرب منها، فعلينا أن نصبر عليهم، فهم صبروا علينا عندما كنا صغاراً وتحملونا فعلينا أن نصبر عليهم، ولا نظهر لهم التضجر والملل، فهم في أمس الحاجة إلى من يكون قريباً منهم في مشاعره وحديثه والجلوس إليهم، ولكم أن تتخيلوا معاناة بعض كبار المواطنين عندما يجلس في غرفته وحيداً طيلة اليوم، ويمر عليه بعض أقاربه في آخر اليوم لمدة دقائق، فهذا الأمر قد يكون سبباً في دخولهم في نوبة اكتئاب وحزن.
ويضيف قائلاً: ومن الأمور الجميلة والهامة شغل أوقات فراغهم، فبعض كبار المواطنين يعاني من فراغ قاتل، فلو شغلنا أوقاتهم ببعض الأمور النافعة كحفظ القرآن الكريم أو ممارسة الرياضة أو حضور المجالس الطيبة، فهذا الأمر يساهم في تخلصيهم من فراغ قاتل يعانون منه، ومن الأمور الهامة أيضاً الاستفادة من خبراتهم، فبعض كبار السن لديه خبرة عظيمة في الحياة وفي بعض المجالات كمجال النخيل والتراث والأسماك وغيرها، وهذا الحرص له أثر جميل على كبار المواطنين، فإن رأوا من غيرهم اهتماماً، ارتاحت نفوسهم وهدأت.
صحة نفسية
وتشير د. هالة الأبلم (اختصاصية نفسية)، موضحة: لا يمكن أن نغفل أهمية وجود العائلة في حياة كبار المواطنين، الذين اعتادوا على العطاء، فهو يحافظ على توازن الصحة النفسية ويحمي الكبار من الشعور بالوحدة والاكتئاب، طالما أن اهتمامه خارج نطاق ذاته، فينشغل عنها بالرغبة في مواصلة حياته الاجتماعية، من خلال اهتمامه بأحفاده ومتابعته لشؤونهم وتقديم النصح والمشورة، ولكن هذا لا يعني الإفراط في ذلك، فالمجهود البدني الزائد الذي قد يبذله المسن، قد يضره صحياً، كما أن الأعباء المادية تجاه أحفاده قد تعرضه للتوتر مما تكون نتائجه وخيمة على صحته وسلامته، فالمسن لا يستطيع أن يتحمل الكثير من الأعباء التي قد ترهقه نفسياً وجسدياً، وهذا ما يجب أن يعيه الأبناء الذين اتكلوا على آبائهم في كل شيء، وهذا لا يعني عزل كبار المواطنين، دون أن يمارسوا حياتهم وفق الشكل الذي يريدونه باحثين عن هواية تشغل فراغهم.
وتلفت الأبلم قائلة: لا بد من دعوة كبار المواطنين إلى المشاركة في الأنشطة الثقافية والاجتماعية، مع الاهتمام بمشكلاتهم الصحية والبدنية والنفسية، لتبقى هذه الفئة نشطة جسدياً واجتماعياً.
حساسية مفرطة
وحول فنون التعامل مع كبار المواطنين، يقول الخبير الأسري د. خليفة المحرزي: من الملاحظ أن أغلب كبار المواطنين يعانون من الحساسية المفرطة من أبسط التصرفات التي تقوم بها أمامهم أو الأحاديث التي ربما لا تعجبهم، ويبدون في أغلب الأحيان غاضبين ومتوترين حتى من أقل الأمور البسيطة، لذا علينا أن نأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار ونتوقعه لنحسن التصرف معهم، في حالة كان لديكم مسن ذو طبع حاد، هنا لا بد من الحفاظ على احترامه وتقديره، ويجب أن نتعامل مع هذه الفئة وفق قاعدة (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، حيث أمر الله عز وجل بالإحسان إليهم ورد الجميل إليهم، وأداء هذه الوصية ليس بالأمر السهل إذ يتطلب من الأبناء والأقارب أن يحسنوا التعامل معهم، ومراعاة التغيرات العضوية والنفسية والعقلية لديهم، مع ضرورة عدم الضجر من تعصبهم لماضيهم والذي يمثل لهم القوة والنشاط والمكانة الاجتماعية والإنجازات التي قدموها فينبغي تلمس العذر لهم وتفهم حالهم.
الدعم والسند
توضح زينة عبدالله (تربوية)، قائلة إن كبار المواطنين هم محور مهم في العائلة، وهم الدعم والسند للأبناء، فمازالت البيوت قائمة عليهم، تدار أمورها على أيديهم، في ظل غياب دور الأبناء، فما زلنا نشاهد كبار السن، وهم يأخذون أحفادهم إلى المدارس، بكل حب وحنان، وأعينهم تراقب دخولهم بأمان إلى الفصل، وهذه المشاعر لا تقل جمالاً عن مشهد أخذهم من المدرسة، هذه الصورة التي تحمل في طياتها حنيناً وشوقاً لمن رحلوا من الأجداد، وظلت أرواحهم حاضرة في كل مكان اعتدنا أن نراهم فيه، نرى ابتسامتهم ونسمع صدى صوتهم وحديثهم الذي لا يمل، فكبار المواطنين هم الإرث الحي الذي يوجد في كل بيت، وكل حفيد له حكاية وذكرى للعيش تحت ظلال الجد أو الجدة.
آداب التعامل
يقول د. خليفة المحرزي: لا بد من تعليم الأولاد تقديم الخدمات إلى كبار المواطنين داخل الأسرة، وتقوية العلاقة بهم، ليصبح الأولاد والأحفاد في المستقبل بارين بكبار المواطنين، ويظهرون الاحترام والتقدير لهم، بالتحية والسلام ومصافحتهم قبل غيرهم، ويقبلون رؤوسهم وأيديهم، لأنهم اعتادوا على هذه الأمور، مع الاهتمام بسؤال المسن عن ماضيه وذكرياته وإنجازاته والإصغاء إليه وعدم مقاطعته، والدعوة إلى الاقتداء به، والدعاء له، فلهذا أثر إيجابي عليه، ويولد نعيماً لا ينضب من السعادة النفسية، مع مساعدة المسن على المشاركة الاجتماعية بحضور المناسبات والعزائم، والتكيف مع وضعه الجديد وحمايته من الانسحاب الاجتماعي الناتج عن تقدم السن والعجز والأمراض وضعف السمع والبصر، فكن ذا لباقة معهم، وفي الأماكن العامة، عندما يدخل مسن أفسح له مكاناً للجلوس، ويجب الترحيب به، وإذا بادر بالحديث هنا يجب الإنصات إليه، مع ضرورة الحذر من الاستئثار بالحديث في حضرته أو تجاهله دون منحه فرصة للتعبير عن مشاعره، وآرائه وسرد خبراته.