رضا سليم (دبي)
«ألم الفراق يعتصر القلوب».. ومنذ أمس الأول، أصاب الحزن العميق الرياضة العربية، عندما ترجل الفارس الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة، النائب الثاني لرئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة البحريني، الرئيس الفخري للجنة الأولمبية، هرم الرياضة البحرينية والخليجية والعربية.
رحل الشاعر والأديب عن عمر يناهز 81 عاماً، بعد مسيرة رياضية حافلة، كان خلالها الأب الروحي لدورات الخليج، والرمز لكل الرياضيين، حيث عاصر جميع الدورات، منذ الانطلاقة الأولى في البحرين عام 1970، وحتى آخر نسخة «خليجي 24»، والتي تُوج بها منتخب البحرين للمرة الأولى، وهو الحلم الذي كان يتمناه طوال حياته، بأن يفوز «الأحمر» البحريني بكأس الخليج.
ويذكر التاريخ مبادرته بالدعوة إلى تنظيم دورات كأس الخليج العربي لكرة القدم وانطلاقها عام 1970 بمملكة البحرين، في أولى دوراتها، لتمثل أول مبادرة رياضية تجمع أبناء الخليج العربي، فقد كان أحد رموز الحركة الرياضية والأولمبية في المنطقة، وقامة رياضية كبيرة، وله إسهامات بارزة في النهوض بالرياضة البحرينية والخليجية، وعلى وجه الخصوص كرة القدم، وله محبة كبيرة في وجدان كل بحريني وخليجي وعربي، كما دعم الرياضة والرياضيين في البحرين على مدى نحو خمسة عقود متواصلة.
كان، رحمه الله، يحرص على حضور دورات كأس الخليج، وكان له مجلس في كل دورة يستقبل فيه الشخصيات الرياضية والضيوف، وأيضاً الإعلام الذي تعامل معه على أنه فاكهة دورات الخليج، بعدما اعتاد أن يشعلها ويحرك الأجواء بتصريحاته النارية أحياناً، والساخرة أحياناً أخرى، وأطلق عليه الإعلام ألقاب متعددة منها «شمعة الجلاس»، و«زينة المجالس»، و«ملح دورات كأس الخليج»، و«الرجل الذي قد تجد من يختلف عليه، لكن لن تجد من لا يحبه»، فكان يتميز ببساطته وكرمه وأخلاقه العالية، بل كان يشبه البحرين بعراقتها وأصالتها وطيبة شعبها وتاريخها. عاصر فقيد الرياضة العربية الكثير من الشخصيات في الدورات الخليجية، أبرزهم الشيخ الشهيد فهد الأحمد الجابر الصباح، والأمير الراحل فيصل بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود، بجانب صداقته الطويلة للشيخ أحمد الفهد الأحمد الصباح رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي.
قدم الشيخ عيسى بن راشد للمكتبة العربية والخليجية كتاب «خواطر وذكريات من دورات كأس الخليج لكرة القدم»، والذي تضمن شهاداته حول تاريخ كأس الخليج، وخواطره وانطباعاته في دورات كأس الخليج العربي على مدار 22 دورة، وحقائق ومعلومات وأسرار يزيح عنها الستار للمرة الأولى.
ويسرد الكتاب ذكرياته وشهاداته حول كأس الخليج العربي منذ انطلاقتها عام 1970، كما يحمل بين ثناياه تاريخاً رياضياً بارزاً، يحكي تفاصيل رحلة مليئة بالحكايات والمحطات البارزة عن انطلاقة الدورة الخليجية، ورجالات صنعوا تاريخ الرياضة الخليجية، وخرج الكتاب إلى النور في كأس الخليج رقم 23 بالكويت، وتم توزيعه على جميع الوفود المشاركة. وكان أبرز ما جاء في الكتاب عن قصة فكرة كأس الخليج التي انطلقت من مائدة عشاء، ضمت صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود، والشيخ محمد بن خليفة آل خليفة، والعديد من الرياضيين الخليجيين، والذي أقيم في السعودية، على هامش إحدى الاجتماعات الخليجية الخاصة.
وكشف عن قرار الشهيد فهد الأحمد حرمان أسطورة الكرة الكويتية جاسم يعقوب من المشاركة في «خليجي 5» التي أقيمت في العاصمة العراقية بغداد عام 1979، وذلك بسبب خلاف حاد جداً وقع بينهما قبل البطولة، والقرار كان صارماً للغاية، وفقد المنتخب الكويتي أحد أبرز أسلحته في الدورة، وظهر بصورة متردية على المستوى الفني.
ومن الطرائف الجميلة التي يستعرضها الكتاب، أن الشهيد الشيخ فهد الأحمد الصباح، رحمه الله، كان يتفاءل ببعض الأشخاص، ويتشاءم من الطيور والصغار الذين يوجدون في المنصة الرئيسة للملعب تحديداً، وفي حادثة طريفة أثناء «خليجي 9» الذي أقيم في الرياض عام 1988، كان موجوداً أحد الأشخاص الذين يتشاءم منهم الشهيد، وذهب الشيخ عيسى بن راشد إلى الأمير فيصل بن فهد، وتحدث معه، ليبقى الرجل حتى نهاية الدورة، وبالفعل طلب الأمير استضافة الرجل على نفقته الخاصة حتى نهاية الدورة، ما أثار غضب الشهيد.
ويسجل الكتاب تاريخاً طويلاً لدورات الخليج التي كانت وما زالت حديث المجالس، ورغم رحيل الأب الروحي، إلا أن تاريخه سيظل في ذاكرة الأجيال لسنوات طوال، ليس فقط من خلال كتابه، بل من خلال الإرث الطويل الذي تركه خلفه، كي يكون نبراساً لكل الأجيال المقبلة.
تويتر «الخليج» يتوشح بـ «السواد»
توشحت حسابات التواصل الاجتماعي بـ «السواد» حزناً على وفاة فقيد الرياضة الخليجية والرمز الراحل الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة الذي ووري جثمانه الثرى، أمس، بمقبرة الحنينية بالعاصمة البحرينية المنامة، بحضور عدد من الشخصيات الرسمية والوزراء، وجمع غفير من المواطنين يتقدمهم الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة. وطغت مكارم الراحل وهرم الرياضة الخليجية عبر حسابات التواصل الاجتماعي على كل الأنباء المتداولة الأخرى، وتصدر وسم #عيسى_بن_راشد «الترند» لساعات طويلة في معظم الدول الخليجية منذ إعلان نبأ وفاته مساء أمس الأول.
ونعى سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية، الراحل من خلال «تغريدة» على حساب سموه الرسمي في «تويتر»، قائلاً: «نعزي الشعب البحريني الشقيق في وفاة الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة أحد الرموز الرياضية الخليجية والعربية، سائلين المولى تعالى أن يسكنه فسيح جناته.. إنا لله وإنا إليه راجعون».
وتداول مغردون مقاطع فيديو للفقيد الراحل في مناسبات رياضية مختلفة ارتبطت في معظمها ببطولة كأس الخليج، فيما تبارت حسابات الأندية الخليجية ونجوم الرياضة والشعر والفن في نعي الفقيد الراحل، وتذكر مواقفه الإيجابية.
جائزة العمل التطوعي
أطلق الشيخ عيسى بن راشد جائزة للعمل التطوعي، في المجال الرياضي تحمل اسمه عام 2012، حيث يتم تكريم رواد العمل التطوعي الرياضي سنوياً، حيث كرمت النسخة الأولى رواد العمل الإداري في اللجنة الأولمبية والاتحادات الرياضية والإعلام الرياضي، فيما خصصت النسخة الثانية التي أقيمت عام 2014 إلى مؤسسي الاتحادات الرياضية البحرينية وعدد من الإعلاميين، بينما خصصت النسخة الثالثة إلى الإداريين أصحاب المناصب الخارجية في الاتحادات العربية والقارية والدولية، بالإضافة إلى فوج جديد من الإعلاميين، والرابعة شملت خليطاً من الإداريين والحكام واللاعبين.
السعودية تعزي البحرين
تقدم وزير الرياضة السعودي الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل، بالعزاء لمملكة البحرين، إثر رحيل الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة الرئيس الأسبق للجنة الأولمبية البحرينية، والذي وافته المنية أمس الأول.
وكتب وزير الرياضة السعودي عبر حسابه الرسمي بموقع شبكة التواصل الاجتماعي «تويتر»: «صادق العزاء والمواساة لمملكة البحرين الشقيقة وللوسط الرياضي الخليجي والعربي، في وفاة الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة، أحد الرجال الذين أسهموا في خدمة الرياضة وبرامجها على كافة الأصعدة».
وأضاف: «سنظل نتذكره بكل المحبة والتقدير، أسأل الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته».
في سطور
- ولد عام 1939 بمدينة المحرق
- التحق بكلية الحقوق في جامعة عين شمس وتخرج منها عام 1963.
- عمل قاضياً في محاكم البحرين من 1963 إلى 1968.
انتقل إلى الحرس الوطني مستشاراً قانونياً، ونائباً للقائد العام بقوة دفاع البحرين، ووكيلاً لوزارة الدفاع إلى 1976.
- عين وكيلاً لوزارة الإعلام إلى 1988.
- تقلد منصب رئيس المؤسسة العامة للشباب والرياضة بدرجة وزير.
- ترأس نادي البحرين في المحرق لسنوات عدة وتحول إلى رئيس فخري له
- تولى رئاسة الاتحاد البحريني لكرة القدم عام 1973.
- عين رئيساً للجنة الأولمبية البحرينية، وكان عضواً في لجنة التحكيم الدولية في اللجنة الأولمبية البحرينية.
- شغل منصب نائب رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة منذ 1999 وحتى وفاته
- كان رائداً في كتابة القصيدة الشعبية إحدى الروافد لنجاح الأغنية البحرينية، وله مساهمات أدبية وشعرية وثقافية.
- حصل على أوسمة وجوائز تقديرية عدة.