السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

خالد محمد أحمد لـ «الاتحاد»: القارئ يبحث عن المصداقية

خالد محمد أحمد لـ «الاتحاد»: القارئ يبحث عن المصداقية
13 مارس 2020 00:59

أجرى الحوار- حسين رشيد

من أصعب المهام أن تقترب ممن قد أتقنوا مهنتهم لدرجة الاحتراف، محاولاً مجاراتهم أو حتى تقليدهم، هذا بالضبط ما حدث لي عندما فكرت في إجراء حوار صحفي مع رائد الصحافة الإماراتية وأبي الصحفيين الإماراتيين، الإعلامي القدير خالد محمد أحمد، أول رئيس تحرير لجريدة الاتحاد من أبناء الإمارات بعد قيام الدولة، حيث كانت بداية رحلته في عالم الصحافة في يناير 1974، بدأها في سن مبكرة، فكان من الرعيل الأول الذين وضعوا لبنات العمل الصحفي في الإمارات.
أثناء الحوار كنت أنصت وأستمع بكل جوارحي لكلماته وجمله، لأتعلم من لفتاته قبل مفرداته.. وأعترف أن هدفي الحقيقي لم يكن محاورته، بقدر ما كان محاولة لسبر أغوار الرجل الذي انقطع عن العمل الصحفي منذ 17 عاماً.
الحوار معه كان ثرياً، بقدر ثراء رحلته المتميزة في عالم الصحافة. ولأنه حوار فارق، كنت حريصاً على صياغة كل ما يتعلق بتجربته ورحلته الطويلة ونجاحه، وكذا التوقف معه أمام أسماء تركت بصمتها في تاريخ الصحافة المحلية. وفي ما يلي نص الحوار:

كيف كانت البداية؟
- عندما تم تكليفي برئاسة تحرير جريدة الاتحاد، رفضت أن يذكر اسمي في ترويسة الصفحة الأولى في أول يوم أباشر فيه مهمتي الجديدة، وطلبت من مجلس إدارة التحرير أن يمنحوني شهراً على الأقل لأستوعب المكان، وكذلك أستوعب العمل مع عمالقة الإعلام الذين أسسوا جريدة الاتحاد آنذاك، لم تكن المهمة سهلة، ولكن بفضل الله، ومن ثم جهود فريق العمل، بدأت مشواري مع مهنة الصحافة.

الزميل حسين رشيد يسلم درع «الاتحاد»  للأستاذ خالد محمد أحمد (تصوير أشرف العمرة)

هل الصحافة اليوم (مهنة المتاعب) كما وصفتها في حوار سابق لك؟
- نعم هي كذلك، مهنة المتاعب والمصاعب.. بالتأكيد الوسائل الحديثة التي دخلت على هذه المهنة، مثل تقنية المعلومات وأتمتة آلية العمل اليومي والتعامل مع الأخبار من كل مصادرها، ساهمت بشكل كبير في تسهيل الحصول على الخبر وإنجاز العمل اليومي والتخفيف على الصحفي، ولكن (المتاعب) اليوم، كما هي، تفرض نفسها في متابعة ما وراء الخبر والخروج بانفرادات وتقديم محتوى مختلف عن الآخرين في الساحة.. باختصار، الصحافة مهنة غير مملة، فبقدر ما تعطيها تعطيك، وبقدر ما تخلص لها تخلص لك.

هل كانت الصحافة في الماضي مؤثرة ومحركة للرأي العام، في ما يخص القضايا الإيجابية ذات المصلحة الوطنية العامة، مقارنة بواقع اليوم.. أم أن التطور في تقنيات نقل المعلومات أثر على أداء دورها في القضايا ذات المصلحة الاجتماعية العامة؟
- بالطبع كانت الصحافة خلال عقودها الذهبية تلعب دوراً إيجابياً في تحريك الرأي العام بشكل أكبر، وتؤثر على متخذ القرار، لأنها مهنة مهمة وكانت أكثر شفافية ومؤثرة تقوم على جمع وتحليل الأخبار والتحقق من مصداقيتها وتقديمها للجمهور، وغالباً ما تكون هذه الأخبار متعلقة بالمستجدات وما يدور من أحداث على الساحة، أو طرح قضايا محلية أو سياسية وغيرها من القضايا، ومن الطبيعي أن يكون لها دور في تحريك الرأي العام في أي مجتمع، لسبب بسيط وهو أن المجتمع يستمد المعلومات والأخبار من الإعلام والصحف بشكل أساسي.. ولكن تطور وسائل الإعلام وسيطرة التقنيات الحديثة في نقل المعلومات وسهولة الحصول عليها من مختلف المصادر، دفع الناس لمعايشة العصر والتفاعل مع الثورة المعلوماتية التي قلبت كل الموازين وأضحت هي المؤثر الأول من دون منازع.

مجاراة الصحافة الإلكترونية
جميع الصحف الإماراتية العريقة مازالت تحتفظ بنسختها الورقية، كيف ترون مستقبل الورقي في ظل تصاعد الإعلام الرقمي؟
- الصحافة الورقية في الإمارات، والمنطقة بشكل عام، في تراجع أمام تصاعد الإعلام الرقمي أو الذكي، ويجب الانتباه، تطوير الأداء وإشراك القراء في تحرير الصحيفة، وهذا تحدٍ كبير بالنسبة للقائمين على هذه الصحف، فمن الضروري جداً التركيز على تطوير المحتوى الإعلامي، فالتحديات كثيرة ومتعددة، فإلى جانب التطور التكنولوجي هناك ارتفاع أسعار الورق وتكلفة الطباعة وصيانة المطابع، وغير ذلك من التحديات.. وفي المقابل الصحافة الرقمية أصبحت البديل الأمثل، باعتبارها أقل تكلفة وجهداً، وكذلك البديل الأمثل للمعلن التجاري. لذلك مستقبل الصحافة الورقية أصبح مرهوناً الآن بالمهنية والإبداع، خاصة أن القارئ اليوم على قدر من الوعى الذي يمكنه من فرز الغث من السمين قبل أن يقبل على شراء الجريدة، ولا يمكن مجاراة الصحافة الإلكترونية إلا عن طريق الاهتمام بما وراء الخبر، من تحليل ومتابعات، وآراء وملفات خاصة، وإشراك القراء في التحرير، كما ذكرت في بداية الحديث.

انفرادات تاريخية
هل تتذكر أبرز وأهم الأحداث المحلية والإقليمية والعالمية التي انفردت بها «جريدة الاتحاد» وتفوقت بها على بقية وسائل الإعلام والصحف المحلية، ونقلت تفاصيلها وسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية نقلاً عنها؟
- هناك الكثير من الأخبار، سواء محلية أو سياسية أو رياضية، انفردت «الاتحاد» بنشرها، أذكر منها انفراد الزميل حمدي تمام بحديث خاص للاتحاد للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيب الله ثراه) في العام 1974 عن امتيازات جديدة للمواطنين تحقق الرفاهية الاجتماعية، وخبر انفراد لحمدي تمام أيضاً عن مكافآت شهرية لجميع الطلبة الذين يدرسون في مدارس الإمارات بلا استثناء في العام 1974، والانفراد بنشر قانون المحافظة على الوثائق القومية في العام 1976، وكذلك خبر الزميل أحمد عمر، حين انفرد بتفاصيل قانون المعاشات ومكافآت التقاعد في العام 1974، والزميل عبدالفتاح بيبرس (رحمه الله) حين انفرد بتفاصيل خاصة حول إنشاء مؤسسة الإمارات للاتصالات في العام 1976، وخبر جمال أبوطالب (رحمه الله) حين انفرد بخبر توحيد أنظمة بدلات السكن في 1974.. وغيرها الكثير من الانفرادات الدولية التي تناقلتها وكالات أنباء وإذاعات عالمية، ولا تسعفني الذاكرة، ولكن يمكن الرجوع لها في أرشيف الاتحاد.

«استراحة الاتحاد»
اذكر لنا بعض التحديات والمواقف والذكريات الجميلة مع زملاء المهنة والتي لا تغيب عن ذاكرتك وعشتها خلال تلك السنوات في الوسط الصحفي والإعلامي.
- كانت هناك العديد من الأنشطة الترفيهية والاجتماعية التي تنظمها إدارة التحرير للصحفيين، وأذكر في إحدى المرات، كنا في رحلة برية للمبيت في الصحراء خلال إجازة نهاية الأسبوع مع عدد من الزملاء من مختلف أقسام الجريدة، وكلفنا أحد الزملاء الصحفيين بالعناية بالخروف المخصص لوجبة الغداء في اليوم الثاني، ولكن يبدو أن زميلنا أخذته الغفوة ليهرب الخروف ويختفي، وإذا بجهاز التحرير ينتشر في أرجاء البر من الفجر بحثاً عن الخروف الشارد، ولكن دون جدوى، وكان غداؤنا يومها عبارة عن رز مع البطاطس فقط.. وكانت تلك مادة خصبة لأحد الزملاء لينقل القصة الطريفة في زاوية «استراحة الاتحاد» بعد العودة من هذه الرحلة التي أذكرها وكأنها البارحة..

بعيداً عن «العالم الافتراضي»
يحرص الجميع اليوم على التواجد في منصات التواصل الاجتماعي.. ما سر عزوف خالد محمد أحمد عنها؟
- لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلام الاجتماعي، كما يطلق عليه البعض، هي وسائل مثلت تطوراً إيجابياً كبيراً، وساهمت في نشر الوعي والثقافة والترفيه وغيرها من الخدمات الرقمية، إلا أن أحداً لا يمكنه أن ينكر أن بعض الاستخدامات الخاطئة لهذه الوسائل شكلت مخاطر جمة على المجتمع، وشخصياً أرى أن دخولي في هذا العالم الافتراضي سيسبب لي إزعاجاً أنا في غنىً عنه، ولي بعض الأصدقاء ممن يتواجدون بقوة على السوشيال ميديا ويتعرضون للكثير من المضايقات وأسألهم دائماً: كيف تتحملون هذا الكم من المضايقات والكلام الخارج عن حدود الأدب؟!.. ولدي قناعة أننا في هذا العالم الافتراضي سنتعامل مع أشخاص يعانون الخلل، إما في شخصياتهم أو في طبيعة أفكارهم، وكذلك معظم ما يتم تناوله عبر هذه المنصات، خارج عن السياق المتعارف عليه للحوار الجاد والإثراء الفكري.. لذا أجدني غير مؤهل لخوض هذه التجربة.

مصلحة الوطن
ختاماً، ما هي نصيحتك للجيل الجديد من الصحفيين والإعلاميين الإماراتيين؟
- لمهنة الصحافة مبادئ وقواعد متعارف عليها، وأهمها التمسك بالقيم، وتثقيف النفس جيداً من خلال القراءة والاطلاع المستمر، والابتعاد عن المهاترات، فالكلمة أمانة، ونصيحتي لهذا الجيل الالتزام بالمبادئ العامة في جميع ما يقدمه ويرصده من أخبار ومحتوى، وهذه المبادئ هي الطريق الذي يحدد الالتزام به مدى نجاح الصحفي من عدمه، وعلى صحفيي هذا الجيل أن يعلموا أنهم يحملون رسالة سامية للمجتمع، لذا عليهم إيصالها بكل أمانة وصدق، وأن يضعوا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©