انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لأفراد طواقم طبية يرقصون في فترات الراحة، وهم يرتدون الأقنعة والملابس الواقية الخاصة بإجراءات الحجر الصحي.. وهي مشاهد تبرز مدى الضغط النفسي الذي يتعرض له مقدمو الرعاية الصحية هذه الأيام ورغبتهم في استحضار مشاعر إيجابية ضرورية لمقاومة الاحتراق النفسي والتوتر في مواجهة خطر محدق.. وهو ما ينبهنا لنقطة جوهرية قلما يتطرق لها أحد، هي دور «الصحة النفسية» في مقاومة تهديد وجودي من هذا النوع، سواء للأطباء أو لعموم الناس في مواجهة العدوى.. الأمر الذي تناولته دورية «ذا سياكولوجيست» التي تصدرها جمعية علم النفس البريطانية مؤخراً، حيث عرضت توصيات عديدة يقترحها علماء النفس لأفراد المجتمع في مواجهة كورونا، كان أبرزها ما يلي..
المصير مشترك.. لا فردي!
لتشجيع الناس على اتباع التدابير الصحية، يظن البعض أن الوسيلة المثالية هي توجيه رسالة إعلامية مفادها التركيز على المصلحة الشخصية.. «افعل كذا كي لا تموت».. أو «اتبع الإرشادات كي لا تصاب بكورونا».. إلا أن باحثيْن من جامعة سانت أندروز وجامعة ساسكس، يرون أن هذه الطريقة ليست عديمة الجدوى فقط، بل قد تكون مضرة..
يقول الباحثان ستيفن ريشر وجون دروري إن رسالة «المصلحة الفردية» رسالة خطيرة تشجع الناس على أن يكونوا أنانيين وهو ما يؤدي إلى تفاقم المشكلة.. فمثلاً، كيف تقنع شخصاً أنانياً بالالتزام بتعليمات العزل الصحي.. أو تغطية وجهه وقت السعال.. أو عدم إضاعة وقت مقدمي الرعاية الصحية أكثر من اللازم.. أو عدم التكالب لشراء مطهرات بكميات ضخمة تفوق احتياجه الحقيقي دون مراعاة لغيره؟ كلها سلوكيات أنانية غير مطلوبة ولا ينبغي تشجيعها.. كما أن التركيز على المصلحة الفردية لن يجدي نفعاً مع الأشخاص الذين اعتادوا التحدي والاستهتار بالمخاطر، إذ تلزمهم رسالة أكثر فعالية.. فما هي؟
ينصح الباحثان بتركيز الخطاب الإعلامي على فكرة المصير المشترك.. النجاة العامة لا الفردية.. لا تفكر في «أنا» بل فكر في «نحن».. علينا أن نفعل كذا كي لا تغرق السفينة بنا جميعاً بكل من نحبهم ونهتم بأمرهم... فعندما يطور الناس شعوراً بالهوية الاجتماعية المشتركة في مواجهة الخطر، تزيد القدرة على الدعم والتنسيق بينهم والتعاطف مع المحتاجين والاهتمام بحصولهم على أكبر قدر مساعدة. وهو رد فعل نفسي تلقائي نلمسه في حياتنا اليومية، مثلما تتغير طريقة قيادتك للسيارة حين يكون فيها أطفالك! قد يكون الإنسان مستهتراً حين يتعلق الأمر به وحده، لكنه سيصبح أكثر حذراً حين يتعلق الأمر بمن يحب. إفراغ القضية من مفهوم النجاة الفردية كي تصبح قضية نجاة مشتركة، يخلق حافزاً أكبر.. بالإضافة لذلك، فإنه يخلق ضغطاً اجتماعياً إضافياً على الأفراد ويجعلهم أكثر اتباعاً لسلوكيات مكافحة العدوى.. حين يدرك الشخص أن انتهاك القواعد يستدعي رفضاً خارجياً سيمتثل للتعليمات.. الشخص الذي يعاني من الحمى، لن يذهب للعمل لو كان يعرف أن هذا ليس سلوكاً مقبولاً اجتماعياً.
باختصار: عندما يتم وضع التهديد في إطار جماعي، لا فردي.. تكون استجابة الفرد والمجتمع أكثر قوة وفعالية.
هل نهزأ بكورونا؟
ترى الدكتورة صوفي سكوت أستاذ علم الأعصاب الإدراكي، أن البعض قد يعتبر السخرية من فيروس كورونا أمراً مثيراً للجدل كونه حدثاً مأساوياً يهدد حياة الناس.. وتقول إن هذه الأيام تشهد تنامياً في الضغط الاجتماعي عبر مواقع التواصل لتحديد ما يليق وما لا يليق السخرية منه.. وتلفت الأستاذة بجامعة لندن الجامعية النظر لكون السخرية وسيلة استخدمها الإنسان منذ العصور القديمة للتخفيف من التوتر ولتعزيز الترابط الاجتماعي بين الناس.. حتى لو كانت كوميديا سوداء أو تتناول موضوعات مأساوية للتخفيف من وطأتها.. وتلفت النظر لكون البشر مختلفين في مدى قدرتهم على استخدام السخرية كوسيلة دفاعية مناسبة لهم. باختصار: السخرية قد يتحملها البعض ويستفيدون منها ويجدونها مناسبة لهم، بينما يرى البعض أنها لا تناسبهم.
الاحتكام للعلم الحديث
هل يصاب الجمهور بالذعر والهلع غير المنطقي في مواجهة الكوارث دائما؟ تشير البيانات أن هذا ليس الحال بالضرورة.. إذ تشير البيانات أن استجابة العامة تحدث طبقاً لعوامل منها: نوع المعلومات المتاحة، وتصورهم لحجم المخاطر، ومستويات الثقة المستثمَرة طوال السنوات في مؤسسات الدولة. كما يزيد اطمئنان الناس بوضع خطط استمرارية الأعمال عند حدوث الكوارث، سواء كان في الشركات التي توفر الخدمات الأساسية (مثل الغاز والكهرباء والنقل والرعاية الصحية..) عن طريق وضع خطط بديلة تتيح استمرار خدماتها.. أو على مستوى الأفراد بما يشمل إدراكهم لحجم المشكلة وتوفير الاستعدادات لها كالتأكد من توفر رعاية للأطفال إذا كانت المدارس مغلقة..
هذا ما تؤكده أستاذة العلوم السلوكية والأمن بروك روجرز من كلية كينجز كوليدج في لندن، موضحة إن نتائج دراسات العلوم السلوكية يمكن أن تساعد السلطات في احتواء الكوارث بطرق أكثر واقعية وفعالية.
من المثير للاهتمام أن الباحثين في العلوم السلوكية، يتعاملون مع فيروس كورونا وكأنه دعوة لأن نستفيق ونعمل معاً للحفاظ على مصيرنا المشترك.. أن نصبح أكثر إنسانية، في مواجهة تهديد لن تجدي معه الأنانية وتقديم المصلحة الشخصية.