أحمد مراد (القاهرة)
شدَّد علماء في الأزهر على ضرورة تنقية مفهوم «القوامة» من الشوائب والأخطاء التي علقت به، والتي جعلته ذريعة لتسلط الرجل على زوجته وقهرها وإذلالها، مؤكدين أن قوامة الرجل لا تعطي أفضلية للرجل على المرأة، وإنما تعني قيادة الأسرة، وتحمل مسؤولية أعبائها، وفي هذا الأمر تكريماً للمرأة وليس انتقاصاً من شأنها، وهي تفرض على الزوج أن يستشير زوجته فيما يتعلق بأمر الأسرة، وأن يحسن عشرتها، وأن لا يظلمها، ولا ينتقص من شأنها أو كرامتها. وأشار العلماء إلى أنه في بعض الحالات يمكن أن تنتقل فيها القوامة للمرأة كأن يكون الزوج مريضاً غير قادر على العمل والإدارة أو فقد عقله، مؤكدين أنه لا يحق لرجل لم يؤد شروط القوامة، من إنفاق ورعاية ومسؤولية، أن تكون له القوامة على زوجته.
الفهم الخاطئ
من جهته، أوضح الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر، أن كثيراً من الناس يفهمون معنى القوامة التي جعلها الله للرجال على النساء فهما خاطئاً، حيث يفسرونها بما يرضي نزعتهم الذكورية التي تجنح إلى التميز والتسلط وعلو المكانة على الأنثى، ولترسيخ هذا الفهم يولع بعض الناس بالاستشهاد بنصوص من القرآن والسنة بعد تفسيرها تفسيراً يدلل على هذا التميز والتسلط للرجال على النساء، ومن أبرز النصوص التي يستشهدون بها لرفع مكانة الرجال وخفض منزلة النساء ولا سيما الزوجات، قول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى? بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ...)، «سورة النساء: الآية 34»، حيث يزعمون أن الآية تنص صراحة على تفضيل الرجال على النساء، وهذا هو معنى القوامة في نظرهم، ولست أدري من أين جاء هؤلاء بهذا الفهم، وهذه الإضافة على المعنى اللغوي للقوامة الذي نجده واضحاً في قواميس اللغة، حيث إن القوامة في اللغة تعني القيام على شأن الآخر ورعايته وليس التسلط عليه وقهره، وهو المعنى ذاته الذي نجده عند أهل الذكر من المفسرين، حيث يقول ابن العربي في تفسير هذه الآية: «قّوام»، أي أمين عليها، يتولى أمرها ويصلحها في حالها، عليها له الطاعة، وعليه - أي الزوج - أن يبذل المهر والنفقة ويحسن العشرة، ويحميها ويأمرها بطاعة الله تعالى، ويرغب إليها شعائر الإسلام من صلاة وصيام، وعليها الحفاظ على ماله، والإحسان إلى أهله وقبول قوله في الطاعات.
وأضاف وكيل الأزهر: «للأسف حوّل بعض الرجال معنى «القوامة» التي تعني مسؤولية الرجل عن المرأة وحمايته لها مع ما في ذلك من إسعاد لها، إلى ما يرضي أهواء كثير منهم ويكدر على المرأة حياتها ويورثها آلاما نفسية تخشى إن أفصحت عنها تكون قد أظهرت تبرمها من أحكام شريعته، ألم يقرأ هؤلاء قول الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَ?لِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، «سورة الروم: الآية 21»، كيف إذا يسلط الشرع الرجل على المرأة المخلوقة منه لتكون سكنا له ومصدرا للمودة والرحمة التي تقتضي المماثلة منه أيضاً؟، ألم يقف هؤلاء على بعض مواقف الهادي البشير في إكرام نسائه أحياءً وأمواتاً، حيث يصل صلى الله عليه وسلم صديقات زوجته خديجة رضي الله عنها بعد وفاتها برا لها؟، ألم يسمعوا يوماً قول رسولنا الكريم: «استوصوا بالنساء خيراً»، وقوله: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، وقوله: «إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته»، وقوله: «إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنك تؤجر، حتى اللقمة ترفعها إلى فيّ امرأتك»، ألم يعلموا أن وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء كانت من آخر وصاياه؟».
وأكد د. شومان أن الزعم بأن القوامة تعنى تفضيل الرجال على النساء واتخاذ ذلك ذريعة للتسلط عليهن وقهرهن هو من بدع العقول الباحثة عن مبرر يرضي نزعتها الذكورية، فقوله تعالى: (... بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى? بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ...)، «سورة النساء: الآية 34»، لا يعدو كونه تحميلاً للرجال مسؤولياتهم تجاه النساء، حيث جعل الله الرجال أقدر على مواجهة مشكلات الحياة اليومية وأكثر جلداً على التكسب، وما يناسب مروءتهم هو البذل والإنفاق على النساء وليس العكس، ولذا كان من الملائم أن يتصدر هو بيته ويصدر قراراته إلى مجتمعه الخارجي بعد مشاورة من فيه بمن فيهم زوجته بطبيعة الحال التي قد تقترح عليه رأياً أصوب من رأيه، وإن كان السائد عرفاً أن تكريم المرأة يقتضي تجنيبها مواجهة مجتمعها بأمور بيتها ليتولاها زوجها أو وليها. وتابع شومان قائلاً: «وإن كانت القوامة تحمّل الرجل مسؤولياته تجاه المرأة، فإنها حّملت المرأة أيضاً مسؤوليات منها تربية أولادها ورعاية بيتها وحفظ كرامة زوجها، ومن ثم، فإن القوامة لا تعني بحال رفعاً للرجال وخفضاً للنساء، وإنما جُعلت القوامة لكل من الرجل والمرأة بما يناسب طبيعته وقدرته وما يسر له وجُبِل عليه، ولعل هذا هو سر التعبير بقوله تعالى: (... بَعْضَهُمْ عَلَى? بَعْضٍ ...)، «سورة البقرة: الآية 253»، حيث تصلح للطرفين، ولو كان المراد تفضيل الرجال فقط لقال: بما فضلهم على النساء، أو بما فضل الرجال على النساء، أو نحو ذلك، وإذا كان الرجال يظنون أن القوامة حق لهم على نسائهم، فليعلموا أن لنسائهم عليهم حقوقا أيضاً، فالطاعة متبادلة بينهما وليست خالصة للرجال دون النساء».
لا للتمييز والتعصب
من ناحية أخرى، أوضحت الدكتورة آمنة نصير الأستاذ بجامعة الأزهر، أن الإسلام الحنيف يقر مبدأ الحياة الكريمة لكل من الرجل والمرأة على السواء، ويرفض كل شكل من أشكال التمييز والتعصب لأي جنس من الجنسين، ويعتبرهما متساويين في عمارة الأرض، مع المشاركة التامة لا امتياز فيه لأحدهما على الآخر، مشيرة إلى أن قوامة الرجل على المرأة لا تعطي أفضلية للرجل على حساب المرأة، وإنما تعني قيادة الأسرة، وتحمل مسؤولية أعبائها، وفي هذا الأمر تكريمهم للمرأة وليس انتقاصاً من شأنها، فضلاً عن أن الإسلام كلف المرأة بمسؤوليات لا تقل أهمية عن مسؤوليات الرجل، وتتمثل في تربية الأولاد تربية صالحة، ومن هنا يتكامل دور المرأة مع الرجل في الحياة، ولا تستقيم إلا بتكامل هذه الأدوار. وقالت نصير: «قوامة الرجل لم تكن أبداً مبرراً للتحكم أو التسلط على المرأة، وإنما تفرض على الزوج أن يستشير زوجته فيما يتعلق بأمر الأسرة، وأن يحسن عشرتها، وأن لا يظلمها، ولا ينتقص من شأنها أو كرامتها».
تفسيرات خاطئة
الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، قال: «إن مفهوم القوامة من أكثر المفاهيم الإسلامية التي يدار حولها لغط كبير، والبعض من الرجال يعتبرونه ذريعة لقهر المرأة وإذلالها، والبعض الآخر يعتبره دليلاً على أن الرجل يأتي في المرتبة الأولى ثم تأتي بعده المرأة، وبالتأكيد كل هذه التفسيرات خاطئة، ولا علاقة لها بصحيح الدين الحنيف»، حيث إن قول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ...)، «سورة النساء: الآية 34»، يعني أن الرجال يديرون شؤون الأسرة إنفاقاً وتوجيهاً وتعليماً وإشرافاً، ولاية ومسؤولية كاملة، وليس معناه الأفضلية، فضلاً عن أنه في بعض الحالات يمكن أن تنتقل فيها القوامة للمرأة، كأن يكون الزوج مريضاً غير قادر على العمل والإدارة أو فقد عقله.