عبير زيتون (دبي)
ترى الناقدة السورية د. سمر جورج الديوب في «النقد» حرفة، ودربة، وصناعة، كما عرّفه نقادنا القدماء، وتوجه رؤيوي في الحياة يصل إلى مستوى الإبداع، وأن على الناقد أن يمتلك مشروعه النقدي الذي لا ينفصل عن المشروع النقدي الوطني والقومي.
وحول ترشح كتابها «الخطاب ثلاثي الأبعاد – دراسات في الأدب العربي المعاصر» ضمن القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، في دورتها الثالثة عشرة - فرع الفنون والدراسات النقدية - قالت الدكتورة سمر الديوب، عميدة كلية الآداب في جامعة البعث، لـ «الاتحاد»: أسعدني جداً خبر ترشحي للجائزة العريقة لسببين: الأول، أن الإمارات بلد أثير جداً بالنسبة إليِّ، ولترشحي لجائزة الشيخ زايد للكتاب ذكرى وبريق خاص، لا سيما وأننا لمسنا جميعاً موضوعية التحكيم. والسبب الثاني أن الترشح للجائزة رمز جميل يكرّم به المجِدّ، فيرفع من رصيد صاحبه، ويثبت اسمه في ميدان البحث، والإبداع، ويزيده حماسة ليقدّم الأفضل مستقبلاً.
أبعاد الخطاب
وعن الأبعاد الثلاثية في الخطاب الأدبي كما يقترحها مؤلفها النقدي الجديد، الصادر عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، أوضحت: يهتم الكتاب بالنصوص الأدبية المعاصرة، التي لا تزال موضع قبول ورفض من قبل الباحثين، لكنها موجودة بقوة على الساحتين الأدبية والنقدية، فالدراسات حول هذه الأنواع ما تزال قليلة، ولم تتم معالجتها من زاوية الأبعاد التي ينهض عليها النص الأدبي، والتي تختلف من نص إلى آخر، ولقد استفدت من جهود النقاد الغربيين، والنقاد العرب المحدثين في دراسة هذه الأنواع، انطلاقاً من فكرة أن القصة القصيرة جداً، والأدب الرقمي، وأدب الخيال العلمي، وقصيدة الومضة، أنواع تمثل أدب الرؤيا بامتياز من جهة، وتعدّ ميداناً خصباً لدراسة الأبعاد التي اقترحتها من جهة أخرى. وهذا الكتاب هو استكمال لمشروعي البحثي المتعلق بالثنائيات الضدية في الفكر والأدب.
وحول المقصود بـ «البعد» في الخطاب الأدبي، هل هو حيز مكاني أم مجازي؟ أوضحت صاحبة كتابيْ «مجاز العلم» و «النص العابر» أن «الخطاب الأدبي هو خطاب مفتوح على ما هو خارج النص، ينهض على فضاء ما، في اتجاهات مختلفة، لها أبعاد لا تأخذ سمة مكانية، بل افتراضية، فكرية، وتتداخل مع بعضها بعضاً، بما يغني النص الأدبي»، مشيرة إلى أن «أدب الخيال العلمي والقصة القصيرة جداً، وقصيدة الومضة من الأدب الخطيّ الذي يقدَّم بوسيط طباعي من الحبر والورق، ويتشكل من توالي جمل لها بداية ونهاية؛ وهذه الخطية تغتني بوجود الأبعاد التي تجعل النص وكأنه لوحة ثلاثية الأبعاد، وتحتاج إلى نظارة خاصة لرؤية هذه الأبعاد الثلاثية، فتنفتح القصة القصيرة جداً على الفن التشكيلي، وتستخدم الومضةُ علامات الترقيم والبياض النصي، فتولّد صوراً متخيلة في الذهن.
أما في الأدب الرقمي، فإن الوسيط هنا يتغير، والخطية تختفي، ويصبح الحاسوب المرتبط بالشبكة العنكبوتية جزءاً مهماً من تكوين النص الرقمي، وتضيف: إن العلاقة بين هذه الأبعاد في الأدب، علاقة حوارية، وسمة مائزة لكل خطاب أدبي خاصة في عصرنا الحالي، عصر الثقافة الصُّوَرية بفرعيها الثابت والمتحرك. وكما قال سابقا سيمونيدس الإغريقي: إن الشعر صورة ناطقة، أو رسم ناطق، وإن الرسم أو التصوير شعر صامت.
النقد والمنهج
لا تؤمن د. الديوب، الحائزة جائزة الدولة التشجيعية، بضرورة التقيد بمنهج نقدي واحد في عمل الناقد، لأن تبني أحد المناهج «يعني إقصاء ما عداه»، وتقول حول أسباب توجهها إلى دراسة الأنواع الأدبية المعاصرة، رغم تخصصها في الأدب العربي القديم (إسلامي وأموي): لست مع أن يحصر الناقد نفسه في إطار تخصصه الضيق، خاصة أن أبواب البحث مشرّعة، فمجاوزة التخصص شرط لازم للناقد، ولا تشكل عبئاً عليه، لأن من لا يجاري التيار يسبقه ويخلّفه وراءه، لهذا عملت منذ البداية على الجمع بين مفردات النقد الحديث والأدب القديم، إذ وجدت أني يجب أن أطور عملي وأدواتي النقدية، فانصرفت إلى نقد الأنواع الأدبية الناشئة كالأدب الرقمي، والقصة القصيرة جداً، وقصيدة الومضة، وأدب الخيال العلمي. ولعل هذا الموقف المنهجي يتفق وانفتاح الخطاب النقدي الحديث على مفاهيم كثيرة، تتآلف في إطاره بقصد معالجة الأثر المدروس من زواياه المختلفة، ومع ذلك نفضل الميل إلى التأويل ذلك أن المناهج جميعاً تفضي إلى التأويل في النهاية.
وعن أسباب غياب نظرية نقدية عربية معاصرة، وتأثير ذلك على سوية الخطاب الفكري المعاصر- تقول: «إننا في أمس الحاجة للقيام بحفريات عميقة في الحقول المعرفية في ثقافتنا العربية، لنكوّن نظرية في الفكر والمعرفة، ويكون ذلك بعمل جماعي لمفكرينا في إطار منظم يسمح بإنتاج أدوات المعرفة التي تنتج النظريات النقدية، خاصة والمنطقة العربية تعاني قلة في النقد التطبيقي، الذي يكشف عن القوانين الداخلية التي تحكم العمل الأدبي، فثمة مصطلحات نقدية جديدة ومترجمة لم تكن مألوفة، وثمة فوضى مصطلحية بسبب عدم التزام كثير من النقاد بها، كما أن هنالك فارقاً بين المصطلح في أصوله الغربية، وجذوره في النقد العربي القديم، فقصيدة الومضة على سبيل المثال ترجمت إلى النثيرة والتوقيعة واللافتة والبرقية والتلكس الشعري وقصيدة المشهد والأبيجراما والقصيدة الفلاشية. وتختم: بالتأكيد لدينا نقاد لهم بصماتهم في رحاب النقد، ولا يمكن بأي حال اتهامهم بالتقصير في متابعة الحركة الأدبية لأن النص النقدي والنص الأدبي يتوازيان، ولا يمكن أن ينفصلا.