الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«مكتبة قصر الوطن» فضاء الالتقاء الإنساني

«مكتبة قصر الوطن» فضاء الالتقاء الإنساني
12 مارس 2020 01:27

منذ افتتاح قصر الوطن، في عاصمة الجمال أبوظبي، ولم يتوقف السؤال عن المكان في قدرته على أن يُحدث حالة معرفية للإنسان الزائر لتفاصيل الفضاء المعرفي المفتوح في القصر، والذي يُقدم بوصفه مرجعية معمارية بديعة، في جناحه الشرقي «مكتبة قصر الوطن»، التي تتضمن أكثر من 50 ألف كتاب، لمختلف المراحل التاريخية، التي شارك فيها الكتاب والعلماء والمفكرون العرب، فمن خلالها هدفت دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي إلى دعم اقتصاد المعرفة، لتعزيز التنمية واستدامتها من خلال أن يُشكل فيها الإنسان تجربة معرفية متكاملة، ولكنها أيضاً توسع نطاق تناول مفهوم المكتبة كمصدر للمعلومة، في كونه يهيأ مراحل متتالية من تفاعل المعلومة، لبناء الوعي العام المشكل للمجتمع. وما يجعل «مكتبة قصر الوطن» متفردة بطبيعتها عن مجموعة المكتبات العامة في أبوظبي، هي أنها تقدم للسائح والمكتشف القادم من حول العالم الطريق نحو عوالم الحياة في التكوين الثقافي للمجتمع الإماراتي، بمعنى أنها تحفزه نحو البحث والسؤال إلى ما هو أبعد من حضور المكتبة، إلى أناس المكان واهتماماتهم، وكيف يؤثر عليهم منجز معماري بهيبة قصر الوطن، في أن يتعمقوا أكثر في فهم التاريخ والحضارة العربية والإسلامية، ومنه قد يتوصل المتابع بأن «مكتبة قصر الوطن» هي منطقة جديدة للربط بين السياحة الثقافية والقراءة، بوصفها محصلة إنسانية تساعدنا في بناء شكل تعبيري نتواصل من خلاله مع الآخر، الذي قد لا يتسنى له فرصة اللقاء المباشر معنا، كمواطنين ومقيمين، على أرض دولة الإمارات.
«مكتبة قصر الوطن» لا تتحرك لوحدها في المنجز المعرفي للقصر، هناك دائماً معروضات وأعمال فنية نادرة، عُرضت في «بيت المعرفة» بالقصر، الذي يوضح العصر الذهبي للحضارة العربية وإسهاماتها في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية من علوم وفنون وآداب، من أبرزها مجموعة من المخطوطات القديمة، التي تعود إلى قرون ماضية من مختلف أنحاء العالم العربي، بما في ذلك «مخطوطة برمنجهام للقرآن الكريم»، و«مخطوطة أطلس في علم الفلك»، و«شرح لامية الزقاق الخاصة بفقه القضاء وأصول المحاكمات»، إلى جانب «أول خريطة عصرية للجزيرة العربية من عام 1561»، التي رسمها الإيطالي جياكومو جاستالدي، من خلال استخدام المعلومات التي جمعها المستكشفون البرتغاليون، ويعتقد بأنها أول خريطة تحمل اسم إمارة أبوظبي. وتعتبر معظم المخطوطات المعروضة نادرة، كما أوضح القائمون على معروضات القصر، سواء أكان ذلك من حيث الموضوع أم الشكل أم النسخ، وجميعها أدت البعد المعرفي للمكتبة بالمفهوم التفاعلي الجديد، بأنه للحصول على المعلومة، لا يتطلب اليوم الجلوس وقراءة كتاب، بل القدرة على نسج حركة منسابة في المكان، تصل بالشخص للمعلومة من خلال إدراك تجربة اكتشافها، والقراءة جزء أصيل منها ولكنه ليس مطلقاً، ويرتبط المتلقي بالقراءة والمكان من خلال المخرجات الإبداعية، التي قد تنتج مسارات فكرية مغايرة، تلبي احتياجات الحضارة الإنسانية من جهة، وتقدم للقارئ نوعاً من التلاقي مع ذاته.

مقصد رئيس
تتفرد «مكتبة قصر الوطن» بخصائص وظيفية وجمالية تجعلها تختلف في مساهماتها الوظيفية عن مجمل المكتبات العامة، اعتبرها جمعة الظاهري، مدير مكتبة قصر الوطن، في حديثه لـ «الاتحاد» بأنها مختلفة تماماً في تعاطيها المجتمعي، لأنها تتركز على الاختصاص في كونها مقصداً رئيساً للقاء الثقافي بين مختلف المهتمين بقطاع الثقافة والعمارة من حول العالم، ممثلةً وجهة عالمية للباحثين والطلاب، وتشتمل على كتب نادرة ومراجع متخصصة بالجوانب الجغرافية وعلم الإنسان وغيرها، إضافة إلى مجموعة الكتب والمنشورات ذات الارتباط البحثي بالتاريخ، مضيفاً أن المكتبة تضم كذلك كتباً من الإمارات والخليج. واللافت كما أوضح الظاهري فيما يتعلق بتجربته في إدارة المكتبات، بأن «مكتبة قصر الوطن»، لها فضاء جماهيري مختلف، على سبيل المثال، عن «مكتبة زايد»، فالأخيرة لسهولة الوصول والدخول، يصبح موقعها أكثر حيوية من ناحية دراسة الطلبة كمكان للمذاكرة، خاصةً أن دائرة الثقافة والسياحة تهدف إلى جعل المكتبات المقصد الأول للعائلة، بالمقابل ما يحدث في مكتبة قصر الوطن، فهو بالتأكيد مقصد للعائلة وللطلبة وللجميع، ولكنها تفرض هيبة تكوينها في أنها مقصد أساسي لاكتشاف الفضاء العام للقصر، فهي جزء من رحلة طويلة للمهتم بدراسة «المكان» وليس الوصول للكتب فقط، فعندما يأتي السائح للثقافة تدهشه فكرة أن ينظر لكتاب يتجاوز عمره الـ 300 سنة في دولة الإمارات، ويستوعب أهمية المعرفة وتقديرها لدى قادة وشعب دولة الإمارات، ومن هنا نفتح مجالاً أوسع للحوار والتواصل.

كنوز معرفية
من جهته، اعتبر جمعة الظاهري أن المتأمل للبرنامج الثقافي لـ «مكتبة قصر الوطن»، يستطيع أن يدرك الرؤية المجتمعية التي يحاول القائمون على البرنامج في أن يبنوها مع المجتمع المحلي المحيط بهذه الكنوز المعرفية التي تعيش بين رفوف مكتبة القصر، والتي تشمل إبراز الاهتمام بالثقافة المحلية والعربية والعالمية، وجميعها استثمار حقيقي لجهود المبدعين في قطاع العمل الثقافي، ويجب التنويه أن طبيعة الفعاليات تكون منتقاة وتتسق مع فضاء قصر الوطن، ولكن الحديث الفعلي لما يمكن أن تحدثه حضور مكتبة قصر الوطن، هو ما يمكن استشفافه من تأكيد جمعة الظاهري، حول أثر الإيمان بأهمية المكتبة على مستوى إمارة أبوظبي، قائلاً إن هناك تغيراً كبيراً في التفكير بالمكتبة عموماً في دولة الإمارات، وهو أمر لا يمكن فصله عن الأدوار المحورية التي تلعبها المكتبات الكبرى، من مثل «مكتبة قصر الوطن».
إذاً يمكننا، بحسب ما لفت إليه جمعة الظاهري، أن نصل إلى دور مكتبة الحيّ، وكيف تعكس بشكل بديع، التراكم المتجلي في المكتبات الكبرى، وفي هذا الصدد، لفت الظاهري إلى أن المكتبة في التفكير الحديث خرجت عن جمود الطاولة والكرسي، هناك حديقة المكتبة على سبيل المثال، التي تشاهد كيف يتفاعل معها الأطفال، والمسرح كذلك، الذي يقدم تصوراً بانورامياً للثقافة التي تتجاوز القراءة إلى تقديم العروض الأدائية، إضافة إلى قاعات التدريب، سواء للأطفال واليافعين وحتى العاملين في مجال الأعمال والصحة، يأتون ويقدمون ندواتهم واجتماعاتهم في المكتبة. بالنسبة للظاهري هذا تحول حيوي، لنظرة المجتمع نحو المكتبة. والأمر لم يتوقف على مضامين ومرافق المكتبة، فإنه إذا رجعنا بشكل بسيط للحديث السابق حول الدور المعماري لمكتبة قصر الوطن، والمكتبات المهمة في العاصمة أبوظبي، سنتفهم الإرادة الواعية لدائرة الثقافة والسياحة أبوظبي، في تركيزها على تجديد فضاء المكتبات.
يُطلعنا جمعة الظاهري على أول ما يشغل القائمين على المكتبات، وهي مدى إمكانية فتح مساحات، يتحرك من خلالها زوار المكتبة، إضافة إلى تحويل المكتبة إلى منصة استقطاب للمواهب والمبدعين، فمثلاً أحد زوار المكتبة العامة اقترح بأن يكون هناك سينما مجتمعية، وتم بشكل فعلي التفاعل مع المقترح، وإدراجه ضمن برنامج المكتبة، ويضيف الظاهري، بأن الموضوع يبدأ مع مسألة القراءة ولكنه ينتهي إلى إمكانية الشعور بتفاعل الناس مع المكان، الذي نحتاجه بشكل مستدام ومستمر، ولضمان ذلك أنت تحتاج أن تفكر في تطوير المشهد المكاني للمكتبة، أن تجعله أيقونة لها مكانتها وقوتها مثل «مكتبة قصر الوطن»، فهي تحمل رمزية مهمة في تقدير المعارف بدولة الإمارات.
وفي سياق مختلف، فإن مكتبة قصر الوطن، تحتفي كذلك بالمحتوى الرقمي، حيث تحتوي على نحو 16 مليون مادة متنوعة، يمكن الوصول إليها إلكترونياً من أي مكان. ويمكن للزوار دخول المكتبة مجاناً، من خلال مدخل خاص منفصل، وذلك بعد قيامهم بالتسجيل في مركز الزوار.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©