كانبيرا (وكالات)
تأججت حرائق الغابات في جنوب أستراليا، أمس، وسط موجة حر تنذر بتفاقم الأزمة، وتحذير مسؤولين من أن بعض المناطق قد تكون لا تزال في بداية الكارثة المدمرة، وسط ارتفاع متوقع لدرجات الحرارة اليوم الجمعة، ما ينذر بحرائق كبيرة، ودعوة السلطات إلى إجلاء جماعي آخر.
وتوجه الجنود إلى منازل السكان ونصحوهم بمغادرة بلدة بارندانا بجنوب أستراليا في جزيرة كانغارو بعد أن اجتاح حريق ضخم المنطقة فيما ارتفعت الحرارة إلى 38 درجة مئوية. ومدد المسؤولون في ولاية فيكتوريا المجاورة «حال الكارثة» لـ48 ساعة إضافية قبيل ارتفاع متوقع لدرجات الحرارة اليوم، ما ينذر بحرائق كبيرة. وقال مفوض إدارة الإطفاء في الولاية اندرو كريسب «نواجه وضعاً خطيراً جداً في الساعات المقبلة».
وأودت حرائق الغابات الكارثية بحياة 27 شخصاً ودمرت أكثر من 2000 منزل وأتت على نحو أكثر من 10 ملايين هكتار من الأراضي، وهي مساحة توازي مساحة جزيرة إيرلندا، إضافة إلى تشرد آلاف الأشخاص بينما اضطر آلاف آخرون للإجلاء أكثر من مرة بسبب شدة الحرائق.
ودعا رئيس حكومة ولاية فيكتوريا دانيال اندروز المدنيين إلى الاستعداد لمواجهة المزيد من الدمار في الأزمة المستمرة منذ أشهر، وقال «لسنا سوى في بداية ما سيكون صيفاً صعباً جداً». وقال آندروز متوجهاً في رسالة إلى السكان للاستعداد لإجلاء جماعي آخر «إذا تلقيتم تعليمات بالرحيل، فعليكم أن ترحلوا. هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان سلامتكم. الوضع خطر في بعض هذه المناطق. ولا نستطيع ضمان سلامتكم».
وكانت السبل قد تقطعت بالآلاف من سكان بلدة مالاكوتا الساحلية بولاية فيكتوريا، على الشاطئ لأيام حتى انتهاء الإجلاء العسكري الأربعاء الماضي، من بين الذين تلقوا نصائح بالهرب مرة أخرى، وقال مارك تريجيلاس الذي أمضى ليلة رأس السنة على قارب بينما دمرت الحرائق معظم بلدته «إذا هربنا فإلى أين نذهب؟». وأضاف «الكهرباء تعود ببطء والجميع يعتمد على مولدات والوقود لعمل هذه المولدات محدود للغاية.. الناس نفد منها الوقود لذا يعتمد غالبية سكان البلدات على ركوب الدراجات».
وقال مسؤولون في ولاية نيو ساوث ويلز الأكثر تضرراً من حرائق الغابات، إن الولاية تستعد لخطر كبير اليوم الجمعة بإخلاء العديد من البلدات، حيث تنتشر مخاوف من احتمالية اندماج حريق كبير في جنوب الولاية مع حريق آخر في شمال ولاية فيكتوريا، مما سينتج عنه حريق ضخم. وأضاف المسؤولون أن هناك نحو 1900 منزل قد تعرضت للتدمير في نيو ساوث ويلز خلال هذا الموسم من الحرائق.
ورغم انخفاض درجات الحرارة وتساقط المطر في بعض المناطق المتضررة بالحرائق هذا الأسبوع، لا يزال 150 حريقاً تشتعل في ولايتي نيو ساوث ويلز وفيكتوريا، الأكثر اكتظاظاً في القارة الشاسعة. وتواجه بعض المساحات في ولاية فيكتوريا اليوم خطر اندلاع حرائق شديدة، فيما يتوقع أن تشهد بعض المناطق ظروفاً مناخية قاسية.
وفي بعض المناطق التي أتت عليها النيران، يقوم الأهالي بإعادة بناء منازلهم والعودة لحياتهم الطبيعية في عملية يتوقع أن تستغرق سنوات. وأعلنت ولاية نيو ساوث ويلز أمس تخصيص 1.2 مليار دولار أسترالي (680 مليون دولار أميركي) لأعمال البنية التحتية في المناطق المدمرة. ويضاف هذا إلى مبلغ ملياري دولار أسترالي (1.4 مليار دولار أميركي) لصندوق إغاثة مخصص للمجتمعات المتضررة.
وإضافة إلى الخسائر البشرية تسببت الحرائق بأضرار بيئية واسعة. وغطى الدخان السام الناجم عن تلك الحرائق سماء مدن رئيسية في أستراليا، مثيراً مخاوف صحية. وعبر الدخان مسافة أكثر من 12 ألف كلم إلى البرازيل والأرجنتين، وفق وكالات الأرصاد في البلدين.
إلى ذلك، قال مكتب الأرصاد الجوية في بيانه السنوي بشأن المناخ: «لقد كان 2019 أكثر الأعوام دفئاً في تاريخ أستراليا، حيث ارتفعت درجة الحرارة المحلية بمتوسط 1.52 درجة فوق المتوسط، لتتجاوز بذلك الرقم القياسي السابق البالغ 1.33 درجة مئوية زيادة عن المتوسط، والتي تم تسجيلها في عام 2013».
من جانبه، قال رئيس مكتب رصد المناخ كارل براجانزا، إن المعدل السنوي لمتوسط درجات الحرارة المحلية الكبرى كان زائد درجتين وهو أمر غير طبيعي. وأضاف أن أستراليا شهدت أكثر ستة أيام دفئاً على الإطلاق، والتي بلغت ذروتها بتسجيل 41.9 درجة مئوية في المتوسط بأنحاء القارة. وأضاف: «أعتقد أننا شهدنا 11 يوماً هذا الصيف، تجاوزت خلالها درجات الحرارة اليومية المحلية 40 درجة، وهو أمر صعب للغاية».
وكان هناك سبعة أشهر اعتُبرت الأكثر دفئاً على الإطلاق خلال العام فيما يتعلق بمتوسط درجة الحرارة في أستراليا. كما كان هناك أيضاً موجات حارة بصورة كبيرة في شهري يناير وديسمبر. وقال التقرير إن جميع الأعوام منذ عام 2013، كانت من بين أكثر عشرة أعوام دفئاً في تاريخ أستراليا. وهناك عام واحد فقط من بين الأعوام العشرة الأكثر دفئاً (وهو عام 1998)».
وسجلت مدينتا بريسبان وكانبيرا أعلى متوسط درجة حرارة سنوية في أستراليا على الإطلاق، بينما سجلت مدينتا هوبارت وسيدني ثاني أعلى متوسط لدرجات الحرارة. وأوضح مكتب رصد المناخ أن أستراليا شهدت أيضاً تراجعاً غير معتاد في معدلات هطول الأمطار هذا العام، حيث بلغ متوسط هطول الأمطار 277 مليمتراً فحسب، وهو أدنى معدل تم تسجيله على الإطلاق، وهو أقل بنسبة 40 بالمئة عن المتوسط.
وقد تأثرت معظم مناطق أستراليا بالجفاف، الذي اتسم بالشدة بشكل خاص في نيو ساوث ويلز وجنوب كوينزلاند، حيث توجد موجة شديدة من الجفاف منذ عام 2017. وقال مكتب الأرصاد الجوية إن مؤشر مخاطر حرائق الغابات السنوي المتراكم الذي يشير إلى شدة الطقس المصاحب للحرائق كان الأعلى على الإطلاق. وأوضح تقرير المناخ الصادر عن مكتب الأرصاد الجوية إن الصلة بين الحرائق وتراجع معدلات سقوط الأمطار وزيادة درجات الحرارة، كانت واضحة.
نفوق مليار حيوان.. وإعدامات لـ«الإبل»
قدر العالم البيئي شيرز ديكمان البروفيسور في جامعة سيدني أعداد الحيوانات النافقة بسبب الحرائق المشتعلة في أستراليا، بأكثر من مليار، من بينها مخلوقات فريدة ونادرة الوجود. وقال في حديث لمحطة «ناشيونال بابليك» الإذاعية، إن 800 مليون حيوان نفقت في ولاية واحدة هي نيو ساوث ويلز، جنوب شرقي القارة. محذرا من أن أحداثا كهذه هي التي تسرع من عمليات انقراض بعض الأنواع. ونفقت مئات الملايين من الحيوانات حرقا بالنيران أو اختناقا جراء الدخان، أو جوعا بعد أن أتت ألسنة اللهب على مصادر الغذاء. وأشارت أرقام سابقة إلى نفوق نحو نصف مليار حيوان في أستراليا، منذ بدء الحرائق في سبتمبر الماضي. إلا أن ديكمان أكد أن التقديرات التي توصلت إليها الأبحاث، تشير إلى أن الحرائق قضت على أكثر من مليار حيوان، من بينها حيوانات نادرة مثل الكنغر والكوالا، إضافة إلى ثدييات وطيور وزواحف.
إلى ذلك، تواصلت عمليات إعدام الآلاف من الإبل الوحشية في المناطق النائية الأسترالية بالرصاص من المروحيات، وذلك بعد أن تسبب الجفاف والحرارة الشديدة في تفاقم المشكلة. وأمر زعماء السكان الأصليين في أراضي منطقة خاضعة لحكومة محلية في أقصى الشمال الغربي النائي في أستراليا الجنوبية، بتنفيذ عملية الإعدام للسيطرة على قطعان كبيرة من الإبل التي تتصرف بتهور للحصول على المياه، ما أسفر عن الإضرار بالمدن والمستوطنات السكانية.
وقال المدير العام للمنطقة ريتشارد كينج: «هذه أول عملية إعدام كبيرة في هذه المنطقة». وأضاف لوكالة الأنباء الألمانية أنه تم إعدام نحو 1500 رأس من الإبل أمس في اليوم الأول من تنفيذ عملية الإعدام، مضيفا أن العملية سوف تستمر على الأرجح حتى عطلة نهاية الأسبوع.
وكانت حكومة ولاية أستراليا الجنوبية قد صادقت على الإجراء. وأستراليا ليست الموطن الأصلي للإبل، لذلك فإنه ليس لها موئل طبيعي في هذه البيئة. ووفقا لتقديرات خبراء الحياة البرية، هناك ما يصل إلى 600 ألف جمل وحشي، ومعظمها في وسط أستراليا. وقال كينج إن منطقته شهدت جفافا على مدار الـ18 شهرا الماضية، وأدى ذلك إضافة إلى الحرارة المتزايدة إلى دخول الجمال إلى القرى وكسر الأسوار وتدمير خزانات المياه وتدمير مكيفات الهواء ومستودعات الأغذية في المنطقة القاحلة، حيث تعد المياه ذات قيمة كبيرة للغاية».