14 فبراير 2012
هي امرأة غير عادية ليس لأنها تجمع العلم والثقافة والطموح والقيادة والثقة العالية بالنفس فحسب، بل لأنها استطاعت أن تتحدى أصعب الظروف من أجل أن تشق طريقها نحو التميز والنجاح، وتترك بعطائها بصمات واضحة في كل مكان تحط فيه رحالها؛ إنها خبيرة الشؤون الصحية في وزارة الصحة بدبي، والأستاذة الجامعية في جامعة الشارقة الدكتورة أمينة المرزوقي، التي أهدت لوطنها ثمرة نجاحها، وعلقت على صدره وسام الفخر بها، بعد أن أصبحت أول إماراتية تحصل على الدكتوراه في الإدارة والتخطيط الصحي ورسم السياسات الصحية.
لعبت طفولة خبيرة الشؤون الصحية في وزارة الصحة بدبي والأستاذة الجامعية في جامعة الشارقة الدكتورة أمينة المرزوقي دوراً رئيساً في حياتها، واختياراتها، حيث وضعت اللبنة الأولى لتميزها. إلى ذلك، تقول “طفولتي كانت هادئة، ولأنني الابنة البكر لوالدي تربيت في بيت جدتي لأمي رغبة منها في مساعدة والدتي وتخفيف متاعبها التي كانت تجدها في تربية إخوتي، فظنت والدتي أنه من كثرة دلال جدتي لي سيؤثر ذلك سلباً في شخصيتي، لكنها تبينت العكس بعد أن كبرت إذ ربتني جدتي على التضحية والحب والتعاون، إذ كنت أشعر بعد أن كبرت وكأنني مسؤولة عن إخوتي، ما يعني أنني بدأت أتربى على تحمل المسؤولية في سن مبكرة”.
بداية المشوار
حول دراستها واختيار التخصص، تقول المرزوقي “اخترت دراسة التمريض في الجامعة، وذلك لأنني أرى في هذه المهنة كل معاني العطاء والإنسانية، فاتجهت إلى دولة الكويت، حيث درست في معهد التمريض هناك، وتخصصت في التوليد، وأصبحت قابلة قانونية، وفي هذه الفترة بدأت أخرج إلى المجتمع وأمارس عملي كقابلة في أحد مستشفيات الكويت، ووجدت نفسي في سن صغيرة أتحمل مسؤولية ولادة طفل على يدي، ولا أتحمل ألا يولد طبيعياً، أو لا أسمع صوته وهو يبكي، ما عرضني إلى تحديات في حالة عدم وجود الطفل في وضعية الولادة الصحيحة، فكنت حينها أصاب بالذعر، وأذكر أن ولادة واحدة من بين جميع الحالات التي ولدتها على مدار 4 سنوات ولد فيها الطفل ميتاً، وهنا تألمت كثيراً لحظة إبلاغ الأم والأب والأسرة لدرجة أنني امتنعت بعدها عن دخول غرفة الولادة لمدة أسبوع”.
وتوضح المرزوقي أنها عادت بعد السنوات الأربع التي عملت فيها بالكويت في مجال التوليد إلى وطنها الإمارات، وحظيت بمسؤولية جديدة تمثلت في إدارة مركز الأمومة والطفولة في دبي، وعلى الرغم من أنها عملت في الإدارة قبل أن تدرسها إلا أنها كانت دائمة الاحتكاك بالأمهات والأطفال والكادر الطبي والتمريضي والإداري لتتلمس احتياجات الجميع، فتنبهت إلى أمر في غاية الأهمية. في هذا السياق، تقول “تنبهت إلى احتياجات الأم إلى الكثير من الأمور التوعوية، إذ ينقص الأمهات الوعي خلال فترة الحمل وقبلها وما بعد الولادة، وكيفية تربية الطفل والاهتمام به ومتابعة الرعاية الصحية له عبر اللقاحات والتطعيمات وغيرها من الخدمات التي كانت موجودة لدينا ولم تكن تجد ذاك الإقبال عليها للجهل بدورها وأهميتها، ومن هنا قررت أن درس تخصصاً جديداً يدعى بالتثقيف الصحي أو التوعية الصحية، ونظراً لعدم وجود هذا التخصص في جامعة الإمارات حينها، تقدمت إلى وزارة التربية والتعليم قديماً المعروفة الآن بوزارة التعليم العالي بطلب إجازة دراسية من وزارة الصحة فوافقت وابتعثتني إلى الولايات المتحدة الأميركية لأدرس البكالوريوس في التوعية الصحية”.
مرتبة الشرف
اختارت المرزوقي أن تدرس في جامعة كارولينا الجنوبية في الولايات المتحدة الأميركية لأنها أحبت هذه الولاية والجامعة أيضاً، وشعرت بألفة فيهما، ولأن السنة الأولى بحسب المرزوقي تتعلم فيها اللغة الإنجليزية وتدرس مساقات أخرى تعد متطلبات تحدد لها درجتها فيها، إمكانية قبولها في كلية العلوم الصحية لتدرس التثقيف الصحي من عدمه، فاجتهدت كثيرا وثابرت لتحقيق هدفها، وتذكر أن أساتذتها كانوا يعاملونها معاملة مختلفة عن بقية زملائها وزميلاتها لما لديها من خبرة عملية سابقة في مجال التمريض والتوليد لدرجة أنهم كانوا دائما يطلبون منها الحديث عن ذلك أمام الطلبة، ما عزز ألفتها بالمكان ومن فيه من أساتذة وطلبة ودعم مسيرتها التعليمية، فيما بعد إذ كانت متفوقة جدا لدرجة أن اسمها كان يدرج كل فصل في لوحة الشرف، وتخرجت بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف.
عادت المرزوقي إلى أرض الوطن، بعد أن حققت بعضاً من طموحها في دراسة التثقيف الصحي “قسم مجتمع”، وعينت من قبل وزارة الصحة نائب مدير إدارة الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة، وكانت دائما ما تعترض بأنها درست التثقيف الصحي لتعمل على توعية المجتمع بالأمور الصحية، ولم تدرس الإدارة والتخطيط فتجد إجابة من المسؤولين في الوزارة بأن لغتها الإنجليزية قوية ولديها خبرات متعددة لذلك اختيرت لهذا المنصب، وفي السياق ذاته تقول “تبناني مدير الإدارة وبدأ يوضح لي طبيعة العمل، ووجدت نفسي في اجتماعات مع شخصيات بارزة في الوزارة وخبراء من منظمة الصحة العالمية وخبراء من منظمة اليونسيف، فبدأت أتعلم خلال ذلك كله أمور الإدارة والتخطيط مع غياب الأسس الصحيحة للإدارة والتخطيط عني، حيث كنت أستعين بما درسته في الجامعة عن التخطيط للبرامج التوعوية وأطبقه، وأتابع كل ما يصدر عن منظمة الصحة العالمية، وأحاول الاستفادة منه، ولأنني كنت عضواً في اللجنة الاستراتيجية التي كانت تضع الخطة الخمسية لاستراتيجية وزارة الصحة استفدت من استضافة الوزارة لخبير في الإدارة والتخطيط الصحي من منظمة الصحة العالمية، حيث أعطاني من خبراته الكثير عبر مساعدته في العمل، وإعطائي دروساً خاصة خارج أوقات العمل، وعلى الرغم من ذلك ظلت لدي رغبة ملحة لأدرس الأسس الصحيحة للإدارة والتخطيط الصحي، فطلبت إجازة دراسية وتم ابتعاثي إلى بريطانيا ،حيث أتممت هناك رسالة الماجستير في الإدارة والتخطيط ووضع السياسات الصحية”. تشير المرزوقي إلى أنها عادت إلى وظيفتها السابقة نائب مدير إدارة الرعاية الصحية الأولية؛ بعد أن حصلت على الماجستير في التخصص الذي ينسجم مع متطلبات العمل وطموحها في آن، حيث استفادت منه في تطبيق الأسس العلمية الصحية في الرعاية الصحية الأولية كما وضعتها منظمة الصحة العالمية، ولأنها شخصية طموحة جدا، وتعشق العلم والعمل سافرت في عام 1992 إلى جمهورية مصر العربية، حيث دعيت لحضور دورة مكثفة لمدة شهر في الإدارة والتخطيط الصحي من قبل المعهد العالي للصحة العامة في الإسكندرية، وخلالها كان كل أستاذ يحاضر في الدورة يتلمس تفوق المرزوقي في النقاش وزخم المعلومات الموجود لديها فيسألها لم لا تكملين الدكتوراه؟ وهنا وضعت المرزوقي في رأسها هدفا جديدا تريد أن تحققه.
قبل أن تسافر المرزوقي إلى الإسكندرية لتكمل الدكتوراه في المعهد العالي للصحة العامة ترددت كثيراً بسبب طفلتها الأولى التي كانت لا تزال تبلغ من العمر 3 شهور، وخافت كثيرا على أن تتربى بعيداً عن والدها لكن زوج المرزوقي شجعها وكذلك أسرتها وشدوا على يديها لدرجة أن أمها وأخواتها كن يتناوبن المكوث عندها من أجل رعاية طفلتها في فترة دراستها للدكتوراه في الإسكندرية، وذلك على مدار 5 سنوات، كما أنها كانت ترفض إلا أن ترضعها رضاعة طبيعية على مدار عامين فتغادر من أجل ذلك بين كل محاضرة والأخرى مسرعة إلى سكنها الذي وفقت بقربه من المعهد لإرضاع طفلتها وتعود ثانية لمتابعة دروسها، ما يشير إلى صعوبة التحديات التي كانت تقابلها بحزم وصبر ومثابرة ورضا.
نقل الخبرات
تلفت المرزوقي إلى أنها حصلت على إعارة من وزارة الصحة بعد عودتها حاملة رسالة الدكتوراه لتعمل أستاذاً مساعداً في جامعة الشارقة، وتنقل خبراتها إلى الطلبة والطالبات في كلية العلوم الصحية تخصص الإدارة والتخطيط، وعينت إلى جانب مهامها التدريسية رئيسة لقسم الإدارة والتخطيط وعميدة لشؤون الطالبات فكثرت مهامها وازدادت سعادتها وهي تكتسب خبرات جديدة. إلى ذلك، تقول “وجدت سعادة كبيرة لا يمكنني وصفها وأنا أدرس طلبتي وأنقل إليهم خبراتي العملية والعلمية وهم يفيدوني بآرائهم وأفكارهم فيما أطرحه عليهم، كما شعرت بقربي من الطالبات أثناء تأديتي لدوري عميدة شؤون الطالبات في احتوائهن وسماعي لمشاكلهن وهمومهن ومساعدتهن في حلها، وبعدها بفترة أسست قسم التغذية العلاجية في الجامعة، وأصبحت رئيسته لمدة عامين، فاكتسبت خبرة جديدة ومتنوعة أيضا خلال سنوات عملي التسع في هذه الجامعة، والتي لاأزال أدرس فيها يومين في الأسبوع بعد أن تركتها بانتهاء إعارتي وعودتي إلى عملي السابق في وزارة الصحة بدبي لكن هذه المرة بمسمى جديد ومهام جديدة ألا وهو عملي خبيرة للشؤون الصحية في وزارة الصحة والذي بدأت أزاوله منذ عام 2009”.
وتوضح المرزوقي أن عملها خبيرة لشؤون الصحة في وزارة الصحة بدبي يتلخص في إسهامها بصورة مباشرة في تفعيل السياسات والبرامج والخطط الصحية التي وضعتها وزارة الصحة، وإعداد برامج أخرى تطور من النظام الصحي في الدولة بشكل عام، بالإضافة إلى مهامها التي تؤديها كعضو في فريق الاعتماد الصحي في مستشفيات الوزارة، ومهامها كعضو في لجنة الموارد البشرية على مستوى الوزارة أيضاً.
وتصف عملها بأنه ليس بالهين خصوصا أنها تمتهن مهنتين الأولى أنها خبيرة شؤون الصحة في وزارة الصحة بدبي، والثانية أنها تعتبر أستاذاً زائراً في جامعة الشارقة تدرس الطلبة والطالبات مرتين في الأسبوع في فترة ما بعد الظهيرة بعد انتهاء دوامها من الوزارة مساقين مختلفين وهما الرعاية الصحية الأولية ومساق تخطيط الموارد البشرية، ما يعني أن كل عمل تزاوله يتطلب الوقت والجهد والتركيز والبحث والقراءة والتحضير والجد والاجتهاد لتظل دائماً متألقة بعطائها وحضورها المتميزين.
المصدر: دبي