أعد الملف: أحمد عبدالعزيز، السيد حسن، جمعة النعيمي
الإخراج: محمد شخور
التحرير: أشرف جبريل
الإشراف العام: راشد الزعابي، ناصر الجابري
بعد إنجازات شهد بها العالم في العقود الخمسة الماضية، تدخل الدبلوماسية الإماراتية الخمسين عاماً المقبلة باستراتيجيات واضحة، وأهداف كبرى، يتصدرها تعزيز المصالح الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية للدولة، وتحقيق السلام والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي، ودعم التنمية المستدامة وصناعة الفرق في حياة ملايين البشر في ربوع العالم دون تفرقة على أساس جنس أو لون أو معتقد.
تنطلق الدبلوماسية الإماراتية، إلى المستقبل من ثوابت راسخة، تتسم بالاعتدال والتوازن والانحياز للحق، وتعتمد التعايش نهجاً، والاحترام المتبادل أسلوباً، ونشر المحبة والسلام هدفاً محورياً تسعى لتحقيقه، مع انفتاح واسع على العالم، وعلاقات متينة مع الشرق والغرب، وتحركات مؤثرة شفافة، تثمر شراكات ناجحة تصنع واقعاً أفضل للبشرية.
«الخارجية»: هدفنا رخاء العالم
أكد خالد بالهول وكيل وزارة الخارجية والتعاون الدولي، أن الدبلوماسية الإماراتية تستند إلى قواعد ثابتة تستهدف تعزيز المصالح الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية لدولة الإمارات، وتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة والعالم، من خلال علاقات نشطة وفعالة، وتحركات واعية وشفافة، مشيراً إلى أن رعاية المواطنين في الخارج، وتقديم خدمات متميزة لهم أحد أهم أهداف الوزارة.
وأشار إلى أن دولة الإمارات بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، حققت إنجازات فاقت جميع التوقعات بحصول الجواز الإماراتي على المرتبة الأولى عالمياً في ديسمبر 2018، في إنجاز بالغ الأهمية يحسب لوزارة الخارجية والتعاون الدولي بقيادة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، موضحاً أنه بحسب مؤشر «باسبورت إندكس» الذي يعد نظاماً تفاعلياً يختص بتصنيف قوة جوازات السفر، يمكن لحامل الجواز الإماراتي السفر إلى 179 دولة دون الحاجة لتأشيرة مسبقة، تمثل 90 في المائة من الدول المدرجة في المؤشر دون تأشيرة.
وأضاف وكيل وزارة الخارجية والتعاون الدولي لـ «الاتحاد»، أن الوزارة تسعى لإحداث تأثير إيجابي ملموس فيما يخص الأجندة العالمية للتنمية، وتحقيق المصالح المتبادلة مع الشركاء على الصعيدين الإقليمي والدولي، بما يحقق المصالح المتبادلة، ويدعم توسيع نطاق الشراكات الاقتصادية القائمة واستحداث شراكات جديدة.
وأشار إلى أن استراتيجية الوزارة تركز على المساهمة بفاعلية في تحقيق التقدم الاقتصادي والعلمي والاجتماعي ودعم الابتكار والاستدامة، إضافة إلى المحافظة على مكانة الإمارات الرائدة على المستوى العالمي في مجال المساعدات الإنسانية والتنموية، ومواصلة جهود مكافحة التطرف بجميع أشكاله، والمساهمة في تحقيق التنمية والاجتماعية والاقتصادية عالمياً، ما يرسخ مكانة الدولة، لافتاً إلى أن الإمارات تعمل على تعزيز أهدافها الرئيسة، ومن بينها الحفاظ على نظام إقليمي قائم على الاستقرار والازدهار، والحفاظ على موقعها شريكاً رائداً عالمياً في تحقيق السلام والأمن على المستويين الإقليمي والدولي، ومواصلة جهودها لمكافحة التطرف، ومواجهة التعصب بجميع أشكاله.
وأكد بالهول أن دولة الإمارات نجحت بدعم من قيادتها الرشيدة في طرح نموذج فريد للدبلوماسية، وتوظيف قوتها الناعمة القائمة على تعزيز العلاقات الثنائية الناجحة ومتعددة الأطراف، ليصل عدد الدول التي ترتبط مع الإمارات بعلاقات دبلوماسية إلى 193 دولة حول العالم، كما أن عدد سفارات وقنصليات وبعثات الدولة في الخارج يبلغ 122 سفارة وقنصلية خارج الدولة، وفي المقابل نجد أن عدد سفارات الدول الشقيقة والصديقة التي تحتضنها دولة الإمارات 129 سفارة، كما تضم 79 قنصلية، و22 مكتباً تابعاً للمنظمات الإقليمية والدولية.
مدير «أكاديمية الإمارات»: مهمتنا تمكين دبلوماسيي المستقبل
أكد برناردينو ليون، مدير عام أكاديمية الإمارات الدبلوماسية أن الأكاديمية تسعى إلى تطوير المهارات العملية لدى دبلوماسي دولة الإمارات، بما يسهم في إعداد الكوادر الدبلوماسية الإماراتية وصقل مهاراتهم، وتمكينهم من إنجاز المهام الموكلة إليهم على أكمل وجه، وتمثيل دولة الإمارات بما يليق بمكانتها الصاعدة وأهميتها في المشهد العالمي.
وأضاف أن الأكاديمية ملتزمة باستقطاب أفضل الخبرات العلمية والعملية في مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية لتُلهم دبلوماسيي المستقبل، وتُسهم في إعدادهم، وتزويدهم بكل ما يلزم ليشكّلوا القوة الدافعة وأساس المبادرات الاستراتيجية الدولية، موضحاً أن عدد خريجي الأكاديمية يبلغ 162 خريجاً وخريجة حتى الآن.
وأشار ليون إلى وجود 6 شروط للالتحاق بأكاديمية الإمارات الدبلوماسية، تتضمن أن يكون المتقدم مواطناً إماراتياً لا يتجاوز عمره 35 عاماً، وحاصلاً على درجة البكالوريوس أو أعلى في التخصصات المطلوبة لدى وزارة الخارجية والتعاون الدولي من جامعة أو كلية معتمدة ومعترف بها من قبل وزارة التعليم العالي في دولة الإمارات، وأن يكون حاصلاً على معدل تراكمي لا يقل عن 3 من 4 نقاط، وأن يكون حاصلاً على «آيلتس» الأكاديمي بنتيجة 6.0 أو أعلى، أو ما يعادل ذلك في اختبار «توفل»، ولا يمانع السفر إلى الخارج أو العمل في بعثات خارجية، إضافة إلى إنهاء الخدمة الوطنية للذكور.
وأوضح أن برامج الأكاديمية تشمل، دبلوم الدراسات العليا في الدبلوماسية الإماراتية والعلاقات الدولية: وهو برنامج أكاديمي، يوفر لدبلوماسي المستقبل ما يلزمهم من الأدوات والأفكار والرؤى اللازمة لمواجهة التحديات التي فرضتها الاضطرابات الجيوسياسية الحالية، باعتبارهم أفضل من يمثلون دولتهم في قطاعات متعددة.
وأوضح أن منهاج دبلوم الدراسات العليا قائم على دراسة ومعرفة مساقات معينة تتضمن دراسة الاستعداد لدبلوماسية العصر، والجوانب النظرية والعملية للعلاقات الدولية، وتاريخ وثقافة الإمارات العربية المتحدة، والتاريخ الحديث والعلاقات الدولية للشرق الأوسط، والاقتصاد السياسي الدولي، والقانون الدولي للدبلوماسيين، والأمن الدولي وفض النزاعات، وطرائق البحث ومشاريع التخرج في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، بالإضافة إلى برنامج ماجستير الآداب في الدبلوماسية والعلاقات الدولية: وهو برنامج إضافي للطلاب الذين أكملوا دبلوم الدراسات العليا، ويتيح لهم الفرصة لتعزيز معرفتهم بالقضايا العالمية والإقليمية والبناء عليها، وخاصة تلك التي تتعلق بدولة الإمارات ومنطقة الشرق الأوسط ككل.
وأشار إلى أن بعض المواد الاختيارية التي تقدمها الأكاديمية، تتضمن، مادة ضمن مواضيع مختارة في الدبلوماسية والعلاقات الدولية، ومادة حول السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، ومادة حول توجهات السياسة الخارجية ومادة حول السياسة الأمنية الأوروبية تجاه الشرق الأوسط، ومادة حول السياسة الخارجية والإرهاب الدولي، ومادة حول عملية السلام في الشرق الأوسط.
السفير الافتراضي قادم
استشرف عدد من الدبلوماسيين والخبراء في العلوم السياسية مع «الاتحاد»، مستقبل الدبلوماسية الإماراتية خلال السنوات الـ 50 المقبلة، مشيرين إلى العديد من المفاهيم الجديدة التي قد تطرأ على الدبلوماسية، خاصة مع بروز استخدامات التقنيات الرقمية، ودخول مفاهيم الذكاء الاصطناعي التي تتيح للدول إيجاد مسارات أكبر للتفاعل العالمي على الساحة الدولية.
يقول الدكتور سليمان الجاسم نائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية: الدبلوماسية بمفهومها الحديث، تشكل قاعدة أساسية في تكوين القوة الناعمة للدولة، مشيراً إلى أنه لا وجود للقوة الدبلوماسية الناعمة إلا في ظل الشفافية والنجاح الاقتصادي والتنموي، ووجود جهاز سياسي وإطار تنظيمي كفؤ يقود المجتمع، كما هو الحال في دولة الإمارات.
ولفت إلى أن نهج التسامح وقبول الآخر بعقلية منفتحة من أبرز عوامل صعود وتمكن دبلوماسية الإمارات التي تعددت أساليبها وتطورت خلال السنين الأخيرة، وسوف تشهد الخمسين سنة القادمة تطوراً أكبر.
وأفاد الجاسم بأن الدبلوماسية نجحت في علاج العديد من الأزمات والتحديات الدولية، وكانت دوماً قوة دعم ومساندة في عدد من القضايا السياسية والإنسانية والخيرية، ومهدت لإبرام اتفاقيات مهمة، كما عززت مكانة الإمارات في الساحة الدولية، وكانت أداة أساسية لزيادة الحضور الفاعل الذي يعزز سمعة الدولة وصورتها الذهنية ومكانتها على المستويين الإقليمي والعالمي، كما حققت أهداف الدولة ومهدت الطريق لبناء علاقات وشراكات متينة عبر الدبلوماسية الناعمة، وبفضل هذه النجاحات أصبحت معظم دول العالم مفتوحة أمام الإماراتيين دون تأشيرة، إلى جانب الفوز بـ«إكسبو 2020»، واستضافة مقر منظمة إيرينا، وغيرها من المنجزات الدولية وفي مقدمتها لقاء الأخوة الإنسانية الذي تم تنظيمه أوائل العام الماضي.
وأكد الدكتور ياس خضير البياتي أكاديمي عراقي: أن الدبلوماسية الإماراتية مقبلة على عالم ترسم ملامحه التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، ما يبشر بظهور الدبلوماسية الرقمية أو الدبلوماسية الافتراضية، مشيراً إلى أن الصورة التقليدية للسفير سوف تطرأ عليها تغييرات خلال السنوات الخمسين القادمة، وسوف يظهر السفير الرقمي الذي يجيد بشكل فعال التعامل مع التكنولوجيا الحديثة بكل أشكالها وألوانها، ولن تكون هناك دولة في العالم مغلقة أمام الجواز الإماراتي أو تطلب تأشيرة.
وقال الدكتور حبيب غلوم: تحظى الدبلوماسية الإماراتية بمكانة خاصة في العالم لما لها من إنجازات مؤثرة على المستويين الإقليمي والدولي، وأتوقع أن تحقق المزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية والثقافية خلال الخمسين سنة القادمة، لافتاً إلى أن نقاط القوة التي تمتلكها الدبلوماسية الإماراتية ترشحها لدور محوري أكبر وأشمل وأعمق، يتضمن توظيف القوة الناعمة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية العامة للدولة، موضحاً أن القوة الناعمة تسهم في دعم جهود الدولة لترسيخ السلام والاستقرار ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله، والاستمرار في تعزيز دور الإمارات في قيادة مبادرات رائدة في الوساطة بين الدول من خلال الخبرة التراكمية الكبيرة لها في هذا المجال.
وأكد الدكتور هيثم هادي نعمان الهيتي أستاذ الإعلام والعلاقات الدولية بجامعة العين، أن الدبلوماسية الإماراتية رسمت صورة ناصعة للدولة وشعبها في عيون العالم، وحققت نجاحات قياسية على مستوى المنطقة والإقليم والعالم خلال السنوات الماضية، مشيراً إلى أن الدولة مرشحة بقوة لأن تكون سفير المنطقة العربية في العالم، خاصة أن الإمارات ترتبط بعلاقات متميزة مع الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول المؤثرة على القرار السياسي.
وأكد الهيتي أن الدبلوماسية الإماراتية خلال السنوات الخمسين القادمة سيكون لها حضور قوي وبالغ الأثر في العالم العربي وعلى المستوى الدولي، خاصة أن الدبلوماسية الإماراتية تأخذ بكافة سبل التقدم وتتسم بالشفافية والموضوعية والصدق في تناول كافة الملفات، كما أنها تستند وبشكل فاعل لقوة سياسية واقتصادية هائلة.
يوسف الصابري: مكانة «الجواز» أهم إنجاز
قال الدكتور يوسف عيسى الصابري سفير سابق: خلال السنوات العشر الماضية، نجحت دولة الإمارات في إحداث قفزة هائلة وضخمة في المجالات كافة، ومن ضمنها المجال الدبلوماسي، حيث حققت الدبلوماسية إنجازات متعددة في ملفات مهمة، ومكانة الجواز الإماراتي أحد أهم النجاحات التي تحققت، وانطلاقاً من هذه النجاحات ستحظى الدبلوماسية الإماراتية بوضع أفضل في المستقبل.
بلال البدور: عقلانية في تناول القضايا
قال بلال البدور، رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم بدبي وسفير سابق: أعتقد أن العالم كله يتجه نحو الدبلوماسية الناعمة في التعامل مع القضايا المهمة، خاصة أن الحروب لم يعد لها أثر فعال في حسم الخلافات، والدبلوماسية الإماراتية منذ عهد الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، اعتمدت على العقلانية الشديدة في تناول كافة القضايا، ومنهاج الإمارات دائماً قائم على الحوار والنقاش في حل الأزمات، والعمل على نصرة الشقيق أو المظلوم.
وأشار إلى أن دبلوماسية الإمارات الناعمة نجحت في حل الكثير من الملفات الصعبة خليجياً وعربياً ودولياً بالتعاون مع أقطاب العالم، لافتاً إلى أنها ستنطلق إلى أدوار أهم وأكبر خلال الخمسين عاماً القادمة.