أسماء الحسيني (القاهرة - الخرطوم)
اعتقلت الشرطة السودانية عدداً من المشتبه بهم في محاولة اغتيال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك. وكشفت مصادر لـ«وسائل إعلام سودانية» أن من بين المشتبه بهم أجنبيين دون أن تكشف عن جنسيتيهما.
وكشفت الشرطة السودانية أن التحليل المعملي لمخلفات مسرح التفجير أثبت أن المادة المستخدمة في التفجير هي «أزيد الرصاص» (N3 Pb ) شديدة الانفجار، في عبوة مصنعة محلياً زنتها 750 جراماً، دفنت بجانب الطريق وكان تأثير الانفجار على محيط 1500 متر.
وأخضعت السلطات السودانية موقع الهجوم الإرهابي -في منطقة كوبر بالخرطوم بحري- لمسح جنائي واسع، في إطار ملاحقتها للمتورطين في محاولة الاغتيال الفاشلة.
وقالت مصادر سودانية مطلعة لـ«الاتحاد» إن السلطات أوقفت أفراداً دونوا على صفحاتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي تدوينات تشير إلى حدوث تفجيرات قبيل وقوع الهجوم الإرهابي.
وأعلن مجلس السيادة والحكومة في الخرطوم أمس إنشاء جهاز أمني جديد تحت اسم «جهاز الأمن الداخلي» يتبع لوزارة الداخلية.
وقالت مصادر سودانية مطلعة لـ«الاتحاد» إن هذا القرار من أفضل القرارات، لأن المؤسسات الأمنية القائمة مؤسسات غير مهنية وغير محترفة طالتها يد التخريب الفاسدة السابقة حتى تحولت إلى فروع تابعة لها، وقد أثبتت الأحداث السابقة والحالية الدمار والخراب والتواطؤ الذي يعشعش بداخلها.
ومن جانبها أقرت قوى الحرية والتغيير بوجود تراخ وتقصير أمني من قبل الحكومة الانتقالية، أدى لحدوث محاولة الاغتيال الفاشلة.
وقال وجدي صالح، الناطق الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير، إن هناك تراخياً واضحاً، ولكن هذا لا يعني الخروج على دولة القانون، وخاصة أن الدولة قادرة على التعامل وفق القانون مع كل من يحاولون جر السودان نحو الفوضى.
واتهم صالح من أسماهم بقوى الظلام بالضلوع في محاولة اغتيال حمدوك، وأضاف: نتهم النظام البائد وكل من يدعمه بالتورط في الحادث، لا يوجد من لديه مصلحة في القيام بالتفجير سوى قوى الظلام، التي تريد أن تعود بالسودان لما قبل الثورة، في محاولة لإرباك المشهد السياسي برمته. ووصف صالح ما حدث بأنه محاولة لاغتيال الثورة كلها باغتيال حمدوك رمز الثورة، ولكن صالح أكد أهمية الحفاظ على سلمية الثورة، وتعهد بمواصلة تفكيك بنية النظام البائد، والقبض على منسوبيه الذين دونوا على صفحاتهم متعهدين بإحداث فوضى خلال ساعات قبيل وقوع محاولة الاغتيال، وقال إنه سيجري التعامل معهم وفق القانون. يأتي ذلك في وقت تواصلت فيه الإدانات داخل السودان وفي دول العالم ومنظماته لمحاولة الاغتيال الفاشلة. ودانت هيئة شؤون الأنصار الاستهداف الإجرامي، ودعت الجهات المختصة للإسراع بكشف الحقيقة، وتقديم مدبري ومخططي ومنفذي الجريمة البشعة للمحاكمة الرادعة، كما دعت أبناء الشعب السوداني للالتفاف حول الحكومة الانتقالية ومساندتها بكل قوة لحماية مكتسبات الثورة ومقدرات الشعب.
ومن جهتها، حذرت مبادرة المجتمع المدني من التراخي الأمني مع عناصر النظام البائد، وبطانة النظام الفاسد الذين قالت إنهم يواصلون ليلهم بنهارهم لإفشال الحكم الانتقالي بكل الطرق، ودانت محاولة اغتيال حمدوك.
وعلى الصعيد الخارجي دان الرئيس الأريتري أسياس أفورقي محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها حمدوك، وأكد دعم أريتريا للحكومة السودانية والوقوف معها في مواجهة قوى الظلام التي تعمل على إعاقة مسيرة الإصلاح في السودان.
وفي الوقت نفسه، تصاعد الغضب الشعبي تجاه فلول النظام السابق الذين أشارت إليهم أصابع الاتهام في السودان بحسبانهم المتضررين من سياسات حمدوك، ومن لهم مصلحة في إفشال المرحلة الانتقالية.
وطالب سياسيون ونشطاء بحظرهم، واعتبروا أن محاولة اغتيال حمدوك لن تكون الأخيرة، بل هي نتيجة حتمية للتلكؤ في تصفية الدولة العميقة، التي ما زال فلولها مستعدين للعودة إلى حكمهم الذي استمر 30 عاماً.
وقالت الكاتبة السودانية أمل تبيدي إن محاولة الاغتيال تؤكد وجود ثغرات أمنية، إضافة إلى التهاون في تفكيك أذرع النظام السابق التي تسعى إلى خلق الأزمات، وقالت إن الحادث يكشف عن مخططات تدار في الخفاء، وإنه يجب تفعيل كافة القوانين والإسراع نحو العمل الجاد لتفكيك كافة الأجهزة التي يوجد فيها بقايا النظام البائد ويتحركون كيفما يشاؤون.
وحذرت من أن التهاون والتراخي سيؤدي إلى خلق مزيد من الفوضى. فيما اعتبر الباحث السوداني أحمد ضحية أن حظر قوى الأصولية السياسية واعتقال قادتها صمام أمان للثورة السودانية، وأن الردع ضرورة لتأمين الثورة. وأضاف أن استهداف حمدوك يفتح الطريق واسعاً لإجهاض الثورة السودانية.
وقال ضحية إن الجهات المستفيدة من السعي لإعادة عقارب الساعة للوراء لا تنحصر فقط في عناصر الدولة العميقة وفلول حزب المؤتمر الوطني المنحل باعتبارهم المستفيد الأول، فالدولة العميقة في النظام البائد شيدت على أعمدة طيف واسع من قوى التطرف السياسي وإن هذه القوى هي المتضرر من سقوط نظام «الجبهة»، وهم يتحركون الآن لمواجهة التحول الديمقراطي، بالمحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس الوزراء السوداني، وإن محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك ليست بعيدة عن الأذهان.
وقال الناشط حسبو عوض إنه يجب تصنيفهم كجماعة إرهابية. فيما رأى الأحمدي فرح الناشط السوداني أن محاولة اغتيال حمدوك منحته فرصة شحن رصيده الشعبي وطاقة جديدة للمواجهة، ووحدت صفوف الثوار لاستكمال الطريق.
وفي هذه الأثناء طالب مبارك الفاضل المهدي، رئيس حزب الأمة السوداني، الصادق المهدي بالتقدم لقيادة المرحلة، باعتباره آخر رئيس وزراء منتخب للسودان وزعيم أكبر كيان ديني وسياسي، كما طالب القوى السياسية والمجتمعية والقوات المسلحة للتوافق حول ميثاق يتضمن برنامج وآليات لقيادة الفترة الانتقالية.