الألم للأسف ضرورة أساسية من ضرورات الحياة. فهو يحمي الإنسان من خلال تنبيهه إلى أشياء قد تصيبه. ولكن هناك ألماً طويل الأجل ليس له علاقة بأي إصابات. وهناك بحوث تشير إلى أن سدس البالغين يُعانون من حالة ألم مزمن.
يقول ستيف ماكماهوت الباحث في شؤون الألم في كلية كينج في لندن إن حدث وأصيبت البشرة بمكواة ساخنة فإن منطقة حساسة تتكون حول الحرق ورغم أنها لم تمس أو تصب بالمكواة يضطرب سلوك ألياف الأعصاب فيها. نتيجة ذلك تطرأ حساسية زائدة وشعور غير عادي بالألم في البشرة المحيطة، وبالمثل قد ينجم أيضاً الألم المزمن ليس من الضرر الذي يصيب الجسم، ولكن بسبب تعاظم إشارات الألم الضعيفة.
وربما يكون ذلك تفسيراً لعدم استجابة الآلام المزمنة مثل ألم أسفل الظهر والتهاب العظام لطرق علاج الألم التقليدية.
ولكن اليوم تم تطوير نوع جديد تماماً من الأدوية يسمى تانزوماب TANEZUMAB وهو عبارة عن جسم مضاد لبروتين يسمى عامل نمو العصب (NGF) الذي يعتبر ذا أهمية جوهرية لنمو عصب جديد أثناء التكون. كذلك تبين أن عامل نمو العصب (NGF) مهم في تنظيم الإحساس بالألم في الحالات المزمنة.
ويقول كينيث فيربرج أحد الباحثين في تطوير تانزوماب في شركة فايزر إن الدور الذي يلعبه (NGF) في وظائف الأعضاء العادية ليس واضحاً تماماً، ولكن عقب حدوث إصابة ينجم عنها تضرر الأنسجة أو التهابهات تزيد مستويات (NGF) زيادة كبيرة جداً. ويبدو أن (NGF) له علاقة بنقل إشارة الألم. ونتيجة لذلك فإن عملية إعاقته تخفف الألم المزمن.
ومع ذلك لابد أن يستكمل تانزوماب مراحل التجارب السريرية النهائية قبل استخدامه لتخفيف الألم. غير أن آلاماً غير متوقعة لا تأتي دائماً من الجسم. فحسب ايرين تراسي الباحثة في شؤون الألم في جامعة اكسفورد يتوقف الشعور بالألم على حالة الإنسان الذهنية أيضاً. فإذا كان هناك عدد من المرضى يعانون من نفس الحرق فإن مدى إحساس كل منهم بالألم سيتوقف على ما اذا كان المريض قلقاً أو مكتئباً أو سعيداً أو ملهياً. ويجري حالياً فحص تلك الأفكار بصور أشعة المخ التي تشير إلى أنه حتى لو أرسلت درجة منخفضة من الألم إلى المخ فإنه يمكن للعقل أن يكبر الإشارة. بل حتى أنه يمكن خداع المرضى وجعلهم يشعرون بالألم.
ففي إحدى التجارب أعطي متطوعون مسكن آلام قوياً وتم تعريضهم إلى مثير ألم لا يستطيعون الإحساس به بسبب المسكن. ثم تم إخبارهم بأن الدواء قد زال مفعوله (رغم أنه لم يزل) وما حدث هو أنهم اشتكوا من الألم وهماً، ولذلك يمكن أن يشعر الناس بألم لمجرد أنهم يتوقعونه. وقد لا يشعرون بالألم لنفس الأسباب تحديداً مثلما يحدث عندما يعطون دواءً وهمياً أو عندما يتم إلهاؤهم أو إشغالهم. ولكن على الرغم من أن الألم قد يكون ذاتياً أو وهمياً إلا أن ذلك لا يعني أن الشعور النهائي يتحكم فيه العقل فقط.
وهناك بحث نشر مؤخراً أظهر أن الجينات (مورثات الصفات) تلعب دوراً في تحديد مدى حساسية الشخص للألم. فهناك جين وجد أنه المتسبب في ارسال مزيد من إشارات الألم. واختلافات هذا الجين قد تفسر سبب تفضيل بعض المرضى لفئات مختلفة من مسكنات الألم.
إن فهم الطريقة التي يتفاعل بها العقل والجسم والجينات في التسبب في الألم سيحل على الأرجح كثيراً من لغز الألم وربما يخفف كثيراً منه.
عن «الإيكونوميست»