12 فبراير 2012
يستمر في صالة عرض مقر جمعية الامارات للفنون التشكيلية بمنطقة التراث بالشارقة المعرض الشخصي للفنانة كريمة الشوملي الذي يحمل عنوان “أقنعة” والذي يستمر حتى نهاية الشهر الجاري مشتملا على خمسين عملا فنيا تتوزع على لوحات وأعمال تركيبية تتردد فيها ثيمة واحدة هي البرقع على نحو ما ترتديه المرأة الاماراتية.
في اعمال كريمة الشوملي الكثير من المستويات الفنية التي تتناول فيها الفنانة ثيمتها الأساسية وتحولها إلى أقنعة ترى من خلالها إلى العالم كما ترى إلى “شخوص” آخرين كيف يبدون بالقناع فضلا عن أنها هي ذاتها ترتدي في البعض من الصور الفوتوغرافية قناعا فنيا على وجهها نفذه الفنان والمسرحي الدكتور محمد يوسف في بعض الأحيان أو الفنانة ابتسام عبد العزيز في أحيان أخرى.
ومن الواضح أن “البرقع” بوصفـه واحدا من عناصر التراث في الحيـاة اليوميـة الإماراتية الذي يخص المرأة تستفيد منه الفنـانة كريمة الشوملي بوصفه قابلا لأنواع من التحوير التي تنطلق بها المخيلة الفنية إلى آفاق أكثر رحابة وربـما غير متوقعة كما في بعض اللوحات التي تشير إلى تمـكّن الصانع من أدواته ومقدرته على جعل الأشياء بطبيعتها العادية مادة للتخييل الذي يقوم بإخراجها من تلك العادية إلى آفاق أكثر رحابة.
وبمعنى آخر فإن “البرقع” وتحولاته كما في أعمال المعرض هو قراءة في الوجوه، وسعي من قبل الفنانة لكشف ما هو داخلي ويخبؤه الوجه الإنساني في حياته أو أثناء حراكه الشخصي في العالم، حيث يقوم ذلك حسب ما تورده الشوملي في كتيب المعرض “إن أعمالي الفنية تتحدث بصوت عال عن الكلمات واللغة غير المحكية. في عالمنا الظالم هذا، ثمة الكثير من الناس الذين يطلبون المساعدة بلا أدنى صوت فلا يسمعهم أحد ولا ينجدهم أحد، لذا يعانون بصمت من ألم عظيم”.
قد تصح هذه الفكرة بمنطقها “الفلسفي” على الكثير من أعمال المعرض، إذ تنحاز الفنانة كريمة الشوملي إلى “فضح” تلك العذابات الانسانية للأفراد خاصة في الشخوص الذين يبدون في الصور الفوتوغرافية، لكنه لا ينطبق تماما على أعمال أخرى كاللوحات ذات النزعة التجريدية أو ارتداء القناع الذي ينتسب إلى حالة مسرحية متقدمة كما هي في أنواع المسرح التقليدي الياباني المعروف باسم “كابوكي” حيت الأقنعة على وجوه الممثلين هي من تنفيذ فنانين محترفين، لكنه في معرض “أقنعة” يمارس دورا معاكسا تقريبا إذ يفصح القناع عن ما في داخل الأفراد وليس الجماعات.
وبهذا المعنى، ربما تكون الفنانة كريمة الشوملي قد أرادت من خلال البرقع الكشف عن الصوت الصامت لهؤلاء الأفراد الذين هم في أعمالها التركيبية وصورها الفوتوغرافية، وهم شخوص فنية جاءت إلى العمل الفني من الواقع، غير أن استخدامها المختلف للبراقع والأقنعة جعل من هذه الشخصيات غير ما هي عليه، بل قد صنعت لها الفنانة حياتها “الفنية” الخاصة بها وحدها.
وفي أعمالها التجريدية، التي يأخذ فيها البرقع أوضاعا وألوانا مختلفة على السطح التصويري بل هناك اشتقاقات لصورته وأوضاعه المختلفة والتي جيء بها أصلا من انواعه المتعددة واستخداماته التي تناسب المرأة متزوجة كانت أم غير ذلك، كما هي العادة التي كانت سائدة في المجتمع الاماراتي، لكن خلفية العمل والاشتغال اللوني هو الذي يجعل من هذه الأعمال أكثر قربا إلى التجريد خاصة وأن الفنانة كريمة الشوملي تعمد إلى نوع من التحوير في البرقع وشكله إلى حد أن المرء قد يحتاج إلى وقت كي يدرك أن الشكل الذي أمامه هو البرقع الاماراتي ذاته.
وفي أعمال أخرى تبتعد نسبيا عن فكرة البرقع، فتعالج موضوعاتها الفوتوغرافية على نحو تشكيلي وكأنها ترسم في هذه الأعمال، التي تظهر فيها صورتها هي، سيرة ذاتية للوجه بتعبيراته المختلفة خلف ما يشبه شباك لا يطل على شيء أو يفضي إلى جهة، فهو الوجه وحده فقط بعذاباته وآلامه.
غير أن ما هو جليّ ولافت في المعرض أن البرقع وفكرته والاشتغال عليه في أعمال الفنانة كريمة الشوملي في معرضها هذا هو نتيجة بحث وخبرة معرفية تراكمت عبر قراءات واستطلاع عن البرقع وأصله ووظائفه التي كانت تشهد تحولات بين فترة زمنية وأخرى في المجتمع الاماراتي من جهة ومدى طاقته التعبيرية في استكشاف المشاعر الانسانية للأفراد الذين يعيشون في الامارات وبطرائق فنية تنتسب إلى ما بعد الحداثة بامتياز.
المصدر: الشارقة