أحمد النجار (دبي)
أكد مثقفون مختصون بأن القراءة شاهدة على ازدهار المجتمعات ثقافياً وفكرياً وإنسانياً، بكونها تصنع الوعي وتفتح المدارك على آفاق المعرفة، مشيرين في إفاداتهم بأن الكتب هي الضامن الوحيد لقراءة عميقة وناضجة خالية من أي تشويش يؤثر على النظر والحواس، واعتبروا بأن القراءة من اللوح الإلكتروني سواء الآيباد أو شاشات الهواتف والحواسيب، تفقد الشخص القدرة على التركيز في المحتوى وتشغله بمنبهات جانبية، فضلاً عن أن المحتوى الذي يتم التعرض له، لا ينتج بسحبهم أي تفاعلات حسية تساعد على حفظه في الذاكرة واستعادته عند الحاجة، بينما القراءة من الورق لها حميميتها الخاصة ودفئها الذي يلتصق في الوعي والوجدان.
التوازن وخطر التكنولوجيا
وأكدوا أهمية القراءة من الكتاب الورقي، بوصفه بوابة للقيم وأحد أهم أساسيات مبادئ التربية التي ينبغي غرسها في وجدان الأطفال، بدءاً من محيطهم الأسري، حيث إن فكرة التشجيع على الكتب الإلكترونية قد يسبب لهم الكثير من المشكلات النفسية سواءً في صعوبة التعلم أو اضطرابات التوحد بسبب الالتصاق به لفترات طويلة، لهذا ينبغي الاستعاضة عنه بالكتب التفاعلية والرسومات التي تحاكي خياله وترتقي بوعيه وتفتح مداركه، مشيرين إلى أن القراءة عبر وسائط التكنولوجيا تؤثر بشكل أو بآخر على تربيته وقيمه وثقافته، لكن التحدي الحقيقي في رأي ماجد نابلسي، فلسطيني، يكمن في تحقيق معادلة التوازن بين احتياجات الشخص في المعرفة سواء من الورق أو اللوح الإلكتروني، مشدداً على أهمية حماية طفل اليوم من خطر التكنولوجيا، وأضاف: يجب صرف انتباه طفل اليوم عن وسائط التكنولوجيا التي شغلت باله واهتمامه واستغلالها في تثقيفه وتوسعة مداركه وتنمية إبداعاته.
جدلية بين المثقفين
وقالت الكاتبة أسماء الزرعوني، رئيسة قسم الثقافة الوطنية في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، إن خيار القراءة بين الكتاب واللوحات الإلكترونية، أثارت جدلية كبيرة بين المثقفين، لكنني اعتبر الكتاب الورقي هو الخيار الأفضل بالنسبة لي، بالنظر إلى قيمته التاريخية كمرجع للمعلومة الموثوقة، على عكس الإلكتروني، والذي يمكن تغيير محتواه بالنسخ واللصق، ناهيك عن أن الورق له حميمة وسهولة في تقليب صفحاته، والرجوع إليه عند الحاجة، كما أنني لا أخشى أن تنقطع الكهرباء، أو شحن الجهاز، إذا ما وصلت لنقطة مهمة وأريد التكملة، وتشدني عناوين الكتب التي تزين المكتبة، وقد حاولت مرات أن أقرأ رواية أو كتاباً من خلال الأجهزة الإلكترونية لكنني لم أستطع، فقد وجدت صعوبة بالغة في التصفح، يمكن قراءة عناوين سريعة لأخبار مصحف أو مقالات إلكترونياً، لكن يصعب جداً قراءة كتاب بـ200 صفحة.
علاقة قديمة
وأوضحت الروائية الإماراتية فتحية النمر، بصفتها كاتبة وقارئة من جيل وسط بين القديم والجديد، أن اعتمادها كان على الكتاب الورقي كونها كثيرة التعامل مع الكتاب، حيث تقرأ يومياً ما لا يقل عن أربع أو خمس ساعات، فهذا معناه انحيازها إلى القراءة عبر الورق، فقد غزلت معه علاقة قديمة تعود إلى ما لا يقل عن أربعة عقود، وأضافت: أكثر تعاملاتي مع الورق، لكنني حتماً أتعامل مع الألواح الإلكترونية عندما أكون بصدد التخطيط لنص إبداعي جديد يتطلب مني معلومات وأفكاراً حول الموضوع، فقد لا تتوفر عندي ورقياً، هنا أكون مع محركات البحث، وكذلك عندما أعد لجلسة أو فعالية أدبية أحتاج فيها للمادة غير المتوفرة ورقياً، ولا تخفي فتحية ميلها الشديد إلى الورق وتصف القراءة الورقية بـ«الصحبة المباشرة»، فهي تعني أنني أمام فرصة للتخطيط، ولكتابة هوامش، وأنا معتادة أن اقرأ وأكتب في الوقت نفسه، واستخدام القلم بشكل دائم، وهذا بالطبع لا يتوفر لي إلكترونياً.
وعاء للفكر والمعرفة
ولفتت إلى أن الكتاب الورقي أكثر سحراً وتأثيراً من الإلكتروني الذي قد لا يكون موثقاً وفِي يدك التوثيق وفِي مستطاعك من الأمور التي أدقق عليها، سنة الطبعة، عدد الطبعة، مكان النشر، عنوان الكاتب، وهي أمور تضفي على الوثيقة والعقد الذي تقطعه مع صاحب الكلمات ألقاً وحميمية، وقالت: لا أتصور أن يأتي فيه الوقت الذي يختفي فيه الورق كحامل ووعاء للفكر والمعرفة، ولا أتصور على الأقل في العقود الأربعة القادمة وإلا ما هذا الهدير الذي لا يكف عن الحياة من المطابع.
خمسة قراء
القراء خمسة وفق سلوى حمدون، باحثة في اللغة العربية، قارئ متفحص وفضولي وأكاديمي وقارئ مستثمر ومضطر، حيث إن ازدهار المجتمعات وانتعاش ثقافتها مرتبط بالضرورة بالكتاب الذي يمثل وعاء للقيم والتراث المادي، ويشكل مرجعاً مهماً لتاريخها وقيمها وأصالتها، مشيرة إلى أن القراءة عبر اللوح الإلكتروني يمكن تصنيفها ضمن «قراءة فضولية عاجلة»، توصف بأنها سطحية، نظراً إلى أن الشخص يعتمد فيها على القشور والعناوين والموضوعات الخفيفة الجاهزة والمعلبة، بينما الطريق إلى القراءة العميقة المفيدة التي يعول عليها ليس له سوى جسر واحد هو الكتاب صديق كل زمان ومكان.
الطفل عرضة للاختراق
ولفتت فاتن حمادة، معلمة لغة عربية، إلى أن القراءة مهمة جداً في غرس القيم والمعارف في وعي الطفل، لكن الأهم في رأيها هو كيفية تشجيع الطفل على القراءة الورقية وجعل الكتاب صديقاً محبباً ودائماً له، لا سيما في ظل منافسة المحتوى الإلكتروني، الذي يوفره الآيباد وتطبيقات الموبايل وغيرها، وكلها مواد تعليمية لا يستهان في قيمتها التعليمية، لكنها قد تلقي بظلالها على أمور نفسية تترك فجوة كبيرة تفصل الطفل عن واقعه، فضلاً عن خطرها الذي يصدر إلى الطفل بعض السموم والأفكار الهدامة، مضيفة: قضاء الطفل أوقات طويلة أمام اللوح الإلكتروني، قد يجعله عرضة للتسطيح والاختراق أكثر من طفل الأمس الذي لم تشوشه التكنولوجيا، حيث كان يفكر ببساطة، ويتقبل الأفكار ويصدق القيم ويتعايش معها.
كيمياء ورقية
وترى إيمان الهاشمي كاتبة إماراتية، أن القراءة فن مستقل بعلمه وحلاوته ومتعته الخاصة، عالم واقعي حد الخيال وكأنه تحقيق الخيال على أرض الواقع، ولذلك لا أرى فرقاً كبيراً بين القراءة بين صفحات الكتب الورقية أو الصفحات الإلكترونية، حيث يعتمد هذا على رغبة القارئ، فالحقيقة أن المحتوى في الحالتين لا يتغير أبداً، مع أنني أفضل رائحة الورق بالذات الكتب الجديدة عند فتحها لأول مرة، فأشعر بالكيمياء الورقية بين الجسد الآدمي والملمس الورقي، مما يساعد ويحفز كثيراً على الاستسهال في إكمال الكتاب في أقل فترة زمنية ممكنة، بينما قد يختلف الحال بالنسبة لمن يحبذ رؤية الحروف تتراقص خلف إطار زجاجي إلكتروني، فلا يشجعه شيء للقراءة أكثر من لوح يفوح برائحة التكنولوجيا والأساليب الحديثة، وأضافت إيمان بأن الوسيلة غير مهمة، طالما أن المحتوى دائماً واحد، وبالتأكيد ستكون النتيجة دائماً واحدة، فالقارئ الورقي سيستفيد بما قد قرأ، وفي نفس الوقت سيقضي وقتاً ممتعاً بالطريقة التي اختارها وفقاً لما يحب.
ثقافة تربوية ومعلوماتية
ورأى عاطف إبراهيم، مدير مكتبة بالشارقة، أن الرهان الحقيقي للاستفادة من حصيلة القراءة سواء من الورق أو اللوحة الإلكترونية، يكمن في التركيز على جودة المحتوى الذي يتفاعل مع إمكانيات الشخص ويطور مهاراته بشكل تفاعلي، وينافس كل ما حوله، مضيفاً: نحن نحتاج إلى أنواع شتى من الثقافة سواء تربوية أو معلوماتية بشرط أن تكون تحت مظلة المتعة والترفيه، فمثلاً محتوى الكتاب الإلكتروني والورقي، ينافسه التلفزيون بمسلسلات الكارتون وألعاب الفيديو والدراما والسينما غيرها، لذلك يجب تقديم هذا المحتوى ضمن قوالب تعليمية وأدوات إخراجية برّاقة تركز على إضفاء عناصر المتعة والتشويق والجذب الحسي والوجداني والمعرفي. ولفت إلى أن هناك تطوراً في إنتاج كتب الطفل من حيث تنوع الكتب والكتاب والأسماء والموضوعات، فضلاً عن جودة ابتكارات في الطباعة وأشكال الكتب وتقنيات الرسم وعنصر التشويق لاقتنائها، ويجب الاهتمام بالتشجيع على القراءة من خلال تحفيز الآباء والأمهات والمدرسة في تشجيع الطفل على القراءة.