أحمد عاطف (القاهرة)
يوماً بعد يومٍ، تتكشف مخاطر وجرائم جماعة الإخوان الإرهابية، ليس فقط من واقع ما تفعله، لكن أيضاً عبر شهادات من كانوا داخل عقل التنظيم وانشقوا لمخالفتهم فكرها، ورفضهم ما يمكن وصفه بـ«مسيرة القطيع»، وبدأوا فتح صندوقها الأسود الذي يكشف كيف كانت الجماعة ترتكب جرائمها، مختبئة خلف ستار الدين.
أحدث الشهادات تلك التي وردت في كتاب «القضاة والجماعة.. مواجهات وأحكام ومرافعات».. والتي خص بها «الاتحاد» الدكتور ثروت الخرباوي المفكر الإسلامي والقيادي المنشق عن التنظيم، والذي كشف كواليس وتفاصيل محاولة اختراق الجماعة للقضاة، عبر قسم داخلي تحت مسمى «قسم قضاة الإخوان»، لافتاً إلى أن هذا القسم كان سرياً للغاية والجماعة تتحرك فيه بحذر شديد، حتى أن التكليفات الإدارية لا تعطى فيه إلا بحدود.
الحكم.. الهدف
وقال الخرباوي: إن الهدف من القسم السري للقضاة في الجماعة هو الوصول إلى الحكم، ودعوى الديمقراطية ستلزمهم بعمل انتخابات لن يستطيعوا مخالفتها، ولابد لهم من أدوات تحت أيديهم للنجاح الدائم، لذلك قال خيرت الشاطر للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عندما كان وزيراً للدفاع، إنهم سيحكمون مصر 500 سنة. وهذا لأنهم يعملون على تغيير هيكلي جذري للقضاء المصري، عبر تخفيض سن معاش القضاة ليصل إلى 65 ثم إلى 60 عاماً بعد ذلك، ليترتب عليه تقاعد نحو 300 قاضٍ، فيدخل بدلاً منهم محامون تابعون للجماعة، ويلتحقون بالسلك القضائي، لذلك سعوا بكل ما يملكون لإبعاد المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام الأسبق؛ لأنه كان مخططاً له أن يكون رئيس المجلس الأعلى للقضاء وسيمنع المحامون الإخوان من الدخول، ولن تُنفذ خطتهم.
وأشار الخرباوي إلى أن كتابه عن القضاة والجماعة يكشف الخطة الكاملة لمراحل تصفية 6 آلاف قاضٍ، بعدما اعتزمت الجماعة عدم السيطرة على نقابة المحامين بدعوى أنها لا تفيدهم، فيما سيلتحق محامو الجماعة بالسلك القضائي، والمحامون الجدد يكونون قد تخرجوا في كليات الحقوق والشريعة والقانون، فيكون بذلك أغلب القضاة منتمين للتنظيم، وعندما تكون هناك انتخابات يقومون بتزويرها لصالح الجماعة، ومسألة التزوير عندهم هنا ليست خروجاً أو مخالفة للإسلام، لكن «ضرورات تبيح المحظورات».
وسرد الخرباوي بالأسماء قيادات خلايا الإخوان في القضاء، وجاء على رأسهم حسام الغرياني الذي كان رئيساً لمحكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى والهيئة التأسيسية للدستور، وكان مسؤولاً عن هذا القسم أسامة شقيري، وطلبوا منهم التحرك لتجنيد أعداد كبيرة للتنظيم، مشيراً إلى أن اهتمامه بهذه القضية بالتحديد، لأن الشعب المصري أجهض مخططاتهم لاختراق المثقفين، عندما أتوا بوزير إخواني ورفضه المثقفون، وعندما حاولوا السيطرة على الإعلام وأتوا بوزير منهم، رفضه الإعلاميون.
حرس ثوري
أما الجيش المصري، فقد خططت الجماعة بعد لقائها القيادي في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي قتل مؤخراً في غارة أميركية بالعراق، وضع منظومة بالتعاون مع حركة حماس الفلسطينية لعمل حرس ثوري مصري، ليكون جيشاً موازياً في سيناء لتنفيذ طلباتهم، لكن الجيش المصري أجهض المخطط. وأكد الخرباوي أن الجماعة حاولت اغتيال المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام الأسبق معنوياً، والقتل المعنوي يكون أكثر بشاعة من القتل، حيث اتهموه بأنه يتبع النظام السابق وحاولوا تشويه تاريخه، على الرغم من أنه شارك في وضع نظام لاستقلال النيابة العامة بعيداً عن أي سياسة، ولا يأتمر بكلام أحد.
وأضاف أنه في هذا الكتاب ينصف مجموعة من محامي العموم وأعضاء النيابة الذين وقفوا بوطنية لانتصار القضاء والعدل، خاصة أنهم لم يتحدثوا بأنفسهم لأنهم لم يفعلوا ذلك لنيل شهرة أو مجد، لكنه كان نابعاً من ضميرهم الوطني والإنساني، بغض النظر عن معرفة المصريين أم لا. وعلى رأس هؤلاء المستشار إبراهيم صالح، رئيس نيابة مصر الجديدة، صاحب الواقعة الشهيرة عندما تحدث المخلوع محمد مرسي عن المتظاهرين الذين ألقى الأمن القبض عليهم أثناء تظاهرهم أمام قصر الرئاسة، وقال في خطبته إن النيابة قررت حبسهم لأنهم كانوا يتآمرون وممولين لإسقاطه، في حين أن النيابة لم تكن قد استجوبتهم في الأساس، وهرع وكلاء النيابة لإبراهيم صالح وأوضحوا له بأن مرسي يضغط عليهم بخطابه، فما كان رده إلا الأمر بإجراء التحقيقات بشفافية تامة ودون تحيز، والقرار الذي سنتخذه سيكون قرار النيابة وليس قرار مرسي، رغم أن النائب العام حينها كان طلعت عبدالله الذي عينته الجماعة وكان يريد حبس هؤلاء الشباب.
وروى الخرباوي لـ«الاتحاد» كيف حاولت الجماعة اغتيال المستشار زكريا عبدالعزيز، النائب العام المساعد، بتفجير سيارة بالقرب من سيارته، وكذلك المستشار تامر فرجاني الذي حاولوا تفجير سيارته بعبوة ناسفة، لكن محاولتهم فشلت، مشيراً إلى دور المستشار أحمد الزند الذي قاد نادي القضاة ضد الإخوان والذي تولى بعدها حقيبة العدل، كما أن المستشار عبدالمجيد رفض قرار مرسي بعزله ونزل في دار القضاء العالي، وأعلن كذب حسام الغرياني وأحمد مكي بأنه وافق أن يكون سفيراً لمصر في الفاتيكان، وكان سيتم اغتياله من قبل الجماعة.
أسرار خطيرة
ووصف الخرباوي ما جاء في كتابه بأنه قنابل وأسرار لم ينشرها أحد قبل، كقضية الاتحادية والهروب من وادي النطرون الذي حقق فيها المستشار خالد المحجوب، كما يشمل الكتاب وثائق تثبت علاقة طلعت عبدالله النائب العام الأسبق بالجماعة تنظيمياً، عندما كان عضواً باللجنة القانونية العليا التي ترأسها المستشار مأمون الهضيبي، وفكرتها تكمن في وضع تصورات قانونية لقضايا تخص الجماعة كان نظام مبارك يحولها للمحاكم العسكرية، وكان طلعت يحصل على مقابل مالي للتنقلات من الإخوان عندما كان يقيم في طنطا.
ويشمل الكتاب أيضاً كواليس حصار الإخوان للمحكمة الدستورية، والادعاءات الخاصة فيما يخص حكم ببطلان مجلس نواب الإخوان، وكيف زورت الجماعة القرار ونشره قبل أن يصدر الحكم من الأساس. وذكر القيادي الإخواني المنشق في الكتاب تفاصيل عن مقتل الشهيد هشام بركات النائب العام المصري الأسبق، والتي أحرجت النيابة من إعلانها، لأن البعض يظن أن الأدلة هي اعترافات المتهمين، وهو غير صحيح، لأن ما قيل حينها كان إقراراً وليس اعترافات، وهناك 120 دليلاً ثابتاً في القضية.
ويشمل الكتاب حواراً له مع المستشار إبراهيم صالح رئيس نيابة مصر الجديدة، وهو الآن المحامي العام لنيابات الإسماعيلية، يشرح فيه كيف كان يصلي الأخير في مسجد أمام محكمة مصر الجديدة ودعا الله أن يلهمه القرار الصحيح في قضية الاتحادية، والذي قال إنه كاد يوقع على قرار الحبس، لكنه مزق الورقة وألقاها في القمامة، ثم ترافع بعد ذلك في المحكمة ضد المتهمين من الإخوان الذين اندفعوا لقتل المتظاهرين. والأمر نفسه يتكرر مع مجموعة من متظاهري الإخوان، عندما حاولوا تخليص مرسي وتم إطلاق الرصاص على الحرس الجمهوري، ويتم تحويلهم للنيابة ولكن إبراهيم صالح لا يجد دليلاً على إدانتهم فيطلق سراحهم، تحقيقاً للعدل.
الرد بالتشويه
قال الخرباوي إنهم حاولوا تشويهه وسحب كتبه من السوق، مثلما حدث مع كتابه «سر المعبد 2» الذي تم شراؤه بالكامل، لكن الكتاب الجديد يتم بيعه بشكل مقنن، فكل فرد يشتري نسخة أو اثنتين، ويتوقع المؤلف أن تواجهه الجماعة بأية وسيلة. ويظهر الكتاب - بحسب الخرباوي – أسماء قضاة ومحامين ومستشارين وقفوا مع الوطن قلباً وقالبا، لم يعرفهم أحد، مثل خالد محمد أبو زيد وكيل تفتيش النيابات خلال حكم الجماعة، ومحمد عبدالسلام أمين المحامي العام الأول لنيابات الإسكندرية، والمستشار هشام بدوي رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وتامر الفرجاني، والمستشار خالد ضياء المحامي العام، والمستشار محمد شيرين فهمي رئيس المحكمة.