12 يناير 2009 00:27
أيام وليالي ثلاثة عقود من الزمن مرت ثقيلة متباطئة أمام مخيلتي وأنا أقف صباح هذا اليوم أتأمل نفسي أمام المرآة!
ثلاثين عاماً·· مرت بحلوها ومرها وثقلها ومرارتها، وأنا أحدق في تفاصيل الخطوط والتجاعيد التي أشعر أنها بدأت تزحف إلى وجنتي·
هرولت مسرعة إلى المطبخ وأشعلت الموقد، وحاولت أن أشتت ذاكرتي في إعداد فنجان من القهوة، وسارعت إلى مقعدي المفضل أتصفح مع رشفات ساخنة صفحات مجلة قديمة، حتى توقفت أمام صور الموضة والأزياء التي تتزين بموديلات جديدة لفساتين السهرة والزفاف، وحاولت أن أسيطر على إحساس بالألم الذي يعتصرني مع كل رشفة من رشفات القهوة ، واندفعت إلى أرفف خزينة ملابسي أبعثرها على سريري الذي لم أعد ترتيبه بعد، حتى توقفت عند فستان أبيض لم يغبره التراب، وإنما أصابه الوهن والذبول بفعل آثار الإهمال والأيام·
كم سنة مضت وأنا أحتفظ بهذا الفسان الأبيض، وكم من الأحلام استغرقت فيها، وأنا أعيش أجمل لحظات العمر التي لم أعشها، ولا أعلم متى سأعيشها إلى الآن؟
طفولة بريئة مطرزة بأحلام وردية، ودُمى وعرائس وحكايات وأمنيات ونصائح وصرخات الأم التي لا تفارق سمعي من كلمات نهر ونصح وتوجيهات وعتاب·
حكايات المراهقة وشقاوتها، وزميلات المدرسة، وضفائر تزين هذا الجسد النحيل، وخيالات من القصص والروايات، ومداعبات صديقاتي في المدرسة الثانوية عن ابن الجيران وفتى الأحلام والفارس الذي لم يأت بعد·
أيام الجامعة، ورومانسيتها الحالمة، وحكايات لياليها الشيقة، وتجاربي الخجولة التي لم تكتمل فصولها ولا نهاياتها، ابن الجيران وزميل الدراسة وابن الأقارب ومعارف زوج خالتي وصديق ابن عمتي وغيرهم وغيرهم، مما وضعت في طريقهم الحجج والأسباب والموانع والمبررات لرفضهم جميعاً، ليس لسبب مُعلن أو حقيقي سوى انتظاري لفارس الأحلام الذي لم يأت بعد·
لا أعرف ماذا كنت أريد بالضبط؟ ولم أكن أدرك غايتي وهدفي على وجه الدقة·
لكنني أتذكر فقط بعضاً من أسباب رفضي ما بين الشكل والإطلالة وعدم ''الشياكة''، وقلة الحيلة·· هذا طويل، وذاك قصير ، وهذا ضعيف الشخصية أو ليس لديه الإمكانات وربما الوسط الاجتماعي غير المقنع أو السن غير المناسب·· أو ··· أو ··· إلخ·
المهم·· أنني اكتشفت فجأة أنني الوحيدة من بين زميلاتي التي تخلفت عن اللحاق بقطار الزواج، وفجأة اكتشفت أنني فقدت والدي ومن بعده بعام ونصف فقدت والدتي وتزوج الأشقاء ولحقت شقيقتي الصغرى بأول قطار يتوقف عند محطة الزواج·
انتبهت إلى أن فنجان القهوة فوجدته قد نفد، ووجدت نفسي من جديد أتأمل تضاريس الفنجان لعلي أجد بينها ما لم أجده في المرآة·
استغرقت في الوهم وأنا أحاول قراءة أخاديد بقايا القهوة، وأتوقف عند خيال فارس جاء يمتطي صهوة جواد·
اغرورقت عيناي بالدموع، ولم أعرف على وجه الدقة كم من الوقت مر، وأنا أحدق في معالم وملامح فارسي المقدام، وأفقت على جرس الباب، وتوهمت أنه قد أتى، ولم تسعفني قدماي ركضاً نحو الباب، وكانت بائعة الخبز التي اعتادت أن تأتي به كل صباح !·
رشفت وهمي·· وأجلت حلمي·· وابتلعت قهري، وأسرعت أرتب نفسي لكي ألحق بميعاد عملي·· وحملت حقيبتي مع زفرات القهر والانتظار والمزيد من الأحلام·
حالمة