دينا محمود (لندن)
قبل أقل من أسبوع من التوصل إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار في محافظة إدلب، تسود أجواء من التشاؤم بين السكان والمحللين إزاء إمكانية صموده لوقت طويل، وسط توقعات بإمكانية تجدد القتال قريباً بين الجيش السوري المدعوم روسياً، وفصائل المعارضة التي تحظى بدعم تركي.
وفي الوقت الذي لم يتم فيه الكشف بالكامل عن كل تفاصيل الاتفاق الذي تم إعلانه يوم الخميس الماضي بعد محادثات أُجريت بين الرئيسيْن الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، أعرب العديد من النازحين من إدلب المعقل الأخير للمعارضة السورية المسلحة في البلاد عن خيبة أملهم لما اتُفِقَ عليه في الكرملين، من بقاء الجيش في القرى والبلدات التي استولى عليها مؤخراً، وهو ما يقوض آمالهم في العودة إلى ديارهم.
وأشار محللون روس وأتراك إلى أن هذا الاتفاق ربما يكون «وُلِدَ ميتا»، قائلين، إنه من المشكوك فيه أن يوفر تسوية طويلة الأمد للوضع في إدلب، بالنظر إلى التعهدات التي أعلنها الرئيس السوري بشار الأسد مؤخراً، بأن يستعيد السيطرة على كل شبر من بلاده. وأكدوا أن الجانب الأكبر من سكان إدلب البالغ عددهم نحو ثلاثة ملايين نسمة يصفون وقف إطلاق النار الساري حالياً في المحافظة بـ«القاتل»، ويتوقعون أنه سيؤدي إلى «مزيد من الدمار».
ويشير هؤلاء إلى الغموض الذي يتسم به اتفاق الهدنة الروسي التركي الذي تم التوصل إليه بعد محادثات استمرت 6 ساعات في موسكو، وشهدت تنازل أردوغان مُرغماً عن موقفه المطالب بانسحاب القوات الحكومية السورية، من المواقع التي بسطت سيطرتها عليها في إدلب خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وبدورهم، قال نشطاء سوريون في إدلب: «إذا أردتم رأي الناس هنا، فستجدون أنه لا يوجد منهم من يشعر بالسعادة لما حدث على صعيد التوصل إلى وقف لإطلاق النار، فهم كانوا يأملون في أن يعودوا إلى قراهم المدمرة جراء أسابيع من الاشتباكات الدموية، التي أوقعت العشرات من القتلى في صفوف الجيش التركي».
وفي تصريحات نشرتها صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، قال فلاديمير إيفزيف نائب مدير معهد «سي آي إس» الروسي للأبحاث والدراسات، إن «الاتفاق الأخير بين موسكو وأنقرة ذو طابع مؤقت ومرحلي بوضوح، فمن المرجح للغاية أن ننخرط في أزمة جديدة مع تركيا خلال الأشهر القليلة المقبلة».
من جانبه، عقّب سوناي تشابتاي مؤلف كتاب «تركيا والسياسة في منطقة الشرق الأوسط» على الاتفاق ذاته بالقول إن نظام أردوغان سيظل عالقاً في علاقته غير المتكافئة الحالية مع روسيا؛ لأن الرئيس التركي يعجز عن تحديد مسار العلاقات القائمة بين البلدين، وهو ما يفعله بوتين بشكل منفرد. وعلى الصعيد ذاته، نقلت «فاينانشال تايمز»، عن كريم هاس المحلل المتخصص في شؤون العلاقات التركية الروسية الذي يتخذ من موسكو مقرا له، قوله إنه «على الرغم من أن وسائل الإعلام في تركيا تقدم الاتفاق الأخير بين أنقرة وموسكو، على أنه انتصار لأردوغان، فإن الوضع على الأرض يتعارض مع ذلك تماماً»، لا سيما في ضوء تقلص المناطق التي ستبقى تحت سيطرة الجيش التركي في إدلب بموجبه. وشدد هاس على أن ما تضمنه الاتفاق من التزام بالقضاء على كل المجموعات الإرهابية في سوريا، سيعطي الرئيس الأسد وحلفاءه حجة جاهزة لشن مزيد من الهجمات في إدلب، وهو ما يعني أنه سرعان ما ستتجدد المصادمات بين المجموعات المسلحة المتناحرة هناك.