12 فبراير 2012
محمود عبدالعظيم (القاهرة) - تشهد شركات القطاع الخاص المصري الكبرى خلال الآونة الأخيرة تزايد عمليات الحصول على تمويل لمشروعاتها من المؤسسات الدولية سواء كانت هذه المؤسسات ذات طابع رسمي مثل البنك الدولي أو هيئة التمويل الدولية أو مؤسسات غير رسمية مثل بعض الصناديق الأميركية أو البنوك الأوروبية وهيئات الدعم المالي المختلفة. ويأتي لجوء الشركات الخاصة المصرية الكبرى إلى آلية التمويل الدولي بسبب الشح النسبي للسيولة المتاحة لدى البنوك المحلية واستنفاذ العديد من هذه الشركات ما يعرف بالسقف الائتماني المتاح لها من البنوك المحلية سواء بشكل مباشر أو عبر نظام القروض المشتركة، لاسيما بعد بدء تطبيق البنك المركزي المصري للعديد من القواعد الرقابية الخاصة بمعايير “بازل- 2” والتي تمنع منح الشركات الشقيقة أو المرتبطة أكثر من 10% من إجمالي رأسمال البنك.
ويرغب العديد من شركات القطاع الخاص المصري في اختبار مدى جاذبية السوق المصرية للاستثمار الأجنبي وقياس قدرة الشركات المصرية على اجتذاب شركاء أجانب سواء عبر تمويل مباشر أو عبر شراء هؤلاء الشركاء حصصاً من أسهم الشركات المصرية حيث إن دخول مؤسسات تمويل دولية للعمل في السوق المحلية عبر شركات مصرية يعزز ثقة العالم الخارجي بالأوضاع الاقتصادية في مصر. وتركزت عمليات التمويل الدولي للشركات المصرية على المشروعات العاملة في قطاعات الطاقة وإنتاج الإسمنت والبتروكيماويات والصناعات التحويلية والحديد والصلب والصناعات الإلكترونية والدهانات والبويات وتجميع أجهزة الهاتف المحمول وغيرها. وجاءت العمليات على شكل شراكة مع شركات محلية بهدف دعم خطط التوسع الخاصة بهذه الشركات أو توفير تمويل يتسم بالضخامة لمشروعات محددة تعتزم الشركات المصرية تنفيذها مستقبلاً أو شرعت بالفعل خلال الفترة الماضية في تنفيذها.
وجاءت شركات “القلعة” و”الوادي القابضة” و”ايديال” و”أسيك” و”الجارحي للحديد الاسفنجي” في مقدمة الشركات المصرية التي وقعت اتفاقيات تمويل مع بنوك ومؤسسات دولية خلال الفترة الماضية. وحسب معلومات حصلت عليها “الاتحاد”، فقد حصلت شركة “القلعة القابضة” على 200 مليون دولار من صندوق “أوبيك” الأميركي لدعم توسعات الشركة في مشروعات الطاقة التابعة لها خاصة مشروع بناء معمل تكرير مسطرد الذي يتخصص في انتاج السولار من مادة “ المازوت” وكذلك دخول المجموعة في شراكة مع مجموعة “سي دراجون” الكندية لاستكمال مشروعات شركة “وطنية” للطاقة، التابعة لمجموعة “القلعة”. أما مجموعة “أسيك القابضة” المتخصصة في صناعة الإسمنت فقد نجحت في الحصول على تمويل من “المعهد الدانمركي للتنمية” للدخول بحصة في رأسمال الشركة العربية الوطنية للإسمنت التابعة لها والتي تقيم حاليا مصنعا جديدا للأسمنت بمنطقة الشيخ فضل بمحافظة المنيا باستثمارات 335 مليون دولار وبطاقة إنتاجية تبلغ مليوني طن سنوياً ويدخل مرحلة التشغيل التجريبي خلال النصف الثاني من العام الجاري.
ووقعت مجموعة “سامسونج” الكورية اتفاقاً مع مجموعة راية القابضة لإنشاء مصنع لانتاج أجهزة الهاتف المحمول والكمبيوتر المحمول “اللاب توب” في مصر باستثمارات تزيد على مليار دولار بهدف سد احتياجات السوق المحلية من هذه الأجهزة والتصدير لعدد من الأسواق الأفريقية في مقدمتها أسواق ليبيا والسودان والجزائر.
أما مجموعة الجارحي فقد وقعت اتفاقية تحصل بموجبها على 120 مليون دولار من البنك الدولي للمساهمة في تمويل مشروعها لإنتاج الحديد الاسفنجي في السوق المصرية لاسيما بعد نجاح الشركة في تسوية الأوضاع الخاصة بتراخيص الحديد التي كانت قد حصلت عليها من الحكومة السابقة ووافقت الحكومة الحالية على تقسيط قيمة التراخيص لمساندة الشركات لاستكمال مشروعاتها بعد ضخ استثمارات كبيرة في هذه المشروعات. ووقعت مجموعة “الوادي القابضة”، العاملة في الصناعات الغذائية، اتفاقية مع هيئة التمويل الدولية لتمويل مشروعها الطموح بإنشاء محطة حاويات عملاقة بميناء دمياط وإنشاء أسطول للنقل النهري يسهم في خفض نسبة الفاقد من القمح المستورد وتوزيعه على المحافظات وفقا لأحدث نظم الشحن والتفريغ والتوزيع المتعارف عليها عالميا في هذا المجال.
ووقعت مجموعة “إيديال” القابضة اتفاقا مماثلا مع مجموعة “الكترولكس” السويسرية التي اشترت حصة في رأسمال “إيديال” منذ عدة أشهر تم بموجبه تمويل توسعات “إيديال” في مجال إنتاج الأجهزة الإلكترونية والمعدات الطبية وغيرها من المنتجات التي تخصصت الشركة في إنتاجها إلى جانب تحديث تكنولوجيا الإنتاج بها لتتواءم مع المواصفات العالمية.
وحسب هذه المعلومات أيضا فان مجموعة أخرى من الشركات المصرية منها شركات تعمل في مجال انتاج الطاقة المتجددة تجري مفاوضات مع عدة مؤسسات المانية وفرنسية للحصول على تمويل لمشروعاتها بينما تسعى شركات مصرية أخرى للحصول على تمويل من بنوك اقليمية في مقدمتها البنك الأفريقي للتنمية والبنك الاسلامي للتنمية وصندوق دعم المشروعات المتناهية الصغر التابع للوكالة الكندية للتنمية بهدف تمويل توسعات صناعية تابعة لهذه الشركات المحلية خلال الفترة المقبلة حيث حققت مفاوضات العديد من هذه الشركات تقدما كبيرا والمنتظر توقيع اتفاقيات التمويل خلال الأسابيع المقبلة.
وحسب خبراء اقتصاديين فإن تنامي دور التمويل الخارجي للمشروعات في مصر يعكس توجها جديدا لحركة الاستثمارات العالمية حيث إن العديد من الأسواق الناشئة تشهد ظواهر مماثلة في ظل فائض أموال في عدد من بلدان العالم يسعى للدخول في استثمارات إنتاجية حقيقية وليس فقط العمل في بورصات هذه الأسواق الناشئة رغم الأرباح الكبرى التي تحصدها هذه الاستثمارات من العمل في البورصات. ويرى الخبراء أن هذه الظاهرة سوف تشهد مزيداً من النمو في المرحلة المقبلة مما يترتب عليه سرعة دخول الشركات المصرية في مفاوضات جادة للحصول على نصيب عادل من هذا التمويل. ويؤكد الخبراء أن التمويل الدولي للمشروعات المصرية يعد بمثابة تمويل بديل أقل تكلفة من الحصول على التمويل المحلي الذي يعاني قصوراً وعجزًا مؤقتاً بسبب امتصاص وزارة المالية لفائض السيولة بالبنوك عبر عمليات إصدار متتالية لأذون وسندات الخزانة لمواجهة العجز المتزايد في الموازنة العامة.
ويشير الخبراء إلى أن تفضيل المؤسسات التمويلية الدولية الدخول في شراكة مباشرة في مشروعات محلية يعني إشارة إيجابية عن جاذبية المشروعات المصرية الباحثة عن التمويل، لاسيما وأن معظمها مشروعات صناعية وتتوزع على قطاعات حيوية مثل الطاقة والأسمنت والبتروكيماويات. ويؤكد الخبير التمويلي رائد علام أن إقبال مؤسسات التمويل الدولية والبنوك الإقليمية والعالمية على تمويل مشروعات في السوق المصرية يبرهن على المستقبل الجيد لهذه المشروعات لأن هذه المؤسسات تدرس جيداً المشروعات التي تقرر تمويلها خاصة وأنها تمتلك خبرات كبيرة في دراسة المشروعات على ضوء عملها في العديد من الأسواق على خريطة العالم. ويشير إلى أن ما يواجهه الاقتصاد المصري في هذه المرحلة ظرف مؤقت سرعان ما سينتهي مع استقرار الأوضاع السياسية والأمنية بالبلاد وإعادة بناء مؤسسات الحكم.
وقال علام إن تفضيل العديد من هذه المؤسسات الدخول في شراكة مباشرة مع الشركات المصرية والمساهمة بحصص في رأسمال هذه المشروعات بدلاً من الاكتفاء بمنح قروض يعني متانة أوضاع هذه المشروعات وأن مستقبلها جيداً وبالتالي فان هذه المشروعات لن تجد صعوبة في المستقبل في الحصول على تمويل اضافي من السوق المحلية في حالة احتياجها لمثل هذا التمويل سواء كان بطريقة مباشرة من البنوك أو بطريقة غير مباشرة من بورصة الأوراق المالية.
أما جورجيروبودو، رئيس مجموعة “أسيك” القابضة، فيشير إلى أن دخول مؤسسات دولية مثل المعهد الدانمركي للتنمية في تمويل مشروعات صناعية كبرى في مصر مثل صناعة الأسمنت أو الحديد وغيرها من الصناعات الاستراتيجية يظهر رغبة هذه المؤسسات في التواجد الاستراتيجي الطويل في السوق واختيارها لهذه المشروعات يعني الرغبة في استثمارات جادة وليس الدخول في مضاربات بالبورصة بهدف تحقيق أرباح سريعة والخروج من السوق. وقال إن هذه المؤسسات تدخل صناعة الأسمنت رغم أن هناك فائضاً إنتاجياً في هذا المنتج في الوقت الراهن لكن هذه المؤسسات تراهن على النمو المستقبلي بالبلاد وأن مادة الأسمنت سوف تشهد طلبا متزايدا مع بدء انطلاق الاقتصاد المصري حيث سيرتفع الطلب السنوي على الأسمنت في مصر من 47 مليون طن وفقا لأرقام العام 2011 إلى نحو 70 مليون طن في غضون عشر سنوات حيث أن هناك نموا استهلاكيا من مادة الأسمنت يتراوح بين 8 و10% سنوياً كذلك فان هناك فرصاً تصديرية لأسواق مجاورة مما يعد أمراً مشجعاً على ضخ استثمارات اضافية في هذا المجال.