هالة الخياط وناصر الجابري (أبوظبي)
أكد عدد من الخبراء المشاركين، في جلسات اليوم الثاني من القمة العالمية للمحيطات، أن دولة الإمارات لديها المقومات الملائمة كافة للريادة الإقليمية في ترسيخ مفهوم النجاح في «الاقتصاد الأزرق»، حيث حدد الخبراء 5 عوامل للنجاح، تتمثل في وضع قواعد وتشريعات منظمة للقطاع، والبنية التحتية الملائمة، والرؤية السياسية الداعمة للبيئة، إضافة إلى العمل المشترك بين القطاعين الحكومي والخاص، والخطط المستدامة لمواجهة آثار التغير المناخي.
وقال بيس سرفينس، مدير عام بنك التنمية الجديد: «يوجد تداخل بين الاقتصادين الأخضر والأزرق، نظراً لاعتمادهما على تحقيق أكبر عائد استثماري، بما يتناسب مع متطلبات البيئة والحاجات المطلوبة لاستدامتها والحفاظ عليها، ويجب إيجاد آلية موحدة لأن تشمل أعمال البنية التحتية الجديدة المعايير المطلوبة لاستدامة موارد المحيطات، خاصة بما يتعلق بالمشاريع القريبة من المحيطات».
وأضاف: «ينبغي تقديم المصلحة العامة في الإنشاءات المقامة بالمناطق الساحلية، والتي لها الأثر الكبير على ارتفاع مستويات سطح البحر. وبين أن المحيطات هي ملك للجميع، وينبغي على العالم أن يكون حريصاً على استدامة مواردها المهمة للإنسانية، إضافة إلى أن الاقتصاد الأزرق تتوافر فيه عوائد توثر مباشرة على الفرد، ومنها توفير المزيد من الوظائف للعاملين في القطاع، كما يعد أمراً مفيداً لقطاع الأعمال الباحث عن التنوع في نوعية الاستثمارات، بما يجعله قادراً على تحقيق العوائد المأمولة.
الشواطئ والطفرة العمرانية
و قال يي بانج، مدير عام ومدير عمليات الاستثمار في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية: «نحو ثلثي البنية التحتية تتعامل بأشكال متباينة مع الشواطئ، خاصة مع الطفرة العمرانية التي أدت إلى نقل الكثير من الأشياء والمشاريع إلى البحر، والذي يجب أن تتم حمايته بطريقة متكاملة عندما يتعلق الأمر بالبنية التحتية، بما لا يجعل من الضرر البيئي ضريبة للعائد الربحي».
وأضاف: أنه لا يمكن تصور الاستثمار لأجل الاستثمار والجدوى الاقتصادية فقط، بل يجب أن يتم التأكيد أن كل استثمار في المحيطات له أثر اقتصادي وبيئي إيجابي على المجتمعات السكانية والبحرية، بحيث يعمل الجميع معاً ضمن بيئة تشاركية مبتكرة تتم قيادتها من الحكومات التي بإمكانها أن تلعب دوراً كبيراً في حماية البيئة البحرية.
الصندوق الأزرق للتمويل
أكد دانيال حنا، رئيس التمويل المستدام والقطاع العام والمنظمات التنموية على الصعيد العالمي بشركة «ستاندرد شارترد»، وجود تأثير للتغير المناخي على مستوى استدامة الموارد في المحيطات والمشاريع في البنية التحتية، محذراً من الآثار السلبية التي قد تظهر تراكماتها من خلال الفترة الزمنية المقبلة على البنية التحتية المقامة بجانب السواحل.
وقال: إن التحدي الكبير يتمثل في معرفة ما يجري في المحيطات، حيث نحاول التركيز حالياً على وضع خطط مستدامة لتخفيف العوامل المؤثرة على المناخ، إلا أن هناك كميات ضئيلة تخصص للاقتصاد الأزرق بشكل مباشر، برغم وجود الحاجة إلى مئات المليارات لاستثمارها في تحديد الأولويات، والتي من دونها ستكون المهمة أصعب لاجتياز التحدي العالمي».
وأضاف: «نحتاج إلى بيئة تشريعية لتعزيز الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، وقيادة أفضل، وإرادة حقيقية من قبل المسؤولين في القطاع العام.
وأشار إلى أنه تم إطلاق الصندوق الأزرق للتمويل والمخصص للمحيطات بقيمة 50 مليون دولار، وهو المشروع الذي يمكن تطويره لاحقاً عبر تحويل الاستثمارات السلبية التي تصل قيمتها إلى 10 تريليونات دولار نحو استثمارها كعائد إيجابي مناسب على كوكبنا، حيث يجري الحديث مع عدد من الصناديق السيادية في العالم لربط منظومة التمويل بالآثار البيئية المتوقعة.
ولفت إلى أن دولة الإمارات بإمكانها الاستفادة من السوق الضخم للاقتصاد الأزرق، لوجود القيادة السياسية التي تمتلك الرؤية الواضحة تجاه المحافظة على البيئة، إضافة إلى الخطوات التي قامت بها الدولة لوضع بيئة مناسبة، تحتوي على الخبراء والمختصين ورواد الأعمال، عبر منصات الحوار والمناقشة.
مضاعفة القدرات الاستثمارية
من جهتها، قالت لادي آرابا، الممثلة الإقليمية لمنطقة أفريقيا بشركة «كونفيرجنس»: «إن الاقتصاد الأزرق يتمثل في تركيز التمويل الاستثماري للاستثمار الاستراتيجي في القطاعين العام والخاص.
وأضاف: من خلال العام الماضي، بلغت قيمة المبالغ التي تم ضخها في المشاريع المساهمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة نحو 130 مليار دولار، كما توجد مليارات عدة تم تخصيصها لتحقيق الهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة، والتي تم دعمها من خلال صناديق استثمارية، تحفظ جهود البيئة، وتحد من التأثيرات السلبية، إلا أن من المهم مضاعفة الاستثمارات من خلال الفترة المقبلة».
وأشارت إلى أن إحدى القضايا الراهنة تتمثل في عمل منظمات المجتمع المدني بمبالغ متواضعة لتحقيق رغبتهم في الحد من التأثيرات السلبية، حيث علينا النظر لكيفية تطوير الاستفادة من الاقتصاد الأزرق عبر دعم أنشطة هذه المنظمات إيجابياً، إضافة إلى أن من المهم إشراك التكنولوجيا لتحسين المشاريع القائمة بيئياً، وتعزيز عوائدها.
حماية البحار والمحيطات
ومن خلال مناظرة تضمنتها القمة أمس، تناولت القواسم المشتركة بين الاقتصاد الأزرق والاقتصاد الأخضر، وهل اقتصاد المحيطات اقتصاد فريد من نوعه، أكد المشاركون في المناظرة أن الاقتصاد الأخضر والأزرق مكملان لبعضهما بعضاً، مؤكدين أن الاقتصاد الأزرق يعتبر المسارات الجديدة لتحقيق التنمية عبر مياه المحيطات.
وأكد المشاركون في الجلسة أن هناك قواسم مشتركة بين الاقتصاد الأزرق والاقتصاد الأخضر، وأكدت جنيفر برايس، الرئيس والمدير التنفيذي لمؤسسة «كالفيرت إمباكت كابيتال»، أن المجال الآن للاستثمار في المحيطات والشواطئ مع الحفاظ على معايير التنمية المستدامة.
وقالت: «إن الاقتصاد الأزرق يعني الإدارة الجيدة للموارد المائية، وحماية البحار والمحيطات بشكل مستدام للحفاظ عليها من أجل الأجيال الحالية والمقبلة»، وأكدت أن نجاح الاقتصاد الأزرق يتطلب الاستدامة ونجاح تحقيق الاقتصاد الأخضر، لأن كلاهما مرتبطان ببعضهما بعضاً، مشيرة إلى أن الاقتصاد الأزرق يشمل الكثير من الأمور، من بينها الصيد، النقل للركاب، البضائع، واستخراج النفط والغاز من أعماق المحيطات والبحار. من جانبه، قال نيك هاردمان، مسؤول المحيطات والموارد الطبيعية بأمانة الكومنولث: «إن هناك ترابطاً وثيقاً بين تحقيق الاقتصاد الأخضر والأزرق، وهناك ترابط بين تحقيق الاستدامة على الأرض والبحر»، وأشار إلى أن الاقتصاد الأزرق بقدر ما يهدف إلى تحسين حياة الأشخاص، وتعزيز العدالة الاجتماعية، فإنه يستهدف الموارد والحد من السلوكيات التي تؤدي إلى تغير المناخ.
وعن أهمية المحيطات، لفت هاردمان إلى أن قيمة اقتصاد المحيطات في جميع أنحاء العالم تقدر بنحو 1.5 تريليون دولار سنوياً، كما أن 80% من التجارة العالمية يتم نقلها عبر البحر.
350 مليون وظيفة مرتبطة بالأسماك
لفت مارتن ستوتي، مؤسس وشريك إداري بشركة سيستم آي كيو، إلى أن 350 مليون وظيفة في جميع أنواع العالم مرتبطة بصيد الأسماك، وتعد الزراعة المائية أسرع القطاعات الغذائية نمواً، وتوفر نحو 50% من الأسماك المخصصة للاستهلاك البشري.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 34% من النفط الخام سيأتي من الحقول البحرية بحلول 2025، وهو ما يؤكد أن المحيطات تعتبر مصدراً للدخل، يجب الاستفادة منها بطرق مستدامة للحفاظ عليها للأجيال المقبلة.
«الناتو» سيطر على القراصنة
وفي جلسة تناولت سبل مكافحة ممارسة الأعمال غير القانونية بالبحر، أكد المتحدثون أهمية وجود اتفاق وتعاون دولي، والتوقيع على اتفاقية لوضع حد لممارسة الأعمال غير القانونية في البحر، والاستفادة من وسائل الذكاء الاصطناعي لضبط القراصنة وممارسات الصيد غير القانونية، ووضع أطر العمل العالمية للحد من أساليب الصيد الجائر.
وفي هذا الإطار، أشار مايكل سولا، رئيس قسم العمليات بحلف الشمال الأطلسي (الناتو)، إلى أن الناتو نجح في السيطرة على القراصنة في المياه الصومالية، وقال: «إن الأمن في البحار أمر متعدد الأوجه، والصيد غير المشروع أحد الأمور التي يركز الناتو عليها، ولدينا العديد من الأدوات لضمان الأمن في البحار، لا سيما وأن لا وجود للاقتصاد من دون وجود للأمن، مقترحاً أن يكون هناك توحيد للجهود، وأطر الحوكمة، والشحن البحري، لاستئصال ظاهرة القرصنة.
سفن وطائرات لمراقبة البحر
قال بيرنهارد ايساو، وزير الصيد في نامبيا: «إن الصيد يعتبر قطاعاً حيوياً ومصدراً للدخل لعدد كبير من الجمهور، ومن القطاعات المهمة لنا، ومعظم الأسماك التي يتم صيدها يتم تصديرها، وأكبر الأسواق المستوردة للأسماك من نامبيا تتمثل بالسوقين الأوروبي والأفريقي، ونحاول أن يكون الصيد مستداماً، والحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض».
وقال: «لدينا العديد من الإجراءات المضادة، ولدينا عدد من السفن والدوريات في البحار وطائرات مكن دون طيار لمراقبة الأنشطة في البحر، والمحافظة على أساليب الصيد المستدام في البحر».
أمن المحيطات
وأشارت أماندا ليلاند، نائب الرئيس التنفيذي لصندوق الدفاع البيئي، إلى أنه يتم الاستفادة من وسائل المراقبة بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، لرصد الأنواع التي يتم اصطيادها، وإجراء المسوحات الداعمة للحفاظ على الثروة السمكية وأمن المحيطات، بعيداً عن الممارسات غير القانونية في البحار.
حماية المحيطات تحقق الرخاء
أكدت معالي إرنا سولبرغ، رئيسة وزراء النرويج، في كلمة بثتها القمة العالمية للمحيطات أمس، أهمية أن تضع الحكومات العالمية حلولاً وابتكارات للوصول إلى فرص داعمة للحماية البيئية مستقبلاً، مع إطلاق سياسات عامة، تعتمد على العلم، وتنتقل من مفهوم إدارة قطاع المحيطات، ليكون قطاعاً متكاملاً برؤية واضحة المعالم، لتحدياته وعوامله.
آيسلندا تطعم الأسماك عبر الذكاء الاصطناعي
إلى ذلك، بدأت بعض الشركات في آيسلندا باستخدام الذكاء الاصطناعي في الاستزراع السمكي، من خلال تحديد حاجة الأسماك إلى الطعام، من خلال قياس معدل حركتها، والقيام بإطعامها آلياً، وفقاً لآمي نوفوجراتز مؤسسة وشريكة إدارية في شركة «اكواسبارك».
وقالت من خلال مشاركتها في الجلسة الثانية من القمة العالمية للمحيطات: «هناك الكثير من الأمثلة الرائعة لنجاح الزراعة السمكية، والتي تعتمد على الموارد الطبيعية والبصمة الكربونية القليلة، من خلال توظيف التقنيات الحديثة لسد الفجوة بين الحاجة إلى الأسماك والمتطلبات الغذائية والمحافظة عليها، ضمن البيئة التي تتناسب مع تكاثرها وتنوعها البيولوجي». من جهتها، قالت ميلاني سيجس، مدير التعاون الاستراتيجي بمنظمة الاتحاد العالمي لتربية الأحياء المائية: «سنحتاج 44 مليون طن جديد من الغذاء البحري، ما يعني الكثير من الأسماك التي يجب استزراعها خلال الفترة المقبلة، وهو ما يتطلب التحسينات والابتكارات، وإيجاد الدوافع السياسية للبدء في الخطط التنفيذية التي من شأنها إحداث التغيير المطلوب».
الإمارات تدعم الاقتصاد الأزرق
وأكد جيمس ميشيل، الرئيس الأسبق لجمهورية سيشيل، أهمية الاستثمار في مجال الاقتصاد الأزرق، وإمكانية استغلال الموارد المائية بطريقة تمكن من استدامتها.
وقال في كلمة بثتها القمة العالمية للمحيطات أمس: «لا يوجد شيء يثير شغفي أكثر من موضوع الاقتصاد الأزرق»، مشيراً إلى أن استضافة الإمارات للقمة تأكيد على دعمها لموضوع الاقتصاد الأزرق، وأن المرحلة الحالية تتطلب تسليط الضوء على كل من الاقتصاد الأخضر والأزرق، لأنهما مكملان سويا لبعضهما بعضاً، وبحاجة إلى التقدم في المحيطات وعلى البر، بالاستفادة من الأراضي والاستثمار فيها بطريقة مستدامة، وفي الوقت نفسه، الاستثمار في المحيطات والبحار والحفاظ عليها. وقال جيمس: «إن المرحلة المقبلة تتطلب العمل مع قطاع الأعمال والمجتمع، والاستفادة من خبرات المجتمع المحلي من خلال الاستثمار في البحار والأراضي»، مشيراً إلى أن النجاح في الاستثمار مبني على المجتمع المحلي وتجاربه، والخطط الناجحة تنمو من داخل المجتمع، والنجاح لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الناس، واقترح زيادة المناطق المحمية لتصل نسبتها على مستوى العالم إلى 30%».