عرض: د. شريف عرفة
ينتمي كتاب «العودة للجوهر: السعي المنضبط لبذل الأقل!» لفئة التنمية الذاتية وتطوير الشخصية، ولا يخلو من استشهادات مستمدة من أدبيات الإدارة.
ومؤلف هذا الكتاب هو الباحث البريطاني جريج ماكيون، الذي درس ماجستير إدارة الأعمال في كلية ستانفورد للدراسات العليا، ويعمل كاتباً ومحاضراً ومستشاراً بمجال القيادة.
وهو واحد من الكتب الأكثر مبيعاً حسب صحيفة «نيويورك تايمز»، وعنوانه باللغة الإنجليزية Essentialism وهو اسم فلسفة يونانية قديمة تهدف للتركيز على عمل الأشياء المهمة، ترجمتها الحرفية هي الفلسفة «الماهوية» أو «الجوهرية».. إلا أن الترجمة العربية للكتاب -الصادرة عن مكتبة جرير- آثرت التبسيط ليصبح عنوانه «العودة للجوهر»، فما هي الأفكار الرئيسة التي يطرحها هذا الكتاب؟
ترتكز الفكرة الرئيسة للكتاب على ضرورة الاعتراف بمحدودية الطاقة البشرية. أي أنه ليس في إمكان الشخص تحقيق كل شيء طوال الوقت، لأن الوقت محدود والجسد يصاب بالإنهاك والإجهاد، ومهام الحياة لا تنتهي.. ففي إمكان الشخص المثابر أن يحقق «أي شيء» لكن ليس «كل شيء»!
وبالتالي، الوسيلة المثلى لتحقيق ما نريد، هو أن نرشد استهلاك مجهودنا ووقتنا، لتحقيق أقصى النتائج المرجوة لما هو مهم وجوهري بالنسبة لنا. ويتطلب ذلك ضرورة التخلي عن أهداف ثانوية أقل أهمية قد لا يتسع لها الوقت والجهد. وعلينا إجراء «المقايضات الصعبة» طوال الوقت، متسائلين: ما هي أولوياتنا؟ وما الذي يمكننا التخلي عنه في سبيلها؟
المهم فالأهم
يقول المؤلف إنك إذا لم تقم بترتيب الأولويات في حياتك، سيتم فرضها عليك فرضاً بسبب الظروف المحيطة. ستأخذك دوامة الحياة وتنجرف بعيداً. وعندما لا تحدد أهدافك بوضوح، سيقوم غيرك بوضعها لك رغماً عنك. رؤساؤك وعملاؤك وزملاؤك أو حتى عائلتك.. أي أنهم سيشغلونك في واجبات يومية قد لا تجدها مهمة أو ذات معنى، فتنجرف بعيداً عن الأشياء المهمة في الحياة.. بدلاً من البدء في تحقيق الأهداف مباشرة، ويمكن البدء بالتركيز على القيود أو العقبات التي نحتاج إزالتها كي نصل لهذه الأهداف. ويوضح الكاتب: اسأل نفسك «ما هي العقبات التي تقف بيني وبين إنجاز ذلك؟ ما الذي يمنعني من إكماله؟»، وقم بعمل قائمة بالعقبات، التي قد تشمل أشياء على غرار: ضيق الوقت، نقص المعلومات، نقص مستوى طاقتك، رغبتك في الكمال… إلخ وابدأ بإزالة أكثر العقبات تأثيراً.
أن تقول لا
أكثر العقبات شيوعاً، هي إضاعة الوقت في مهام فرعية. لذلك ينبغي تقبل فكرة أنك لن تستطيع تلبية طلب كل من يطلب منك شيئاً.. ولست مضطراً للرد الفوري على كل الرسائل البريدية والمكالمات الهاتفية والاستجابة لمن يقاطعك أثناء تركيزك في العمل.. ولو ركزت في إرضاء كل الناس وتلبية كل طلباتهم من دون استثناء، فلن تجد وقتاً لفعل أي شيء آخر. فالكتاب يدعو لترشيد كل هذا المجهود، وينصح بتحديد العلاقات الأكثر أهمية في حياتك، وتمييزها عن العلاقات الأقل أهمية. فلا يمكنك تضييع وقت العمل في الرد على تليفون من متصل مجهول، لكنك سترد لو كان المتصل هو ابنك مثلاً!
رفض الفرص
هناك فرص جيدة قد تظهر في طريقنا من حين لآخر.. فهل ينبغي الموافقة على كل فرصة متاحة والانجراف معها؟
إجابة الكاتب هي: لا! لأن هذه الفرص قد تكون ثانوية، وقد تستنزفنا وتشتتنا عن فرصة أكثر أهمية موجودة في حياتنا بالفعل.
وينصح بأن يسأل الإنسان نفسه حين تصادفه فرصة جيدة:
ما مدى أهمية هذه الفرصة؟ وهل هي ذات قيمة حقاً؟ هل ستعيقني عن فرصة حالية أكثر قيمة وأهمية؟
بالنسبة المئوية: ما مدى أهمية هذه الفرصة بالنسبة لقيمي ومعنى حياتي؟ ويقول إنها لو كانت أقل من 90% فيمكن تجاهلها، والتركيز على فرصة تحقق نسبة أعلى!
هل أريد هذه الفرصة حقاً؟ لو لم تأت، هل كنت مستعداً لبذل مجهود للحصول عليها؟ أم أنني فقط وافقت عليها لمجرد أنها جاءتني؟ لو وجدت أنها فرصة لم تكن لتستحق السعي للحصول عليها، يمكن تجاهلها والتركيز في الفرص الأعلى قيمة.
على سبيل المثال، هل من الصواب التطوع في شركتك بالقيام بمهام إضافية- تعتبر فرصة جيدة لإبراز مهاراتك- لكنها تؤثر في عملك الأساسي وتضعف تقييمك العام؟ يقول المؤلف: لو طلب منك مديرك مهمة إضافية، ينبغي عليك التأكيد على ترتيب الأولويات بسؤاله: هل الأولوية لهذه المهمة الجديدة أم للمهمة المعتادة؟ لأنك لن تستطيع القيام بكل المهام في ذات الوقت!
لا يدعو المؤلف لتجاهل الفرص الجيدة حين تظهر في طريقنا، بل يقول إن علينا التحقق أولاً من أنها ليست مجرد تضييع لوقت إنجاز الأمور الجوهرية. ويوضح الكاتب: «بمجرد أن تمنح نفسك الإذن للتوقف عن محاولة القيام بكل شيء، والتوقف عن قول (نعم) للجميع، وقتها يمكن أن تسهم بشكل أكبر في إنجاز الأمور المهمة حقًا».
المقايضات
يتحدث الكاتب عما يسميه «معضلة النجاح».. فكلما أصبح الشخص ناجحاً، كلما زادت خياراته وفرصه.. وكلما نجحنا زادت خياراتنا، زادت فرص تشتيتنا عما هو مهم في حياتنا.. كالمدير الذي يزيده النجاح المهني ابتعاداً عن أسرته.. لذا ينصح المؤلف ألا ننسي ما هو أكثر أهمية، والتأكد من ضبط بوصلتنا الذاتية من حين لآخر.. فاختياراتنا هي التي تصنع حياتنا، وعلينا ألا نندم على قراراتنا الصعبة. لذلك يقول الكاتب: لا تقل لنفسك «أنا مجبر على فعل هذا».. بل قل لنفسك: «لقد اخترت فعل هذا، لأن……»، كي تذكر نفسك دائماً بالسبب الذي من أجله اتخذت هذا القرار الذي يتسق مع قيمك ومعنى حياتك.
تعدد المهام
لكن يعترف الكاتب بأن تعدد المهام أمر لا يمكن تجنبه في عالم اليوم. إلا أنه يلفت نظرنا إلى أن الإنسان لا يستطيع التركيز في أكثر من شيء في وقت واحد، حتى إن تقاربت المهام وتداخلت. لذا عليه التركيز في كل خطوة لحظية على حدة ليستطيع إنجازها. ويقول: «عندما يتراكم عليك الكثير من الواجبات والمهام، ولا تعرف ما يجب إنجازه أولاً، توقف وخذ نفساً عميقاً. ركز في اللحظة الحالية فقط، واسأل نفسك: ما هو الأهم في هذه اللحظة بالذات؟ ليس الغد أو بعد ساعة من الآن؟»، فبهذه الطريقة يستطيع الإنسان البدء في العمل من دون تباطؤ. كما يؤكد أن القليل المهم، أفضل من الكثير غير المهم. أي أنك تبذل مجهوداً كبيراً في كثير من أشياء غير مهمة تضيع وقتك وطاقتك، بينما الأفضل تركيز المجهود في أشياء مهمة قليلة.
الحياة ليست عملاً فقط
يقول المؤلف إنه على الإنسان التحلي في عمله بروح المغامرة واللعب.. فهذا ما يهون علينا مشقة الطريق ويجعله مسلياً وممتعاً. كما ينبغي الاحتفاء بالإنجازات الصغيرة التي نحققها خلال اليوم، لا انتظار تحقيق الهدف النهائي فقط، فللإنجاز متعة في حد ذاتها. ولا يغفل الكاتب أهمية الراحة، لدرجة أنه خصص فصلاً كاملاً للحديث عن النوم، وأهمية توفير وقت كاف له. ولكي تحافظ على قدرتك على اتخاذ القرارات، ينبغي الحفاظ على ذهنك الذي يتخذها، باعتبار أن النوم نوع من الصيانة الدورية التي تساعد في «حماية الأصول». ويؤكد أن «أولويتنا القصوى هي حماية قدرتنا على تحديد الأولويات!».
المرونة الكافية
يطرح الكتاب فكرة التمتع بالمرونة الكافية، التي تسمح لنا بتغيير خططنا إذا لزم الأمر. فهناك أشخاص مهمون في حياتنا، يمكننا التخلي عن وقتنا من أجلهم، والرد على مكالماتهم مهما كنا مشغولين، كما أن هناك تغيرات في الحياة قد تستلزم تغيير الأهداف أو تعديلها إذا تطلب الأمر، وبالتالي تغيير الخطط المؤدية إليها.. أي أن يكون الإنسان واقعياً ويراعي سياق الحياة وتغيراتها.
عنوان الكتاب: العودة للجوهر- السعي المنضبط لبذل الأقل
المؤلف: جريج ماكيون
ناشر الطبعة الإنجليزية: كراون بزنس
ناشر الطبعة العربية: مكتبة جرير