الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

من التلقي.. إلى الارتقاء

من التلقي.. إلى الارتقاء
7 مارس 2019 02:34

المسرح المدرسي هو المختبر الأول لكوادر «أبو الفنون»، من فنانين وتقنيين. في هذا الفضاء يخرج الموهوبون من الحصص التلقينية الرتيبة إلى معترك الإبداع. فوق خشبة هذا المسرح تتشكل العتبة الأولى المفضية إلى المسرح الجامعي والمسرح الوطني. ولا شك أن هناك فارقاً كبيراً بين المسرح المدرسي ومسرح الطفل، فالثاني جزء من الأول، لكن منهاج المسرح المدرسي أكثر اتساعاً على مستوى النظرية والتطبيق. ويمثل مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي، قاعدة خلاّقة للمسرح الإماراتي في عمومه. فهو يقوم بدور تأسيسي دائم، ينقل الطلبة الراغبين من حالة التلقي إلى وضع الارتقاء، وبالتالي فإنه يرفد الحركة المسرحية المحلية بدماء جديدة، وتوفير فرص لجمهور مكوّن من الأهل، لتذوق المسرح، ومتابع إنتاجاته، وتهيئة كوكبة متجددة باستمرار من الكتّاب والمنتجين والمخرجين والممثلين والنقّاد، في مشروع ثقافي كبير تتبناه الشارقة وتقدمه للعالم العربي.

حول واقع المسرح المدرسي في الإمارات، وإضافات المهرجان الخاص به، والآفاق التي يشرع النوافذ عليها، كان لـ«الاتحاد الثقافي»، جولة استطلاعية مع عدد من المسؤولين والمعنيين بهذا القطاع المهم، خصوصا وأن مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي يحتفي بالمسرحيين «الصغار» في المدارس الابتدائية، والثانوية بكل مدن ومناطق الشارقة، وتضم فعالياته العديد من الورش التدريبية، والمحاضرات إلى العروض المسرحية والتشكيلية.

المدرسة والاحتراف
كشف أحمد بورحيمة، مدير إدارة المسرح بدائرة الثقافة في الشارقة، عن مشاركة ما يقرب من 70 مدرسة في الدورة التاسعة من مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي التي تنعقد خلال شهر مايو المقبل.
وأوضح بورحيمة أن التصفيات ستشمل مدينة الشارقة، والمنطقتين الوسطى، والشرقية، ثم العودة إلى الشارقة حتى تكون هناك منافسة بين المشاركين. لكن لماذا المسرح المدرسي في الأساس؟، يقول بورحيمة «يولي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، موضوع المسرح المدرسي اهتماماً كبيراً، ويأتي هذا الاهتمام من قناعة وإيمان راسخين، بأهمية المسرح في تهذيب السلوك أولاً، ومن ثم فتح آفاق المعرفة للطالب والمشتغلين في هذا المكان».
ويضيف «نحن لا نبحث عن فنانين ولا ممثلين، نريد مواطنا سويا، يتذوق الفن، ويمارس الفنون الأخرى، لأن المسرح يجمعها كلها من خلال كتابة النص الأدبي، أو التمثيل، والإضاءة، والديكور، والمؤثرات الصوتية والبصرية، إضافة إلى الرقص الاستعراضي... فنحن نفتح له الآفاق من خلال هذه المهرجانات».
ويشدد أحمد بورحيمة، على أنه من خلال هذه المهرجانات نكتشف المواهب، ومن أراد أن يسلك في هذا المجال فهو اختياره، ونحن معه، ولكن الأهم هو أننا نقدم معرفه، وذائقة.
وأضاف مدير إدارة المسرح بدائرة الثقافة في الشارقة: «نحن أمام قيادة، وإدارة واعية بأهمية الفن في المدرسة، فمهرجان الشارقة للمسرح المدرسي، بدأ بأقل من 20 مدرسة، واليوم متوسط المدارس المشاركة وصل إلى 75 مدرسة».
وتابع بورحيمة «نعمل في إدارة المسرح، من المدرسة إلى الاحتراف، بحيث يبدأ المشاركون من المسرح المدرسي، ثم ينتقلون إلى المسرح الكشفي، وبعدها مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة، إلى مهرجان مسرح الطفل، نهاية بأيام الشارقة المسرحية»، مضيفاً أنه خلال دورات المهرجان الثماني الماضية، انتقل الطلبة في كل مرحلة التي تختلف في مهاراتها وتدريباتها، حتى وصل العديد من الأسماء الموجودة على الساحة المسرحية الآن.
وأوضح أن جائزة الشارقة للتأليف المسرحي المدرسي، التي يتبناها المهرجان منذ 5 سنوات، تُقدم على المستوى الخليجي، وتنبع من إيمان راسخ بأهمية البحث واكتشاف المبدعين، في حرم مدرسي يعج بالمواهب على مستوى المدرسين والطلاب، وبالتالي عندما تفتح لهم هذه المسابقة على مستوى مجلس التعاون الخليجي بمستوى جوائز كبير مثل هذه، تكتشف العديد من الأقلام التربوية التي تقدم «الفرشة الأولى لإنتاج عرض مسرحي».
وفي إطار الجائزة يتم إصدار كتاب يضم النصوص الفائزة سنوياً، وتصنف على فئتين «فئة المعلمين والمعلمات»، و«فئة الطلبة والطالبات»، علماً أن القيمة المادية للجائزة لفئة المعلمين والمعلمات هي 50 ألف درهم للمركز الأول، و30 ألف درهم للمركز الثاني، و20 ألف درهم للمركز الثالث، فيما قيمة جوائز فئة الطلبة والطالبات هي 25 ألف درهم للمركز الأول، و15 ألف درهم للمركز الثاني، و10 آلاف درهم للمركز الثالث.

التجربة والصبر
ومن جانبه يؤكد الفنان الإماراتي، عبدالله مسعود، أن مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي، يرفد الحركة المسرحية بعناصر جديدة، ويرى أن الأهم هو التأسيس لجمهور مستقبلي للمسرح، لأن عناصر العمل المسرحي سيتم تكوينها بشكل أو بآخر، ولكن تكوين جمهور ذوّاق يتابع الحركة المسرحية، ويكون له وجهة نظر في المستقبل، هو الأهم بالنسبة للمسرح المدرسي.
وأوضح مسعود أن «ما يهمنا كمسرحيين هو تخريج متابعين، ونقّاد، وناشرين، وكتّاب». ويرى أن التجارب في المسرح المدرسي بدأت بداية لا بأس بها، حتى وصلت على مدار دورات المهرجان الثماني إلى رؤى، وأطروحات، وأشكال تستحق البحث، فالطلاب أبهرونا في العروض وأذهلونا بتجارب مثيرة للاهتمام، في شكل مكثف.
وأكد أن جائزة الشارقة للتأليف المسرحي المدرسي، هي جائزة مهمة، برصدها أفكاراً جديدة، وأسلوب طرح هذه الأفكار داخل المجتمع المدرسي، وتطويرها، ومن المهم استمراها، مقترحاً «أن يتم تنظيم مسابقات على مستوى الإدارات التعليمية، يتأهل منها النصوص الفائزة إلى المسابقة الكبيرة، مع الأخذ في الاعتبار المشاركين الذين لم يحالفهم الحظ في الفوز، بتنظيم حلقات نقاشية لتوجيهم، حتى تكون أفكارهم أكثر وضوحاً في الاشتغال على النص في المرات القادمة».
وأوضح الفنان الإماراتي أن اتساع المسابقة جغرافياً على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، لا تسهم في تطوير المسرح في الدولة فقط، ولكن علاقة التأثير والتأثر بين الأعمال الأدبية في الخليج، تسهم في تطوير محيطك الجغرافي، واتساع أفكارك ومداركك بنصوص وأفكار حديثة تنتمي لك.
ويُنهي عبدالله مسعود، حديثه بنصيحة للشباب المشتغلين في المسرح بالتركيز على العمل بجدية، وعدم الوقوف عند نقطة معينة، «فأخذ التجربة والذهاب بها بعيداً، والاشتغال بصبر وبعدها سنرى نتاج عملنا»، مشيراُ إلى أن الدعم المباشر من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة للحركة المسرحية والثقافية، يشعر المشتغلين بها بالحرج ويدفعهم لتقديم أكثر من المطلوب.

جمهور واعٍ
ويتفق الفنان الإماراتي سعيد سالم، مع مسعود في أن مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي يؤسس لجمهور واعي للمسرح، موضحاً «لن يصبح كل الطلاب ممثلين أو مشتغلين بالمسرح، ولكني أؤسس لجمهور يتثقف ثقافة مسرحية، بفضل دعم صاحب السمو حاكم الشارقة، لتأسيس مسرح قوي وحاضر على الساحة المحلية والعالمية».
ويشير سالم إلى أن صاحب السمو حاكم الشارقة، وصل دعمه إلى الجمهور العادي للمسرح، «نحن كمسرحيين ندرك أن هذا الرجل هو الداعم الأول والأخير في كل شيء، وبجميع الدول العربية وهذا شيء نفتخر ونعتز به جميعاً».
وأكد أن جائزة الشارقة للتأليف المسرحي المدرسي تُمكن المعلم والطالب من العمل كأسرة، لأن الوقت الذي يقضيه الطالب بالمدرسة يوازي وقته بالبيت، وبالتالي فإن هناك فرصة أكبر لمناقشته في قناعاته وكتاباته والتدقيق على الفكرة، مشيراً إلى أن الجمهور الكويتي تأسس في المدارس، «وأنا مع مسرحة المناهج، لأن الأنشطة الكشفية في المدارس تساعدنا في أمور كثيرة».
ووجه الفنان الإماراتي سعيد سالم نصيحته للشباب بالقراءة وتثقيف أنفسهم، مشيراً إلى أن الموهبة بدون ثقافة تفقد نصف قيمتها، وصاحب السمو حاكم الشارقة وفر مكتبة لكل بيت، فلا تتركون الكتاب زينة في المكتبة.

المسرح.. حياة
ومن جانبه، يرى المخرج المسرحي الإماراتي محمد حاجي، أن مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي، من أهم المهرجانات في الدولة، معتبراً أن كبار الفنانين في الوطن العربي تأسسوا مسرحياً في المدرسة، فهو من الأساسيات في خدمة الساحة المسرحية الإماراتية ورفدها بدماء جديدة في كل مناطق الدولة.
ويشير حاجي إلى أن تطور الحركة المسرحية في الشارقة جاء بدعم سخي مادياً ومعنوياً من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، للمسرح على مستواه المحلي، والإقليمي، والدولي.
وشدد على أن المسرح هو الأساس لفتح أفق الحياة للطلاب المشاركين، وعلى مستوى المدرسة هو المساحة الأولى لإظهار إبداعات الطلاب، سواء في مجال التأليف أو الإخراج أو تكوين مشهد تراجيدي أو كوميدي، والاستفادة من تعاقب الأجيال ونصائح كبار المسرحين لهم، مضيفاً «أنا أقول لهم إن المسرح يتسع ما اتسعت الحياة، وهذه المهرجانات هي تواصل ثقافي وفكري لابد منه».
واختتم المخرج المسرحي الإماراتي محمد حاجي، حديثه «إذا بقيت 20 عاماً تحضر ورشاً مسرحية سوف تكتشف الجديد في كل مرة، فلا تستعجل أن تكون نجماً، اقرأ كتباً، واحضر مهرجانات كثيرة، حتى تصقل موهبتك.. فالمسرح هو الحياة».

درس شامل
الفنان حميد سمبيج انطلق من تحديد المسرح المدرسي بأنه المسرح الذي يجري في بيئة محددة بالمنهج المدرسي والبيئة الطلابية وما يرتبط بها من سلوكيات، بقصد المساهمة في التأهيل التربوي لهم، ولا يقصد منه تخريج فنانين مسرحيين، بقدر ما يقصد منه أن يخرج الإنسان السوي الصالح في كل مجالات الحياة، ويؤهل الطلاب لأن يكون منهم المثقف والشاعر والخبير والمهندس والوزير والقائد والمعلم والتاجر والطبيب وغيرها من الوظائف والأعمال الحيوية التي تحتاج إلى أناس أسوياء متزنين ومواطنين صالحين مخلصين هدفهم البناء والتنمية وبث الخير والسلام في المجتمع.
ويضيف سمبيج أن ممارسة المسرح المدرسي وانخراط الطلاب فيه يجعل الطالب حاضراً مشاركاً فاعلاً في كل الأنشطة، ويذهب عنه الخجل والخوف والتردد، ويحفزه للعمل والاجتهاد، ويغرس في ذهنه التفكير ويجعله خطيباً وصاحب مبادرة قوي النفس، قادراً على مواجهة الظروف المختلفة والتعامل معها بوعي وحنكة، وينمي قدراته الذوقية في اللون والموسيقى والصوت، وينمي قواه البدنية، فالمسرح درس شامل مهم مكمل لدروس المنهج الأخرى، ومساعد عليها.
وبارك حميد سمبيج للطلاب قرار الوزارة بدمج درس المسرح ضمن المقرر الدراسي، معتبراً إياها خطوة نحو الأمام جاءت نتيجة لجهود بذلها المسرحيون والمجتمع التربوي، ولفت حميد سمبيج إلى الدور الذي لعبه مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي على مدى السنوات الماضية في خلق ظروف مواتية لتنمية القدرات الطلابية والمواهب في كل تلك المجالات السابقة الذكر، فقد أصبح هذا المهرجان حاضنة سنوية تهفو إليها نفوس الطلاب وتتسابق المدارس للمشاركة فيها لإبراز مواهب طلابها، ما أحدث وعياً طلابياً وساهم مساهمة أكيدة في تحفيزهم على التحصيل الدراسي وتطوير القدرات الذاتية، مشيراً إلى أن كل ذلك لم يأت من فراغ وإنما كان بتوجيه حكيم ودائم من صاحب السمو حاكم الشارقة الذي يدرك أن المسرح يبدأ من المدرسة، من بيئة الطلاب، فهناك ينطلق دوره الأساسي بتخريج قاعدة من المواطنين الصالحين لتحمل المسؤولية في الغد، وكذلك تأهيل طائفة من المواهب المسرحية القادرة على صناعة الإبداع.

عروض وجوائز
كانت انطلاقة مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي في 2011، وتنافست المدارس المشاركة على 53 جائزة.
وفي الدورة الثانية 2011 شارك في التصفيات النهائية للمهرجان 32 عرضاً مسرحياً من 34 مدرسة من إمارة الشارقة والمدن التابعة لها، أما في الدورة الثالثة فشاركت فيه 17 مدرسة وصلت إلى التصفيات النهاية من أصل 56 مدرسة، وفي الدورة الرابعة شاركت 18، وبدورها شهدت الدورة الخامسة اشتراك ثمانية عشر عرضاً مسرحياً لمدارس من مدينة الشارقة والمنطقة الوسطى والشرقية تنافست على جوائز المهرجان الثلاث والخمسين.
فازت 6 عروض بجائزة العرض المتكامل في ختام الدورة السادسة من مهرجان «الشارقة للمسرح المدرسي»، وفي الدورة السابعة فازت بجوائز العرض المتكامل ستة عروض تمثل مدارس البنات والبنين في الحلقات الثلاث.
وقد اشترك في الدورة الثامنة 18 عرضاً مسرحياً مدرسياً وتنافست على الجوائز التي بلغ مجموع جوائزها 53، وذهبت الجائزة في فئة « الحلقة الأولى ـ بنات» إلى مدرسة الرويضة عن عرضها الموسوم «طيف»، وعن فئة «الحلقة ـ بنين» ظفر بالجائزة عرض «أنا والصياد» لمدرسة الأرقم، وفي فئة «الحلقة الثانية ـ بنات» فازت بالجائزة مسرحية «شموسة والأقزام السبعة» لمدرسة النوف، أما في مجال البنين فلقد ذهبت الجائزة إلى عرض «العقل الهارب» لمدرسة علي بن أبي طالب. وفي فئة «المرحلة الثالثة ـ بنين» فاز بالجائزة عرض «الرجل الذي عاداه ظله» لمدرسة المحمود، وفي الفئة ذاتها بنات، استحق الجائزة عرض «كونشرتو» لمدرسة رقية للتعليم الثانوي، وتوزعت الجوائز الأخرى على مختلف المدارس المشاركة.
وتقام الدورة التاسعة من مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي في شهر مايو المقبل.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©