7 يناير 2010 22:36
في حوار يجمع رشا مع إخوتها، وبينما النقاش بدأ على أشده، توقفت رشا عن الحديث وعيناها محدقتان ناحية التلفزيون وهي في خجل، إذ لم تستطع استكمال حديثها وهربت من مكانها، وعندما نظر الجميع إلى الشاشة الصغيرة صمتوا دون التفوه بكلمة واحدة، وعلامات الاستغراب والتعجب واضحة عليهم من هول الإعلان الذي خرج بسرعة البرق، وهو يعلن عن فتاة في غاية السعادة والفرح، تقفز فوق السرير لأنها استعملت «فوطاً صحية».
هذه هي حال الإعلانات على القنوات الفضائية، تعرض بلا حسيب ولا رقيب، فلا يرتاح بال الشركة التي تعلن عن سلعتها إلا بوجود امرأة شبه عارية أو امرأة تظهر مفاتنها لشد الانتباه، ومن دون حياء تقوم ببعض الإيماءات والحركات، وتكاد الصور تركز على الأماكن المثيرة لتحرك غرائز المشاهد، وغالباً ما تدور تلك الإعلانات حول سلعة جديدة لإزالة الشعر من دون ألم، أوعن صابونة تزيل الشحوم والدهون في أماكن الخصر والأرداف والسيقان، أو فوط صحية جديدة، بحيث باتت خصوصيات المرأة مادة إعلانية دسمة تبث يومياً عبر الفضائيات وتظهر خصوصاً في أوقات تجمع العائلة، إما على وجبة الغداء أو العشاء. وما الغاية من ذلك إلا تحريك نزعة الاستهلاك لدى المرأة الأخرى «المتلقية» للإعلان خصوصاً في منتجات التجميل، أو تحريك نزعة الاستهلاك لدى «الرجل» المتلقي لإثارة غرائزه الجنسية.
شعرة الحياء
«أصبحت المرأة الآن هي المروجة لمثل هذه الإعلانات» تقولها ريما شاهين وشرارة الغضب واضحة على وجهها، تتابع: «مع تكرار هذه الإعلانات أعتقد أنها ستنزع شعرة الحياء المتبقية لنا، وما كنا نخجل من تداوله علناً قد يصبح حديث مجالس الكبار والصغار».
عن التصدي لهذه الظاهرة، تقول: «أصبحنا كأسرة نتصدى لهذه الإعلانات التي تتخلل حتى نشرات الأخبار بتغيير القناة ريثما ينتهي الفاصل الإعلاني، ولكنني أتمنى من شركات الدعاية والإعلان أن تراعي المكان والزمان اللذين تذاع فيهما هذه النوعية من الإعلانات، فالعقاقير الجنسية يكفي الإعلان عنها في العيادات الخاصة، بما أنها تحتاج إلى (روشتة) طبية، كما أن الفوط الصحية بالإمكان أن نكتفي بالإعلان عنها في المدارس والتجمعات النسائية».
وتلفت ريما حسين إلى جانب مهم: «لقد استباح الإعلان جسد المرأة وحوَّله إلى سوق مفتوح من خلال هذه الإمبريالية النفسية التي تستطيع أن تستغل وتتلاعب بوعي الإنسان وعواطفه، وتجعله من خلال هذه الإعلانات يشعر بالدونية وعدم الرضا من اقتناء سلعة بعينها، واستطاعت هذه الآلة الإعلانية من خلال الاستثمارات الكبيرة أن تستخدم المرأة للترويج عن خصوصيتها، وكلها إعلانات توحي للمرأة بأنها إن لم تستخدم هذه السلعة فإنها ستكون غير مرغوب فيها، وهذا الأمر اعتبره هو استعماراً للفكر يعادل استعمار الجسد».
طابع السرية
«إننا كمجتمع، نرفض الدخول في خصوصيات المرأة، فمازالت أحاديثنا مع بعضنا البعض تحمل طابع السرية والحياء»، تنتقد هبة الحمادي وتتابع: «الوضع اختلف مع هذه الإعلانات ذات اللقطات الساخنة، التي عادة ما تصاحبها بعض الحركات والتمايل، من أجل إغراء أكبر عدد ممكن من المشاهدين».
تصمت وتضيف الحمادي بانفعال: «أرى أن هذه الإعلانات أمر طبيعي نتيجة احتكاكنا بالمجتمعات الغربية التي تأتي معظم إعلاناتها بالإباحية والخروج عن العادات والتقاليد المتعارف عليها.
إن ما نريده هو التقليل من هذه الإعلانات التي أصبحت لنا مثل وجبة يجب أن نراها كل يوم، حتى بات الطفل الصغير اليوم، يسأل ويستفسر عن ذلك الإعلان ويلح على الإجابة.
تثير العصبية
الرفض والحياء كانا الانطباع الشخصي لفاطمة السعدي (موظفة) التي تتحدث عن هذه الإعلانات بكل وضوح ودون تردد: «مع تكرار هذه الإعلانات واقتحامها لحياتنا، فإن أكثر ما يقلقني حقاً هو أن تداولها أصبح أمراً طبيعياً في كل مكان، بينما المفترض أن تعرض على استحياء وفي قنوات معينة لا تستهدف برامجها كل الأسرة، فهي تخاطب في واقع الأمر غريزة قديمة قدم الدهر لدى الإنسان بأسلوب مبتذل ومكشوف يؤثر سلباً على المجتمع بكل فئاته، وأبسط تأثير غير مباشر لها هو نزع الحياء من النفوس وهذا أمر خطير جداً».
من جهتها، ترفض أمل صقر تماماً مثل هذه الإعلانات وتوضح سبب الرفض: «توجد العديد من الوسائل لمعرفة ما يخص المرأة من منتجات، وإن كان الهدف منها هو إراحتنا وتزويدنا بالمعلومات، فزيارة سريعة لأقرب صيدلية، تمكننا من الحصول على الكثير من تلك المعلومات في خصوصية كاملة، ونشتري بكل سهولة ويسر ما نحتاج إليه وما يناسبنا، من حيث السعر والجودة و(الماركة)، ولكن أن تبث وتعلن على التلفاز هكذا علناً، فهذا المستفز والمنفر والمرفوض رفضاً باتاً».
وتشارك الرأي نفسه سلمى فاخر، فتقول: «لقد أصبحت النماذج النسائية التي يتم تسويقها حاملة لرسالة الجسد بامتياز واحتراف وتتمايل بإيحاءات حتى تتمكن من تسويق السلعة، من خلال دغدغة مشاعر المشاهدين واللعب بغرائزهم المكبوتة. إن ما هو مطلوب منا نحن معشر النساء كما تؤكد سلمى: «ان نرفض مثل هذه المواد الإعلانية التي تبث على مدار اليوم خصوصيات المرأة من دون حياء، كما على المختصين عن القطاع الإعلاني أن يصمموا إعلانات تتناسب مع مجتمعنا الشرقي».
المرأة سلعة
من جانبه، يتساءل جاسم سعيد: «أين الحياء الذي تتصف به مجتمعاتنا؟ وأين حقيبة أسرار المرأة التي أصبحت تعرض الآن على الفضائيات وتطبع على صفحات المجلات النسائية؟».
يسترسل جاسم بحديثه: «هل هذا هو التطور الإعلامي الذي من أجل مواكبة خطوط الموضة، ومجاراة الإعلام الغربي أصبحت المرأة بسببه سلعة مستهلكة ومستهدفة، ومشاعرها وخصوصيتها مادة سهلة تعرض عبر المحطات والفضائيات دون مراعاة لها كامرأة شرقية. لقد استغل المعلنون ضعف المرأة خصوصاً من الناحية الاقتصادية فأغروها بألم لأداء دور الإعلان غير المدروس، وذلك في إطار تجارة ليست ببعيدة عن (تجارة الرقيق الأبيض) لهذا الظهور الفاحش للنساء في الإعلانات، الذي من شأنه زعزعة الاستقرار النفسي للشباب والمراهقين».
ويتفق خليفة يونس مع جاسم، قائلاً: «أتمنى من المعنيين بالإعلانات، أن يصدروا قرارات من أجل منع ظهور مثل هذه المواد الإعلانية التي تتعلق بخصوصية المرأة، كما أنه يجب وضع ضوابط مجتمعية وأخلاقية ودينية لظهور المرأة في الإعلان بما يصون أخلاقيات المجتمع ويحفظ للنساء كرامتهن وإنسانيتهن وسموهن الروحي».
من دون استئذان
بدورها، تؤكد الاستشارية الأسرية والاجتماعية غادة الشيخ أن هذه الإعلانات التي تخلع رداء الحياء أصبحت اليوم تعرض المادة الإعلامية من دون استئذان، حتى أنها أصبحت تقتحم عالم الصغار. تصمت.. وتعترف: «أما ما هو جديد الإعلان، فهو الإثارة أو أسلوب الجذب عبر الإيحاءات الجنسية أو الترويج لمنتجات عند متابعتها من شخص يتوارى خجلاً أو صغار يطرحون الأسئلة التي تستعصي إجابتها».
وغالباً ما تكون تلك الإعلانات، كما توضح الشيخ «تروج لعطر امرأة متبرجة فاتنة أو إعلانات المنشطات الجنسية والفوط النسائية». وعن ردة الفعل المطلوبة حيال هذه المشاهد تقول: «أرى أننا كأفراد لابد لنا من استنكار مثل هذه الأمور قولًا وفعلًا وبيان سلبياتها وتوعية المجتمع عن طريق المؤسسات الاجتماعية مقاطعة الشركات والمنتجات التي تعتمد على هذا الأسلوب الترويجي وعدم مشاهدة إعلاناتها»
المصدر: أبوظبي