علي عبد الرحمن (القاهرة)
لجأ صناع دراما مصرية إلى اقتباس قصص أفلام سينمائية حققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً، ما وضع تلك الأعمال «المعاد تدويرها» في مرمى نيران النقد والمقارنة بينها وبين الأعمال الأصلية. ومع كل إعلان عن عمل «معاد» تثار تساؤلات حول الجديد الذي يمكن أن تضيفه، وهل هو إفلاس فني، أم استثمار لنجاح سابق؟
بين نصين
ومؤخراً عادت القضية إلى الصدارة، عقب إعلان الفنان مصطفى شعبان خوضه السباق الرمضاني بمسلسل «حتى لا يطير الدخان»، عن رائعة الكاتب إحسان عبد القدوس، التي سبق أن قدمت فيلماً في العام 1984.
إلى ذلك، قال السيناريست مصطفى محرم، كاتب سيناريو وحوار الفيلم السينمائي، لـ«الاتحاد»، إن العمل الأدبي «حتى لا يطير الدخان»، لا يصلح لإيقاع الحياة الحديثة السريع، لأن إحسان عبد القدوس كتبها في الستينيات قاصداً بها المشير عبد الحكيم عامر (أحد رجال ثورة يوليو 1952 في مصر. والذي كان صديقاً مقرباً للرئيس الراحل جمال عبد الناصر. تولى منصب القائد العام للقوات المسلحة المصرية ووزير الحربية ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة) ودوره، وتغوله في إدارة شؤون الدولة المصرية. أما عن الرواية وتحويلها إلى فيلم؛ فكشف أنه صاغ أحداثها وصنع شخصيات درامية جديدة تدور في فلك الشخصية الرئيسة للعمل «فهمي عبد الهادي»، وأجاده الفنان عادل إمام ببراعة شديدة.
وحول أداء شعبان الفني بتجسيد الشخصية الرئيسة للعمل، قال محرم إن «إمكاناته الفنية محدودة للغاية وليس بالممثل القوي، عكس الفنان عادل إمام». وأضاف «صحيح أن الرواية الأدبية ليست حكراً، ولكن أحداث الشخصيات الدرامية في الفيلم من وحي خيالي الأدبي، وعلى من يريد إعادة تدويرها خلق شخصيات جديدة وأبعاد درامية أخرى بعيدا عن أحداث الفيلم»، لافتا إلى أن ذلك قد يضع صناع العمل الجديد في مرمى المساءلة القانونية بالتعدي على الحقوق الفكرية والأدبية، غير أنه تريث قائلا «سأنتظر حتى عرض العمل لأحدد موقفي القانوني».
وتدور قصة فيلم «حتى لا يطير الدخان» حول فهمي عبدالهادي الطالب المتفوق، ويسعى إلى تحقيق أحلامه البسيطة بطريقة مثالية، إلا أنه يصطدم بالواقع حينما يفقد أمه وهو يبحث عن تكاليف علاجها، في الوقت الذي يرى فيه زملاءه ومن حوله ينفقون ببذخ ويسخرون من فقره، بل ويرفضون مساعدته لعلاج أمه وهو يعمل لخدمتهم، فيقرر الانتقام من الجميع.
وفي رده على ذلك، قال السيناريست المكلف بكتابة المسلسل مدحت العدل لـ«الاتحاد»، إنه يعكف على كتابة أحداث السيناريو والحوار منذ فترة طويلة، وإنه سيتناول الرواية من خلال أحداث درامية مختلفة تماماً عن أحداث الفيلم.
وأضاف أنه سيقدم شخصيات درامية جديدة وأبعادا زمنية مغايرة تناسب العصر الحالي، لافتا إلى أن رائعة إحسان عبد القدوس تسمح بتقديمها بأكثر من رؤية فنية سواء سينمائية أو درامية أو مسرحية، وعلى المشاهد الانتظار حتى عرض المسلسل، معتبرا أن «الحكم المبكر ظالم جداً».
شروط النجاح
وبعيداً عن «حتى لا يطير الدخان»، قال الناقد الفني طارق الشناوي لـ«الاتحاد»، إن «تحويل الأعمال السينمائية إلى منتج درامي أمر متبع في العالم أجمع، شريطة تطوير الخط الرئيس للأحداث وإلا أصبح استنساخاً باهتاً»، مشيرا إلى أفلام تحولت إلى مسلسلات ولاقت نجاحاً جماهيرياً كبيراً مثل «الطوفان»، فيما لم تكن أخرى بقدر العمل الأساسي مثل مسلسل «العار».
من جهتها، قالت الناقدة ماجدة موريس إن «نظرة سريعة على الأعمال السينمائية التي تم تحويلها إلى دراما تكشف أن أغلبها واجه إفلاساً كبيراً، نتيجة الاقتباس المباشر من دون تجديد»، ضاربة مسلسل «الباطنية» مثالا، حيث أكدت أنه فشل في طرح أحداث جديدة، وجاءت حبكته الدرامية نسخة طبق الأصل من الفيلم الأصلي». وتابعت «على العكس مسلسل «الطوفان»، الذي قُدم للمشاهد بشكل معاصر، وخلق شخصيات جديدة تناسب الأحداث بالتزامن مع الفترة الزمنية المناسبة لوقت عرضه، بالإضافة إلى أن القصة نفسها تتيح التداول الفني بكل أشكاله».
وأضافت أن الأعمال المدارة من السينما إلى التليفزيون أو العكس، لها مواصفات فينة محددة منها، أن يكون العمل الفني قابلا للتدوير، وأن يتضمن الكثير من التفاصيل الفنية التي لم يبرزها العمل الأصلي، وأن يكون كاتب السيناريو والحوار صاحب بصمة واضحة في خلق شخصيات وأحداث درامية جديدة للعمل وإلا أصبح مقتبساً بشكل مباشر.
من جانبه، قال المنتج كريم أبو ذكري لـ«الاتحاد»، إن تلك الظاهرة ليست جديدة على الصناعة الفنية بشكل عام، وأمر متبع، مثلاً السينما الأميركية يعاد تقديم أفلام مر عليها عقدان للسينما مرة أخرى، ولكن بمعايير فنية واضحة منها التطوير في القصة وتناولها قضية مناسبة للعصر الحالي.
وعلى الصعيد العربي، كشف عن أن أغلب المنتجين يريدون جني الأرباح بشكل مضمون عن طريق إعادة تدوير عمل سينمائي إلى درامي، ظناً منهم أنه سينال النجاح نفسه، وهذا أمر ليس مضمونا.
تجارب ونتائج
من الأعمال السينمائية التي أعيد تدويرها درامياً فيلم «العار» للمؤلف محمود أبو زيد والذي طرح في العام 1982، ولعب بطولته الراحلان نور الشريف ومحمود عبد العزيز، وحقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً، وحصد جوائز، ثم أعاد نجل مؤلف الفيلم أحمد محمود أبو زيد تدويره درامياً في العام 2010، وشارك في بطولته مصطفى شعبان وأحمد رزق، غير أن المسلسل لم يحقق النجاح الجماهيري الذي حققه الفيلم، بل إنه تعرض إلى انتقادات على المستويين الفني والجماهيري.
وفي العام 2016، أعاد المؤلف أحمد أبو زيد الكرّة بتدوير فيلم «الكيف»، الذي صنف من أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، إلى مسلسل لعب بطولته باسم سمرة وأحمد رزق وأخرجه محمد النقلي، ومجددا واجه انتقادات سلبية لفشل أبطاله في توصيل الأحداث بشكل مقنع إلى المشاهدين. وشكل مسلسل «الطوفان»، الذي عرض في العام 2017، ولعب بطولته ماجد المصري ووفاء عامر، حالة خاصة حين حقق نجاحاً جماهيرياً تفوق على الفيلم الذي لعب بطولته الراحل فاروق الفيشاوي والذي طرح في العام 1985، واتفق نقاد على أنه من أفضل الأعمال الدرامية التي تم تدويرها من السينما، ولاقت نجاحاً لأسباب منها تطوير أحداث القصة، وإجادة أبطال العمل لأدوارهم.
وفي العام نفسه قدم السيناريست مسلسل «لا تطفئ الشمس» بطولة ميرفت أمين ومحمد ممدوح، وحقق نجاحاً جماهيرياً، عكس الفيلم الذي طرح في العام 1961، للراحلة فاتن حمامة، والمأخوذ عن رواية لإحسان عبد القدوس تحمل الاسم نفسه.
موقف «الزعيم»
اتخذ الزعيم عادل إمام، صاحب شخصية فهمي عبد الهادي في فيلم «حتى لا يطير الدخان»، موقفاً حيادياً، حيث قال لـ«الاتحاد» إن الأعمال الأدبية العظيمة ليست حكراً على أحد، وكل مبدع حر فيما يقدمه للجمهور من فن طالما يرتقي بالذوق العام للجمهور، معتبراً أن إعادة تجسيد الرواية على شكل مسلسل يثري المشهد الفني العربي. وأضاف أن مصطفى شعبان الذي سيجسد الدور نفسه «يتمتع بمهارات فنية رفيعة»، متمنياً النجاح لأسرة العمل. من جهته، حسم شعبان الجدل، وقال لـ«الاتحاد» إنه «لا يمكن المقارنة بين العملين قبل مشاهدة المنتج النهائي»، مشيداً بموقف عادل إمام، الذي يأتي منسجماً مع سيرة فنان كبير بحجمه اعتاد تشجيع زملائه.
«الباطنية».. نجاح على كل الجبهات
نجح فيلم «الباطنية»، الذي طرح في العام 1980، لنادية الجندي والمؤلف مصطفى محرم، وصنف من أهم 100 فيلم بتاريخ السينما المصرية، ثم أعيد تدويره في العام 2009، بمسلسل للفنان صلاح السعدني وحقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً. وأكد كاتب العملين مصطفى محرم أن الفيلم نجح بسبب مناقشته قضية مهمة في تلك المرحلة الزمنية وهي المخدرات وتأثيرها على المجتمع، لافتاً إلى أن «العمل الدرامي حقق نجاحا أيضاً لأنه حرص على كتابة أحداث المسلسل من حيث انتهت قصة الفيلم، إلى جانب أن الحبكة الدرامية للعمل أتاحت إظهار قدرات أبطاله الفنية، حتى أن المشاهد لم يلحظ أن أحداثه مقتبسة عن الفيلم نفسه».