على مسرح شاطئ الراحة في أبوظبي انطلقت مساء الثلاثاء الماضي فعاليات الحلقة السادسة من برنامج “شاعر المليون”، بمشاركة آخر المشتركين الثمانية في المرحلة الأولى، وهم، الكويتيان خالد الهبيدة العازمي وماجد لفي الديحاني، والسعوديان عاطف الحربي وغازي المغيليث العتيبي، والبحريني عبدالرحمن خالد المدفع، والعماني فيصل الفارسي الجنيبي، والإماراتي محمد أحمد بالعلا الحارثي، والأردني مدالله سليمان الحويطي.
مع انطلاق الأمسية رحب المذيعان حسين العامري وحصة الفلاسي بأعضاء لجنة التحكيم د. غسان الحسن، سلطان العميمي، حمد السعيد، ثم تم عرض تقرير عن الحلقة الماضية من المسابقة وعن الشعراء الستة الذين كانوا في انتظار التصويت الذي منح الفوز لكل من مشعل دهيّم من السعودية بدرجات وصلت إلى 67%، وحمود بن قمرا المري الذي حصل على 61%، فيما غادر الشعراء الأربعة الباقون المسابقة، على أمل أن يكون النجاح حليفهم في القادم.
شاعر محترف
بدأ الأمسية الشاعر خالد الهبيدة العازمي من الكويت، بقصيدة متميزة، قال عنها عضو لجنة التحكيم د. غسان الحسن، إنها غاية في الجمال، وكتلة من التصوير الشعري، فتميزت بوجود صور ممتدة، إلى جانب وجود صور جزئية في ذات الأبيات، وقد جاء التصوير كثيفاً، وما يميز أبيات النص أنها متماسكة وواضحة من ناحية الموضوع ومن الناحية الفنية كذلك، سيما وأن الشاعر اختار قافية “العين” الصعبة التي تتطلب سعة في المفردات، مشيراً إلى أن حرف العين هو من الحروف النُّفَّر التي يبتعد عنه الشعراء.
ومن جهته أثنى سلطان العميمي على الشاعر وعلى نصه بالقول: بداية هذا المساء مسك، فالقصيدة مكتوبة بحرفنة، وفيها تماسك ووعي ونضج، وتبرز قوتها في الصياغات وفي الصور الشعرية المكثفة.
وأشار حمد السعيد إلى ذكاء الشاعر لأن تلك القصيدة هي أول قصيدة عاطفية في هذه الدورة من المسابقة، إذ أن الشعراء الآخرين السابقين كانوا قد ذهبوا إلى موضوعات أخرى غلب عليها موضوع الربيع العربي.
مجنون وجميل
وكان ثاني المشتركين الشاعر السعودي عاطف بن سعد الحربي والذي ألقى نصه “قبلة الشعر”، وقال عنه سلطان العميمي إنه من النصوص التي لا هي مباشرة، ولا هي غامضة ومتكلفة، فذلك النص متوازن، وهو أمر لا يتيسر لكل الشعراء، ومن الممكن القول إن المطلع مجنون وجميل، وثمة ذكاء في صياغة الفكرة التقليدية، حيث أوجد الشاعر نفسه في كل عنصر من عناصر النص، وهو ما أعطاه التميز.
أما حمد السعيد أكد من خلال رأيه أن الشاعر تخلى عن أسلوبه الحداثي والرمزي الذي عرفته اللجنة به، وذهب إلى أسلوب أروع وأجمل، فكتب شعراً نقياً، وبأسلوب منفرد حتى وإن كان الموضوع تقليدياً، ولفت السعيد إلى البحر الذي اعتمده الشاعر، فهو خاص بالمحاورة، حيث استخدام بحراً أطول من الهجيني.
«وقفة خليج عظيم»
ثم القى الشاعر البحريني عبدالرحمن المدفع قصيدته “وقفة خليج عظيم”، والتي قال حمد السعيد عن قائلها إنه شاعر متميز، أما النص فقد كان بمثابة رد جميل للبحرين ولأبناء الخليج. في حين رأى د. غسان أن القصيدة جميلة جداً، وتنم عن وجود أناس وشباب قلوبهم على البلد، وفي النص تحسس الشاعر الألم في البحرين، وهو الذي ذهب إلى أسباب ذلك، وإلى كيفية العلاج سواء بالرأي أو بالتطبيق، كما حمل النص أطروحات حماسية. فيما رأى سلطان العميمي أن القصيدة جميلة، وفيها توازن، حيث لم يطغَ الموضوع على الشاعرية، كما في النص إضاءات وإشراقات جميلة.
ثقافة شاعر
أما الشاعر السعودي غازي المغيليث العتيبي فألقى نصاً قال عنه د. غسان إنه جميل، وفيه من المعاني ما يملأ صفحات، وهذا ما أكده حمد السعيد، مشيراً إلى تميز الشاعر ذلك المساء، فالنص يبرز ذات الشاعر وإنسانيته، كما تتضح وحدة النص، فالقصيدة تعطي انطباعاً عن المخزون اللغوي، فيما انعكست ثقافة الشاعر في عدة أبيات ويرى السعيد أن كل بيت من الأبيات قصيدة.
والشاعر غازي المغيليث العتيبي حسب د. بوهنّاد كان حضوره جيداً مع أن الضغط النفسي بدا عليه، لكن إلقاءه دل على الثقة بالنفس، وعلى حب المنافسة، وتمثلت مشكلته في تعبيرات الوجه التي كانت جامدة، أما حركات الرأس فكانت تدل على الترقب، وعلى القلق الداخلي.
نص شامخ
“رسالة” الشاعر العماني فيصل الفارسي الجنيبي حملت في مضمونها العلاقة التي تربط بين سلطنة عُمان والإمارات، وقال في أبياتها الأربعة الأولى:
سمحان طالع من جِدى عمان مرسال
ينصى حفيت اللي تزايد حنينه
من كثر ما شوقه على الصدر ينهال
تسمع ورا تقويس ضلعه ونينه
وفي كناية عن المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيّب الله ثراه -، قال الشاعر:
شيخٍ يغلّف روحه لبسمة أطفال
لجل اليتيم يقول تسلم يمينه
ومما قاله سلطان العميمي: إن القصيدة بموضوعها جاءت متماسكة، وقد حفلت بصور شعرية مميزة، كما توجد فيها خصوصية ودلالات تاريخية ومكانية وأسماء أعلام تجمع بين البلدين، ولهذا فإن من يسمعها أو يقرأها يعرف بأن كاتبها عماني وبأن المقصود هو الإمارات.
وبالنسبة لحمد السعيد فقال: كان فيصل هو بطل الشعر في تلك الأمسية، إذ تكامل الشعر مع الحضور المسرحي لذلك الشاعر الذكي الذي يمتلك روحاً وطنية ساهمت في إنجاب نص شامخ ذي طعم جميل، وما يؤكد وحدة البلدين. أما د. غسان الحسن صنف الشاعر بأنه كان ملتزماً في نصه الذي يحمل رسالة واضحة عن وحدة البلدين والشعبين، حيث تميزت صنعة الشاعر في الذهاب إلى تشكيل صورة تدل على تلك الوحدة، وكان ذلك جزءاً من جماليات النص.
أم المؤمنين
الشاعر الكويتي ماجد لفى الديحاني المطيري ذهب إلى نص لم يذهب إليه شعراء “شاعر المليون”، ويدور موضوعه حول السيدة عائشة أم المؤمنين، وقد اعتبر حمد السعيد النص شامخاً لأنه بمثابة رسالة ذات موضوع مغاير نحن بحاجة إليه، رداً على التيار الصفوي الذي يحاول تشويه صورة أم المؤمنين، وبالتالي فإن النص يليق بمنبر شاعر المليون، فيما تدل بداية النص الجميلة على حضور الشاعر وعلى شاعريته.
ومن جهته رأى د. غسان أن القصيدة انقسمت إلى قسمين، القسم الأول حلق في الشاعرية، والقسم الثاني جسد الفكرة من خلال الإحاطة بالموضوع، وبأخلاق أم المؤمنين، وبوظيفتها الاجتماعية في الإسلام، فأحسن الشاعر في اختيار المعاني والأساليب البلاغية.
ومما قاله سلطان العميمي إن أمسية البارحة كانت بموضوعاتها متميزة ومهمة، شأنها في ذلك شأن قصيدة ماجد المتميزة في بنائها وفي الشاعرية التي لم تغب عنها، وهي التي جاءت متوازنة مع الصور الشعرية الجميلة جداً.
ترصيع الذات
الشاعر الإماراتي، وأحد طلبة أكاديمية الشعر محمد أحمد بالعلا الحارثي، ألقى نص “سمو الذات” الذي جاء في مطلعه:
يا فرصة الحاضر وحلم الأمس في ليلي الطويل شرعت لك صدر الطموح اللي طرق باب السحاب
وهزيت لك جذع الأماني في شواهيق النخيل أنوي من ثمار القوافي اليانعة قوت وزهاب
وقد أشار د. الحسن إلى أن موضوع النص مطروق، لكنه جاء بثوب جديد، كما جاء مجمّلاً ومرصعاً بفنون البلاغة، وقد تميزت فيه عدة أبيات التي تضمّنت مفردة من آية قرآنية من أجل تجميل المعنى.
ثم أشاد العميمي بحضور الحارثي الجميل على المسرح، مؤكداً أن المسابقة تعطي فرصة عادلة للجميع، وحول القصيدة قال: إنها متميزة، حيث خلط الشاعر بين موقع المسابقة في ذاته وبين من لم يفز من الشعراء، وجاء النص كتلة واحدة بصور متميزة.
ريفية وبدوية
مدالله سليمان الحويطي من الأردن كان آخر شعراء الأمسية، وهو الذي ألقى قصيدة “رمضا التجاهل”، وفي تلك القصيدة انتقل الشاعر من موضوع إلى آخر حسب رأي سلطان العميمي لكن الانتقال كان موفقاً، فيما حمل النص صوراً شعرية تؤكد على شاعرية الشاعر الذي جاء بمفردات خاصة ببيئته، وهو الأمر الذي نوّه إليه حمد السعيد، كما أشار إلى أن الشاعر جمع بين البيئتين الريفية والبدوية اللتين ينتمي إليهما، ورأى السعيد صوراً جميلة في النص.
وختام الآراء النقدية وجهها د. غسان الذي قال: إن القصيدة جميلة بصورها وبصياغاتها وبلغتها، وقد تمثل الجمال وبانت الروعة.
ختام وتأهل
مع ختام الحلقة أعلن المذيعان حسين العامري وحصة الفلاسي عن نتائج الشعراء المتنافسين، حيث فاز الشاعر السعودي غازي المغيليث العتيبي بالدرجة 49 التي منحته إياها لجنة التحكيم، فيما منحت الشاعر الكويتي خالد الهبيدة العازمي 48 درجة. أما بقية الشعراء فقد حصلوا على درجات أقل، وهي، 47 درجة للشاعر عاطف الحربي، و44 درجة للشاعر عبدالرحمن خالد المدفع، و47 درجة للشاعر فيصل الفارسي، و45 درجة للشاعر ماجد لفي الديحاني، و43 درجة للشاعر محمد أحمد بالعلا الحارثي، و44 درجة للشاعر مدالله سليمان الحويطي، وبالتالي سوف ينتظرون أسبوعاً، ويترقبون تصويت جمهور الشعر لهم.