قيل إن القاضي ابن أبي ليلى كان في مجلس القضاء وعرضت أمامه قضية حضرت فيها سيدتان إحداهما شابة والأخرى عجوز شمطاء· فقالت الصغيرة: أصلح الله القاضي: إني امرأة قد بهرني النفس فهل تأذن لي أن أحسر عن وجهي؟ فقالت العجوز: إنها من أجمل النساء وجهاً وتريد أن تخدع القاضي، فقال القاضي الصغير: إن شددت قناعك فشأنك ووجهك فكشفت عن وجه جميل، وقالت: إن هذه عمتي وأسميها أمي وقد مات أبي وخلف مالاً وخلفني في حجرها فجعلت تمونني وتحسن تدبير المال عليّ حتى بلغت مبلغ النساء فخطبني ابن عمي فزوجتني منه فكان بيني وبينه حب عظيم· ثم إن ابنة لعمتي أدركت وبلغت مبلغ النساء فجعلت عمتي ترغب زوجي فيها حتى خطبها إليها، فقالت عمتي له لست أزوجك ابنتي حتى تجعل عصمة ابنة أخي في يدي ففعل، فزوجته ابنتها وبعثت لي تقول: إن زوجك تزوج من ابنتي وجعل عصمتك في يدي فأنت طالق ألبتة· فحمدت الله على ما ابتلاني· واستطردت تقول: ثم إن زوج عمتي هذه كان مسافراً سفراً طويلاً وعاد وسألني عن أمري فأخبرته فقال لي هل تزوجين نفسك؟ قلت نعم فخطبني فاشترطت عليه أن يجعل أمر زوجته وهي عمتي بيدي فقال وما تصنعين بذلك؟ قلت: أنظر هل أعفو أم أقتص، ففعل فتزوجته وبعثت لعمتي أن زوجك تزوج مني وجعل أمرك بيدي وأنت طالق ألبتة! فضحك القاضي، فقالت له العجوز: لا تضحك، فالباقي أدهى وأمر! وأكملت الشابة تقول: ثم إن زوجي والذي كان زوج عمتي مات فجعلت عمتي تنازعني في ميراثه ولا حق لها فيه وقد مات وهي ليست على ذمته· فأغرت ابن عمي والذي كان زوجي بخصومتي ففعل· قالت فقلت لابن عمي إن الحق لا يستحيا منه أنا أحل لك لأني تزوجت بعدك فرحب، واشترطت أن يجعل أمر زوجته بيدي ففعل، فبعثت لها أنها طالق البتة! فقالت العجوز: أيها القاضي أيحل أن أطلق أنا وابنتي؟ فقال لها القاضي: نعم والتعس والنكس لك، ثم توجه الى الخليفة المنصور فقص عليه الأمر، فضحك حتى اكتفى وقال: أبعد الله العجوز ولا فرّج عنها!
مروءة
لما أراد امرؤ القيس الكندي المضي الى قيصر ملك الروم أودع عند السموأل دروعاً وسلاحاً وأمتعة تساوي من المال جملة كثيرة، فلما مات امرؤ القيس أرسل ملك كندة يطلب الدروع والأسلحة المودعة عند السموأل، فقال السموأل: لا أدفعها إلا لمستحقيها، وأبى أن يدفع إليه منها شيئاً· فعاوده، فأبى وقال: لا أغدر بذمتي ولا أخون أمانتي ولا أترك الوفاء والواجب عليَّ· فقصده ذلك الملك من كندة بمعسكره، فدخل السموأل في حصنه وامتنع به، فحاصره ذلك الملك· وكان ولد السموأل خارج الحصن، فظفر به ذلك الملك، فأخذه أسيراً ثم طاف حول الحصن وصاح بالسموأل، فأشرف عليه من أعلى الحصن، فلما رآه قال له: إن ولدك قد أسرته، وها هو معي، فإن سلمت إليَّ الدروع والسلاح التي لامرئ القيس عندك رحلت عنك وسلمت إليك ولدك، وإن امتنعت من ذلك ذبحت ولدك وأنت تنظر، فاختر أيهما شئت· فقال له السموأل: ما كنت لأخفر ذمامي وأبطل وفائي· فاصنع ما شئت، فذبح ولده وهو ينظر، ثم لما عجز عن الحصن رجع خائباً· واحتسب السموأل ذبح ولده وصبر محافظة على وفائه، فلما جاء الموسم وحضر ورثة امرئ القيس سلم إليهم الدروع والسلاح، ورأى أن حفظه ذمامه ورعاية وفائه أحب إليه من حياة ولده وبقائه، فسارت الأمثال في الوفاء تضرب بالسموأل، وإذا مدحوا أهل الوفاء في الأنام ذكروا السموأل في الأول·