10 فبراير 2012
(القاهرة) - حتى وإن كنت لا أحبه وتزوجته بشكل تقليدي ولم يكن الرجل الذي أتمناه فإنه في النهاية زوجي ووالد أبنائي وله كل حقوق الزوجية، ولن أسمح لأخرى بأن تخطفه مني، بألاعيب النساء وكيدهن، فلم يبق في العمر أكثر مما مضى، وفي كل الأحوال لن أسمح لنفسي بأن أخوض تجربة الزواج مرة أخرى، لذا لم يكن أمامي إلا التخلص من الأفعى الناعمة التي تتسلل لتخرب بيتي، أنا لست شريرة بطبعي ولا معتادة إجرام، وأفر من المشاكل فراري من الأسد، إلا أنني في لحظة وجدت أنني بلا خيار غير العلاج بالبتر لأنه الوحيد الذي يجدي مع حالتي.
لا أستطيع أن أقتلها فمن ناحية لا أقدر عليها لأنها بدينة وقوية البنية، وثانياً لا أستطيع أن أستخدم أي وسيلة قتل أو آلة حادة، لأنني امرأة ضعيفة، بحثت عن الطريقة المناسبة التي تخلصني منها إلى الأبد ومن دون أن تشير أصابع الاتهام إليَّ، أعياني التفكير وفي كل مرّة لا أصل إلى حل، أقضي الليل كله أقلب الأمر على كل جوانبه، وقد خاصمني النوم، الوقت يداهمني والأيام تمر سريعة وأخشى أن أخسر بالضربة القاضية وأجد نفسي أمام الأمر الواقع ملقاة على هامش الحياة أو في طي النسيان أنا وأبنائي الأربعة الصغار.
الشيطان لا يعدم حيلة، فقد وسوس ليّ وجاءني بالفكرة بكل سهولة وبلا عناء، ولأنني أعاني كثرة الفئران في المنزل طلبت من زوجي حلا لها والقضاء عليها، فجاء بالسم في آخر النهار وخلال يومين فقط تخلصت من مشكلة الفئران، وبينما أقلب في الحاجيات المهملة والمخزونة في المنزل، عثرت على البقية الباقية من هذا السم، الآن عثرت على ضالتي المفقودة.
الغريب أنني كنت سعيدة بما وصلت إليه فلم أكن حينها أنظر إلى النتائج أو إلى النهايات، فلا أرى إلا أنني سأتخلص منها وعميت عيناي عمّا دون ذلك، لم يطرأ على بالي شرطة ولا نيابة ولا تحقيقات ولا سجن، فلو أنني تذكرت للحظة ما سيحدث لأطفالي الصغار لتراجعت وفكرت ملياً وما اخترت الإقدام على فعلتي، ولكان القبول بالواقع مع مرارته أهون، غير أن المرأة تفقد عقلها ويطيش فكرها ويصيبها الجنون إذا استشعرت أن أخرى تحاول الاقتراب من زوجها، فما بالك بامرأة ستستولي عليه كله.
وكعادتي دعوتها لتناول الإفطار معي بعد أن توجه أبنائي إلى مدارسهم وزوجي إلى عمله، دسست لها سم الفئران في الطعام، وفور الانتهاء من تناول الطعام، وقبل أن نتناول الشاي، قالت لي إنها تشعر بألم شديد في بطنها، فقلت لها لعله مغص معوي سيزول بعد قليل، وهنا أدركت أن مفعول السم قد بدأ، ثم تزايد الألم وهي تتلوى أمامي، لحظات طويلة وهي تنكفئ على وجهها وتكاد تضرب رأسها في الحائط من شدة الألم، كانت تصف حالتها كأن سكاكين تقطع أمعاءها، ادعيت أنني أعد لها مشروباً مهدئاً، ثم طلبت مني أن استدعي الإسعاف لإنقاذها، وأوهمتها بأنني اتصلت وسيصلون خلال دقائق، أغلقت عليها باب الغرفة حتى لا يسمع الجيران صراخها وصوتها الذي ارتفع، وأنا أتعجل الثواني للخلاص منها وإزهاق روحها، وأخشى أن تنجو فأخسر كل شيء، وبعد حوالي ما يقرب من عشرين دقيقة خرجت من فمها رغاوى مثل الفقاقيع الملونة وأحدثت شخيراً طويلاً متقطعاً وسكنت جثة هامدة، لقد حققت النصر وتخلصت من العقبة التي كانت تكدر صفو حياتي.
باب مسكنها مواجه لباب مسكني مباشرة ونقيم في الطابق الأول من البناية المتواضعة، لا أحد من السكان في هذا الوقت يكون متواجداً، فكان من اليسير عليَّ أن أجرها إلى شقتها وإن كنت عانيت من ثقلها، لكنني فعلت ذلك بقوة غريبة لم أعهدها في نفسي من قبل، ألقيت بها في الصالة وأغلقت الباب خلفي، عدت إلى بيتي وأنا أتخيل أنه سيتم كل ما أردت وكما خططت، وأن هذه هي لحظة الراحة والتخلص من الهم والحمل الثقيل الذي كان يثقل كاهلي ويقض مضجعي، سيكون زوجي لي وحدي أنا وأبنائي، كنت تائهة بين الحزن والسعادة، بين الأمل والألم، بين ما أريد وما فعلت، وأحاول أن أجد لنفسي المبررات كي أقتنع بأن ما فعلته هو الصواب.
ما حدث بعد ذلك كان مغايراً ومختلفاً عن كل توقعاتي، اكتشفت أنني غاية في السذاجة، أكثر من ذي قبل، فعندما عثر على جارتي جثة هامدة وتم إبلاغ مفتش الصحة لاستخراج تصريح بالدفن، لم يكن صعباً أن يكتشف أن الوفاة جنائية، وأنها بسبب السم، ويتم التحقيق، وافترضت الشرطة في البداية أن تكون هي نفسها تناولته عمداً أو خطأ، أو تناولت طعاماً مسموماً، لكن لم يعثر في منزلها على أثر لهذا، واتجهت التحقيقات إلى وجهة أخرى بالبحث عن الفاعل، ولم تكن البداية إلا بي ومن عندي، فالمعروف أن هُناك خلافات بيني وبينها، وتم تفتيش بيتي وعثروا على بقية السم، لم يكن أمامي سبيل للإنكار أو المراوغة واعترفت بكافة التفاصيل، ولا ألومن إلا نفسي من البداية إلى النهاية.
منذ تزوجت وأنا أقيم هنا في هذا المسكن مع زوجي الذي تقدم لي ولم يكن بيننا سابق معرفة، وتم الزواج بسرعة بما هو أقرب للخلاص مني فقد كنت أختاً لسبعة حملهم ثقيل على أب فقير، ولم تكن حالي أفضل بعد ذلك، لأني اكتشفت أن زوجي سيئ الطباع، يدخن بشراهة ويتعاطى المخدرات، ولم يسمح لي بمناقشته في هذه الأمور من منطلق أنه الرجل وأنه حر فيما يفعل وليس من حقي أن أتفوه ولو بكلمة واحدة في هذا الموضوع بعد ذلك وإلا فلا عقاب لي إلا الطلاق، فجعلني أصاب بالخرس وأقبل الواقع المر لأنني لا أريد أن أعود إلى بيت أبي مطلقة، وحتى بعد أن رزقت بأطفالي واحداً تلو الآخر لم تتغير سلوكياته أو طباعه، رغم أننا بحاجة ماسة إلى تلك الأموال التي يحرقها من أجل منخاره، ونعيش في احتياج دائم.
كنت أعيش في معزل عن الناس لأنني لا أحب الاختلاط مع الجيران، وعلى ذلك تربيت، حتى بعد أن جاءت جارتي هذه للإقامة في الشقة المقابلة، لم أتعامل معها، لدرجة أنني أحياناً لم أكن أبادلها التحية، وذلك فقط لكي أتجنب مشاكل الجيرة المعتادة، إلا أنها بعد عدة أشهر بدأت تتقرب إليَّ وتتودد، وتدعوني لتناول الإفطار لأنني أكون في الضحى وحيدة بعد أن يتوجه أبنائي إلى مدارسهم وزوجها إلى عمله، فهو سائق سيارة أجرة، ومعظم وقته خارج البيت، وهي لم تنجب بعد فتقضي معي النهار كله وبعض الليل، وتساعدني أحياناً في طهو الطعام أو غسل الملابس أو تنظيف البيت، ويكون من الطبيعي أن تتناول معنا الغداء أنا وأسرتي، وتتناول أطراف الحديث مع زوجي، لكن مع مرور الأيام تطور ذلك إلى شكل آخر، فلا مانع عندها من أن تمازحه أو تلعب معه الورق من أجل التسلية، خاصة عندما أكون مشغولة في شؤون المنزل، وفي البداية كان ذلك عادياً إلا أنه كان يثير غيرتي.
فجأة حدث أمر جلل، فقد توفى زوجها في حادث بسيارته، وكان من الواجب أن أقف بجوارها في مصابها، فلا أتركها وحدها مع أحزانها، فهي ما زالت شابة في العشرينيات من عمرها وقد أصبحت أرملة تتشح بالسواد، فكنت أصر على أن تقضي وقتها كله معي وأن تتناول كل الوجبات معنا وأسري عنها إلى أن نجحت في إخراجها من الحالة السيئة التي كانت تعيشها وتسيطر عليها، وهذا الوضع أتاح لها بعد عدة أشهر أن تقضي أطول وقت مع زوجي إلا أنني لاحظت تغيراً في علاقتهما هي أقرب من ذي قبل يتعامل معها بتودد، ولا مانع من أن يداعبها ولا ترفض مغازلته، وتلك سلوكيات لا تجوز من أرملة شابة، وأيضاً جميلة.
بدأت الشكوك تساورني، فأسترق السمع إلى حديثهما الهامس عندما أكون في المطبخ أو مشغولة في أي عمل بالبيت، وتأكدت أن شيئاً ما بينهما يدور في الخفاء إلى أن علمت أنهما يعتزمان الزواج، وكي أقطع الشك باليقين واجهت زوجي، وبكل بجاحة أكد صحة ذلك، وحتى عندما هددته بترك المنزل، قال: “الباب يتسع لجمل ويكون من الأفضل أن ترحلي”، هنا فقدت عقلي، وجن جنوني، وأيقنت أن هذه معركتي ولن يخوضها أحد سواي، صحيح أني لا أحبه، لكن لم أقبل الهزيمة وجرح الكرامة والتفريط فيه بسهولة، فالأمر قد دخل مرحلة التحدي ولن أرتضي المذلة والمهانة، وامتلأت غيظاً وأنا ألوم نفسي، حقاً اتق شر من أحسنت إليه، النار تأكلني وهو يبيعني رخيصة وهي تستولي عليه عنوة وتغتصب حقي، قد أكون ساهمت في الوصول إلى هذا الوضع، إلا أنني شقيت بحسن ظني، ولم أحسب حساباً إلى أنني أضع النار بجوار البنزين.. تخلصت منها، وندمت على تشرد أبنائي ودخولي السجن، لكني لست نادمة على موتها فهي تستحق أكثر.