16 ابريل 2009 22:48
تتميز التقاليد والعادات المغربية بغناها وتنوعها فهناك عادات وقيم وطرق لن يصدق كثيرون أنها لا تزال تمارس حتى اليوم من قبل فئات عريضة من المجتمع حيث يحرص المغاربة على تقاليدهم التي نتجت بفعل اختلاط الثقافة العربية والأمازيغية والأندلسية والافريقية رغم تأثرهم بالحداثة والثقافة الأوروبية. وتعتبر العادات والتقاليد المغربية أكثر ما يغري السياح ويدفعهم لزيارة المغرب فكل منطقة مغربية تنفرد بعاداتها وتقاليدها التي تمارس في طقوس احتفالية وأشكالا ومظاهر غريبة.
وتحفل الحياة الاجتماعية في المغرب بتقاليد وطقوس عريقة منها العادات والتقاليد المشرقية وأعراف اليهود المغاربة وطقوس أهل الصحراء، وعادات شعوب حوض البحر المتوسط وطقوس الفلاحين في جبال الأطلس، والتقاليد والعادات المخزنية وهي التي اكتسبها المغاربة خلال فترة الاستعمار. ومن العادات القديمة التي مازالت مرعية حتى اليوم الامتناع عن كنس البيت بعد سفر شخص عزيز خوفا من وقوع مكروه له، بل يصل الأمر عند بعض الأسر إلى عدم ذكر اسم المكنسة واخفائها بعيدا عن الأنظار حتى لا تستعمل سهوا.
وحين ترزق العائلة بولد تطلق النسوة ثلاث زغاريد لإعلام الجيران بأن المولود ذكر بينما يكون من نصيب البنت زغرودة واحدة فقط، ولا تزال المغربيات يحرصن على هذه العادة ليس فقط للاحتفال بالمولد الذكر وتفضيله على الأنثى ولكن هذه الطريقة مناسبة لاعلام المحيطين بجنس المولود حيث لم يعد المدعوون لحفل العقيقة في حاجة للسؤال عن جنس المولود بعد عدِّ زغاريد النسوة التي تطلق بين الفينة والأخرى ثلاث مرات متتالية للذكر ومرة واحدة للأنثى.
ومن العادات الغريبة أيضا في المغرب تراشق الناس بالماء في أيام عاشوراء حيث يتبارى سكان المناطق الشعبية على وجه الخصوص لصب المياه على المارة في الشوارع ويسمون هذه العادة بـ»تزمزيم» نسبة لمياه زمزم، ويعود أصل هذا التقليد الى إن المغربيات كن يقمن في الماضي بالاستحمام باكرا بالماء البارد في يوم عاشوراء أملا في أن يحمل العام الجديد الخير والسعادة لهن، وكانت الأمهات والحموات يلجأن الى رش بناتهن وزوجات أبنائهن بالماء في حالة عدم استيقاظهن، ثم انتقلت هذه العادة الى خارج البيوت وأصبح صب الماء على المارة واجبا ليتبارك الجميع بمياه هذا اليوم. ومن العادات المقترنة بعاشوراء إيقاد النار في الشوارع والميادين العامة في ليلة العاشر من محرم، وبعد إيقادها يبدأ الناس بالقفز عليها اعتقادا منهم أن ذلك يزيل الشر ويبعده.
من العادات التي تبعث على الدهشة امتناع المغربيات عن تنظيف البيت وغسل الثياب يوم الجمعة، ولا يزال هذا التقليد سار المفعول حتى اليوم ومرد ذلك أن الطقوس اليهودية التي تسربت إلى المجتمع المغربي بحكم التساكن والتجاور الذي عرف بين اليهود المغاربة والمسلمين في المغرب عبر التاريخ.
كما يحرص المغاربة على عدم زيارة شخص بعد القيام بواجب العزاء اعتقادا منهم أن أقدام المعزين تحمل معها الحزن الى مكان آخر، ويصل الأمر عند بعض المغاربة الى رفض استقبال شخص قادم من مكان العزاء.
كما تكثر في هذا اليوم ممارسة عادات وتقاليد يعتقد المغاربة أنها تبطل أعمال السحر وتطرد الأرواح الشريرة وترد عين الحساد، حيث تنتشر في الأسواق الخاصة التي تقام بمناسبة عاشوراء لبيع لوازم هذا اليوم من بخور وحناء وكحل وفواكه جافة ولعب للأطفال، ممارسات العرافات والمشعوذين الذين يعرضون وصفات وطرق للتخلص من أعمال السحر وجلب الحظ.
وفي الأعراس تظهر عادات غريبة شاعت في المغرب وأصبحت تقليدا أصيلا يحرص عليه الجميع مثل عادة حمل العروس في ليلة زفافها فوق هودج والرقص بها وهي فوقه ثم الطواف المتحرك بها على إيقاع راقص، ويعود أصل هذه العادة التي يطلق المغاربة عليها اسم «العمارية» إلى فترة ما قبل دخول الدين الاسلامي حيث كان الأفارقة يحتفلون بعروسهم بهذه الطريقة وكأنها غنيمة اجتهدوا في الحصول عليها. ولا تزال هذه العادة متأصلة في جميع مناطق المغرب دون استثناء حيث يحرص عليها الفقير والغني رغم أن أغلب المغاربة يجهلون أصولها.
ومن التقاليد التي يحرص المغاربة عليها كثيرا ارتداء الأبيض في العزاء عكس الكثير من الدول التي تعبر عن حزنها بارتداء الأسود، فالأرملة ترتدي الثياب البيضاء بدءا من الجلباب وغطاء رأس وانتهاءً بالجوارب والحذاء، حدادا على زوجها، وتمتد فترة ارتداء الأبيض ليس فقط خلال شهور العدة وإنما لشهور عديدة، وتلتزم الأرملة خلال تلك الشهور بعادات منها الاستحمام وغسل الثياب يومي السبت والثلاثاء فقط، والامتناع عن التزين والنظر الى المرآة والخروج من البيت الا للضرورة القصوى.
وفي العزاء يقوم أهل الميت بإعداد الطعام للمعزين بأنفسهم وتكون الولائم التي تقدم أثناء العزاء مدعاة للتفاخر والتباهي، حيث يحرص المغاربة على تحضير أطباق خاصة بالعزاء مثل الكسكس وتقديم القهوة والزيتون الأسود تعبيرا عن الحزن.
لكن أغرب عادات الحداد في المغرب هي إطلاق الزغاريد حين خروج جنازة الشاب الأعزب إلى مثواه الأخير، حيث يعتقد المغاربة أن جنازة الفتاة أو الشاب اللذين لم يسبق لهما الزواج آخر مناسبة يمكن أن يفرحا خلالها لذلك لابد من استغلالها لإدخال الفرح لقلب المتوفي وعائلته فتُطلق الزغاريد وعبارات الفرح حين خروج موكب الجنازة من البيت الى المقبرة ويتحول العزاء الى عرس.
ومن العادات التي لا تزال متبعة في احتفالات الزفاف بمنطقة الرباط خصوصا عادة كسر بيضة على رأس العروس أملاً في أن تكون المرأة مخصبة كثيرة النسل. وفي البوادي المغربية تقوم عائلة العريس بتقديم طبق وريقات الحناء المجففة وفوقه بيض الدجاج ضمن الهدايا التي تحمل للعروس، حيث تطلي العروس أطرافها بالحناء قبل الدخلة، وفي الصباح تقوم بسلق البيض لتأكله مع العريس أملا في أن تكون حياتهما سعيدة ويرزقا بالذرية.
إلى ذلك، يقول محمد الكتاني باحث اجتماعي وعضو أكاديمية المملكة المغربية إن هذه العادات والتقاليد تشكل جزءاً من الهوية المغربية وتحقق التجانس الاجتماعي داخل إطار ثابت من المؤسسات الاجتماعية كاللغة والعقيدة والقانون. واعتبر أن العادات والتقاليد التي كانت تكرس الفوارق بين الجنسين أو السلطة المطلقة لفئة اجتماعية على أخرى أو تعمق الانغلاق والشعوذة والفكر الخرافي بدأت اليوم تعرف طريقها نحو الزوال. مشيرا الى أن هذا الأمر رهين بالخصوص بالانفتاح المتواصل على الحضارة المعاصرة والجنوح إلى الحداثة والتغيير.
وأوضح الكتاني أن التحديات التي تطرحها العولمة من خلال استفرادها باستثمار الثورة العلمية تستهدف إلغاء الهويات القومية والخصوصيات الثقافية، محذرا من أن ثقافة المغرب بما فيها العادات والتقاليد أصبحت مهددة بمعركة مقنعة بالشعارات والمفاهيم الاستهلاكية التي لا تخلو من التضليل والمغالطة التي تكرس التبعية المطلقة للعولمة الشرسة.
أما عباس الجراري، الباحث والأديب وعضو أكاديمية المغرب، فأكد أن العادات والتقاليد التي عرفها المغرب قبل الإسلام تركت بصمات قوية، مشيرا الى أن الاسلام تعامل مع المرحلة السابقة بمرونة.
وأوضح أن مرحلة الإسلام تعتبر مرحلة صعبة نظرا لوجود عادات مرتبطة بالاعتقادات والأفعال وأخرى مرتبطة بالسلوك والتوجيهات، مستشهدا في ذلك باحتفالات عاشوراء التي تعد مجالا متناقضا لما يضم من طقوس فرح وأخرى تعبر عن الحزن والتي دأب المغاربة على ممارستها رغم إجماع الفقهاء على نفي البعض منها.
واعتبر إدريس العلوي العبدلاوي، باحث في مجال القانون، أن للعادات والتقاليد دورا مهما في إنشاء القاعدة القانونية. وقال إن العرف والعادة تشكل مصادر للقانون وتساهم في تنظيم ضوابط الجماعة وتستجيب لحاجياتها.
وأضاف أن التقاليد العرفية التي تعتبر من أقدم المصادر القانونية بالمجتمعات أضحت بفعل تواترها وشعور المجتمعات بضرورة احترامها مصدرا قانونيا يعتد به عند الحاجة. وطالب بوضع تصور وتقديم اقتراحات وتدابير للمحافظة على التراث والعادات والتي يمكن أن يرجع اليها الباحث والدارس وكل مهتم بهذا المجال والتأمل والاستقصاء في العادات والتقاليد وتأثرها بالفكر المغربي والأوضاع الاجتماعية.
المصدر: الرباط