عصام أبو القاسم (دبا الحصن)
تواصلت مساء أمس الأول فعاليات الدورة الرابعة من مهرجان المسرح الثنائي الذي تقيمه إدارة المسرح بدائرة الثقافة في الشارقة في المركز الثقافي بمدينة دبا الحصن.
وشهد الجمهور في الليلة قبل الأخيرة من المهرجان، المسرحية المصرية «الرجال لهم رؤوس» التي قدمتها فرقة المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة، وهي من تأليف محمود دياب وإخراج سماح السعيد، ومن تمثيل علاء قوقة وإيناس المصري.
وتناول العمل الذي كتب نصه مطلع سبعينيات القرن الماضي، معنى أن يعيش المرء حياته بفاعلية وحيوية، وأن يكون قادراً على نيل حقه حتى يحيا في كرامة وعزة، وذلك من خلال قصة زوجين في العقد الرابع، ارتبطا منذ عشرين سنة ولم ينجبا. ومنذ المشهد الأول نرى الزوجة مشغولة بحياكة قطعة بين يديها، فيما يبحث الزوج بين الأغراض المنزلية التي توزعت فوق الخشبة عن كرت كوتشينة «ولد» ضائع. ويبدو أن العمل أراد لهذا المشهد الافتتاحي أن يبرز الشقة القائمة بين الزوجين، وانفصالهما في عالمين مختلفين رغم جلوسهما في المكان ذاته.
ومع تقدم لحظات العرض، وبينما الرجل منهمكاً في البحث عن ولد الكوتشينة، تسأله المرأة أن يقترب ويجلس إلى جوارها وأن يتحدث معها كما كان يفعل سابقاً، إلا أن الزوج يواصل بحثه وهو يقول إنه لم يعد يتقبل كلام زوجته، فكل همها هو أن تحرضه على أن يثور على رئيسه الذي دأب على ظلمه، لكن الرجل يؤكد أنه يشعر بأن الأمور في عمله على أحسن ما يكون.
وتبدأ الأحداث في التوتر حين يأتي ساعي البريد ويقرع الباب، ويتسلم الزوج المرسول، ويكتشف أنه تابوت ترقد بداخله جثة رجل! ومن هنا، تبدأ السمات الشخصية للزوج في الظهور أكثر، فهو لا يعرف كيف سيتصرف، ويشعر بالذعر، ويدخل في حالة من الهذيان.. فيما الزوجة تحاول أن تجعله يتمالك نفسه. لكنه يعود ويردد بأن كل العالم ضده رغم أنه لم يرتكب في حياته أي جرم، وهو طيب، ولكن بعضهم يسيء فهم طيبته هذه ويتصورها جبناً..إلخ.
وقد أظهر علاء قوقة في أسلوبه الأدائي تمكناً واضحاً، خاصة في إبراز هذا البعد السيكولوجي في شخصية الزوج، موظفاً حركته وإشارات يديه وتعبيرات وجهه، وكذلك نبراته الصوتية، في الانفعال والفعل.
وزاد العمل تعقيداً ودلالةً عندما انتبه الزوج إلى أن جثة الرجل بلا رأس، فبدا له كما لو أن انتباهته هذه ستحدث الفرق؛ فعدم وجود رأس للجثة يجعلها مجهولة، بالتالي لا يمكن محاسبته على قتله رجلاً هو بلا وجه يدل على اسمه وعائلته..! وفيما هو مستغرق في هذا، يقابل تعليقات زوجته المتهكمة ببرود يبرز تصاعد موقفه النفسي، يصل طرد آخر، وحين يفتحه الزوج يجد رأس الجثة مع رسالة اعتذار من المرسل عن سوء التعبئة الذي أدى إلى تأخير إلحاق الرأس بالجثة، ليكتشف الزوج بأن وجه الجثة هو وجهه ذاته!
وبقدر ما يبدو هذا الاكتشاف، كنقطة متقدمة في تأثر الزوج بتعليقات زوجته، فهو يشرع في خطوته الأولى للتبليغ عن الجثة، بقدر ما يُظهر ضياعه في متاهته الوجودية، وفي الندوة النقدية التي تلت تقديم العرض وأدارتها الناقدة المصرية ضحى الورداني، أشادت الإفادات ببلاغة النص، وقوة الأداء التمثيلي، الذي ظهر مازجاً بين الطابعين الواقعي والتعبيري.