16 سبتمبر 2007 05:03
احترام الآخر مبدأ إسلامي لا يمكن إنكاره أو التشكيك فيه، تؤكده آيات القرآن الكريم والسنة العطرة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فالإسلام لا يعرف التعصب أو رفض الآخر، بل يعترف به ويحترم عقيدته ويؤمن بحريته في الاختلاف، ويعلم أتباعه أنه لا إكراه في الدين، ورسخ مبدأ الحرية الفكرية، وشجع على حرية الرأي، وأعلى شأن العقل والمنطق، وأقام منهجاً متكاملاً في الحوار وحرية المعارضة والاختلاف دون تجريح أو تشويه أو اقصاء·
الدكتور صوفي أبوطالب -الفقيه الدستوري المعروف- أكد أن الاسلام لا يعرف التعصب الديني، ويعترف بالآخر، ويظهر ذلك في اعترافه بالاديان السماوية السابقة عليه، وهو ختام الرسالات السماوية، وهي كلها خرجت من مشكاة واحدة·
ويضيف الدكتور صوفي: اعترف الاسلام بحرية العقيدة وحق الآخر في إقامة شعائره الدينية (لا إكراه في الدين···) البقرة: 256 ، وتفرد الاسلام بأن جعل الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله المكان الاسمى في كل ما ينادي به من نظم مما يقضي على التعصب داخل المجتمعات الاسلامية، وهو ما يفسر كثرة عدد الاقليات الدينية داخل البلاد الاسلامية· والتسليم -والحديث ما زال على لسان الدكتور صوفي ابوطالب- بمبدأ حرية العقيدة في الاسلام اقتضى عدم جواز إكراه احد على الدخول في الاسلام (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر···) الكهف: 29 وإعمالاً لحرية العقيدة في الاسلام كانت الدعوة اليه بالحسنى، وهو ما أكده القرآن: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن···) النحل: 125 ولا يقف الاسلام عند حد تقرير المبدأ، فهو يمنع كائناً من كان من ان يحاسب الكفار على كفرهم في الحياة الدنيا، بل جعل ذلك للخالق وحده يحاسب عليه في الحياة الآخرة، فمن التجني على الاسلام ما يروجه بعض الباحثين في الغرب من ان الاسلام يحجر على الآخر او يضطهده أو يجبر الناس على اعتناقه، وسماحة الاسلام هي أهم اسباب انتشاره واعترافه بالمساواة بين المسلمين واهل الكتاب لهم ما لنا وعليهم ما علينا والعدل معهم بمعانيه العديدة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، لأن الاسلام شريعة سماوية تخاطب البشر أجمعين دونما تمييز بسبب الدين او اللغة او الاصل او الحرفة او الطبقة الاجتماعية (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل···) النساء: 58 فالأمر بالعدل والنهي عن الظلم خطاب عام للمسلمين وغيرهم، ولذلك حرص الاسلام على ان يفرد بالذكر العدل مع الاعداء من ذلك قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوَّامين لله شهداء بالقسط ولا يجر منكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى···) (المائدة: 8)·
ويمتد الحكم بالعدل الى المشركين من غير أبناء دار الاسلام لقوله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) [التوبة: ،6 ومن تميُّز الاسلام في احترام الآخر أن حسن المعاملة ينصرف ايضاً الى اسرى الحرب لقوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً) (الإنسان: 8)·
ويشير الدكتور محمد الجليند -استاذ الفلسفة الاسلامية- الى تميُّز المنهج الاسلامي في التعامل مع الآخر والحوار معه بمجموعة من الضوابط التي تؤكد تفتُّح العقلية الاسلامية وتفردها، ومن هذه الضوابط أن الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها كان احق بها فيجب عليه ان يبادر بالتقاطها وتحصيلها والافادة منها وشكر صاحبها عليها، وألا يعرف الحق بالرجال، وانما يعرف الحق، ثم يعرف اهله·
وأوضح الجليند أن القاعدتين تلقيان الضوء على اسلوب الحوار مع الآخر وكيف نتعامل معه، فلا نهتم بصاحب الرأي بقدر ما نصرف اهتمامنا وتأملنا الى النظر في الرأي نفسه تمحيصاً وتدقيقاً، وهل هو من قبيل الحكمة فيقبله المسلم ويشكر صاحبه عليه، أم من قبيل العبث فيرده، ولا عبرة في هذا الموقف بالشخص القائل أياً كان دينه أو ثقافته ولونه وجنسه ما دام القول في ذاته حقاً والرأي حكيماً·
الحرية الفكرية
الاسلام قام على الحرية الفكرية وشجع على الحرية في ابداء الرأي، وجاء بمبادئ مثالية متميزة تعلي شأن العقل والمنطق واحترام الرأي والحرية، وإن الخالق سبحانه خلق البشر بعقول ومدارك متباينة، بالاضافة الى اختلاف الألسنة والالوان والاعراف والتصورات والافكار، ومن الطبيعي ان يكون هناك تعدد في الآراء والاحكام والمواقف، والعمران الانساني يحتاج الى هذا التعدد، لأن به يتحقق ازدهار وتطور الحياة·
المصدر: القاهرة