السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ما دوره؟ سؤال و7 شعراء.. الشعر هو الخلاص

ما دوره؟ سؤال و7 شعراء.. الشعر هو الخلاص
5 مارس 2020 03:09

أبوظبي (الاتحاد)

ندوة استثنائية بعنوان «دور الشعر في العالم المعاصر» أقيمت يوم السابع والعشرين من فبراير الماضي بين أروقة جامعة السوربون أبوظبي، ضمن مهرجان «هاي أبوظبي»، وتم فيها تكريم الشاعر العربي الكبير أدونيس، من خلال سبعة شعراء أجانب وعرب حطوا من أرجاء العالم بمناسبة بلوغة التسعين، وهؤلاء الشعراء هم: الألماني فولكر براون، والفرنسي أندريه فالتير، والفرنسي سيرجي بابي، والصيني المنفي بانغ ليان، والأردنية زليخة أبو ريشة، والبحريني قاسم حداد وبيير يوريس مقدم الندوة. وذلك بحضور نائبة رئيس جامعة السوربون للشؤون الأكاديمية د. لورنس رونو، ومدير قسم الدراسات الفرنسية، فيتال رامبو اللذين استقبلا أدونيس والشعراء الآخرين بحفاوة كبيرة.
في هذه الندوة المهمة والمتميزة، طرح مدير الندوة بيير يوريس السؤال الجوهري: أين يقف الشعر اليوم وما فائدته في حياتنا المعاصرة؟ وجاءت الإجابات متتالية، حيث بدأ أدونيس قائلاً: كنت أتمنى أن نقرأ الآن قصائدنا لكي يتفاعل معها طلبة جامعة السوربون أبوظبي، وأسمع أفكارهم حول الشعر الذي لم يعد محصوراً في القصيدة لأنها أصبحت أوسع في الحياة اليومية والسينما والفنون والفكر والفلسفة، ومن شأنه أن يوسع المعنى والمخيلة والعالم. وقال الشاعر البحريني قاسم حداد: تعلمنا من التراث أن العرب كانوا يحتفلون بولادة الشاعر في قبيلتهم، ولكن الحقيقة تشير أيضاً إلى أن الشاعر يعاني في المجتمع العربي، وقد يصل ذلك إلى حد القتل بسبب الظروف، وهو موضوع درسه الشاعر أدونيس منذ السبعينيات في كتبه. هناك أفكار خاطئة كثيرة حول قضية الشعر والشعراء في تراثنا يجب تصحيحها، ومهمة الشاعر هي إصلاح وترميم ما قد يخرّبه بعض السياسيين.
وتطرقت الشاعرة الأردنية زليخة أبو ريشة إلى المناخ الذي ينمو فيه الشاعر، وطرحت التساؤلات التالية: هل يستطيع الشعر أن يولّد الحرية أم أنها سابقة لوجوده؟ هل المناخ العام يسمح للشعراء بالتنفس أو يبشر بحداثة سطحية فقط؟ هناك شعراء ارتدوا عن عصر التنوير بحيث يحجّبون نساءهم وبناتهم! وهناك من يلجأ إلى المدائح ويسمي ذلك شعراً، إنها ردّة في الشعر العربي.
وقال الشاعر الفرنسي أندريه فالتير: إنني لا أجيد العربية ولكنني عندما أستمع إلى القصائد الملقاة أشعر بالإيقاع الموسيقي. أعتقد أن الشعر هو الصوت والكلمات، وما بينهما من صمت هو فضاء ضروري للشعر. للأسف الشديد، أصبح كل شيء دعائياً واستهلاكياً في عصرنا. لم أفهم ما قاله الآخرون قبلي، ولكنني أشعر بأن أقوالهم هي طريقة لعبور الجحيم. إن صوت التطرف الفكري أصبح أعلى من أصواتنا، ولكن الشعر يبقى هو الخلاص الوحيد على الأرض. فيما أكد الشاعر الصيني يانغ ليان أن العالم قد تغيّر كثيراً، ولا يمكن إعادة الشعارات القديمة إلى الواجهة. يجب أن نفهم أين نحن، ونصغي لصوت الشعر في داخلنا. وقال الشاعر الألماني فولكر براون: إننا كائنات تموت، ومن العبث أن نقيم خارج منطقة الشعر. لذا يجب إعادة قيمة الشعر في حياتنا من أجل أن نعطي المعاني لأفعالنا الإنسانية، ونخرجها من العبث الذي يحيط بحياتنا. وقال الشاعر الفرنسي سيرجي بابي: عمل الشاعر هو عمل عبقري لأنه ينقل لنا الحياة، وعالم الشعر لانهائي، وإذا ما وضع الشعر في المتحف فأنه ينهار لأنه يحافظ على توازن الأشياء، ويقلب موازين الأشياء أيضاً.

المعنى والقوة
من جانبه، تحدث مقدم الندوة بيير يوريس قائلاً: إن الشعر هو الحاجة للبحث عن المعنى والقوة، ومن خلاله يمكن الحديث عن تقديم العلاج للمشاكل الاجتماعية العامة، رغم أن من يقول الشعر قد يُساق إلى السجن. يهدف الشعر إلى التمثل والإبداع بقدرة عالية ومزايا ضخمة. والشعر يوجد الأرضية المشتركة للناس المختلفين لأنه يدعوهم إلى الحوار، فكتابة القصيدة تشمل مستويات متعددة، وتحتاج إلى طاولة للحوار والنقاش. ويعلّمنا الشعر كيف نتحاور مع بعضنا بعضاً في كافة اللغات مهما تنوعت، والأهم من ذلك أن نفهم لغته. لاشك أن الدموع تؤثر على مستوى الكتابة وأعني بالدموع المعاناة الإنسانية، فهل التحدي أمر ضروري للشعر والحياة؟
ثم قال سيرجي بابي: يبقى الشعر صعباً لأنه فضاء دائم، ويطرح علينا مسألة الأنا في مواجهة المرآة. ولذا يجب ألا يتحول الشعر إلى لهو، بل مواجهة الصعوبة التي تعلمنا التعرف على ذواتنا، عبر آفاق عظيمة في القصيدة الصعبة.
ثم عاد أدونيس ليعلق قائلاً: أظن أن مشكلة الصعوبة في فهم الشعر مصطنعة، والدليل على ذلك أن الموضوع طُرح منذ القدم ولا يزال، لكن المشكلة تكمن في المجتمع لأن الثقافة الاجتماعية عاجزة عن فهم الفرد. لو تسأل هؤلاء كم كتاباً شعرياً في مكتباتهم، وأي الشعراء قرأتم، وأي الكتب النقدية اطلعتم عليها، آنذاك نفهم مشكلة صعوبة الشعر. الشعر أسهل من الفلسفة والرياضيات والعلوم لأنه جزء من جهد المخلية والحلم. وهذه أشياء يعيشها المجتمع يومياً، ولذا يجب تنمية الفكر والثقافة الاجتماعية والوعي بالشعر وأهميته في حياتنا.
وعاد الشاعر الصيني يانغ ليان ليقول: يبقى الشعر يلمس مشاعرنا الداخلية ويحرك أعماقنا أكثر من أي منحى آخر. لا أؤمن بصعوبة الشعر، لأنه مركز كل ثقافات العالم. ولكن المادة استولت على عقولنا وأدت إلى هذه الفقاعة في مجتمعنا المعاصر. لابد من طرح الأسئلة وإيجاد الحلول، وكتابة القصائد دون التفكير بالصعوبة لأنه يرضي شغفنا في الدرجة الأولى.
وبدوره يعود الشاعر الألماني فولكر براون للقول: إن الشعر ضروري لنا ولا أحد ينكر هذه الحقيقة. والسؤال هو: إلى أين وصلنا في الشعر؟ إن القصيدة بسيطة لأنها تخترع الواقع وتصف كثيراً من الأمور. وعلى القارئ أن يدخل إلى النص الشعري خطوة خطوة بصبر وهدوء كأنه يتسلق جبلاً. وهذه هي علاقة الشعر بالقارئ. هناك نص صغير له تأثير كبير. ومثال على ذلك مسرحيات بريخت. وقد كتب قصيدة عن الطبيعة في المهجر بشغف وحب، ظلت خالدة. وقد واجهنا لحظة انهيار جدار برلين ونهاية دولة بالكامل، ما جعلنا ننتقل إلى حالة أخرى من الكتابة. إنها ثورة الجيل الجديد الذي وصل إلى حرية التعبير بحث أصبح الشعر قضية شخصية واجتماعية وسياسية.
وعادت الشاعر الأردنية زليخة أبو ريشة إلى القول: إن التعبير الفني يوضع تحت المجهر الاجتماعي، والليبرالية ضرورية لفهم القصيدة الحديثة المرتبطة بالحياة.
وقال قاسم حداد: إن الشعر هو جذر الواقع، رغم أن السلطات الاجتماعية في العالم أصبحت أكثر ضراوة وقسوة من السابق. وأكد بيير يوريس: نحن نعيش الآن في عالم أكثر صعوبة وتعقيداً، نحن بحاجة إلى الشعر لفهم العالم كما كنا بحاجة إليه في العصور القديمة. وقال الصيني يانغ يان: تطرح الأجيال الجديدة علينا مهمة جديدة في فهم الشعر وتقديمه، ونتلمس مشكلة تلقي الشعر لأنه طريق الفهم العميق لحياتنا.
واختتم الشاعر الفرنسي أندريه فالتير: في الحقيقة نحن لسنا بحاجة إلى تقديم الوعظ هنا عن الشعر ولا أن نجد له مبررات وذرائع لوجوده. إنني أكتب للأقلية الكبيرة لأن الشعر هو الحب الذي نحمله للآخرين.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©