14 سبتمبر 2007 01:17
لم يتسن لمعاوية بن أبي سفيان أن يجلس على عرش الخلافة الاسلامية إلا بعد حروب دامية وانقسامات حادة شملت العرب الفاتحين في الأمصار كلها، ولم يوجه معاوية أي جهد خاص للإصلاح النقدي في الدولة الإسلامية الناشئة، بل ترك ذات التقاليد التي سادت فترة حكم الخلفاء الراشدين كما هي، فضربت النقود الذهبية والنحاسية على النسق البيزنطي مع اضافة كلمات عربية شملت شهادة التوحيد وإشارات جواز التعامل بالفلوس النحاسية مع ذكر اسم دار الضرب بالعربية· وظلت الدراهم الفضية تضرب على الطراز الساساني مع كلمات عربية تشمل شهادة التوحيد وأسماء عمال الأمصار·
وكان تولي عبدالملك بن مروان الخلافة في الدولة الأموية إيذانا بدخول النقود الإسلامية كافة مرحلة جديدة من النضج والاستقلال· فعند جلوسه على العرش في عام 65هـ كانت الحركات المناوئة للأمويين على أشدها، فعهد لقائده الشهير الحجاج بن يوسف الثقفي بقمعها وبذلك خضع الشرق العربي كله للخليفة الأموي عبدالملك بن مروان· وخلال تلك الفترة لم يغير عبدالملك شيئا من نقود الأمويين، بل سار على درب معاوية الذي نقش صورته على الفلوس البرونزية عوضاً عن صورة الامبراطور البيزنطي، وظهرت صور عبدالملك بن مروان على فلوس من ضرب الرها وبعلبك، وقد ارتدى جلبابا قصيرا، واعتمر سيفا في اشارة الى كونه الإمام الذي يقود الجهاد والفتوحات بينما ترك شعره مسدلا ولحيته ظاهرة·
وخلال حروب عبدالملك لإقرار حكمه في الحجاز والكوفة والبصرة اضطر الخليفة الأموى الي عقد هدنة مع الامبراطور البيزنطي لمنع اعتداءات الجراجمة البيزنطيين ''المارتنيز'' على الثغور الشامية نظير أن يدفع الخليفة الأموي عشرة آلاف قطعة ذهبية على سبيل الجزية للامبراطور بصفة سنوية ابتداء من عام 67هـ، ولكن عبدالملك بعد تحقيق أغراضه من المعاهدة بالقضاء علي المتمردين على خلافته بنهاية عام 74هـ أخذ يتطلع لإلغاء المعاهدة بعد ما أصبحت جيوشه متفرغة للدفاع عن الثغور الشمالية·
وآنذاك كانت التقاليد البدوية بشأن مراعاة العهود مازالت حية وتعززت بدعوة الاسلام للوفاء بالعهود، ولذا رأى عبدالملك بن مروان أن يضغط على البيزنطيين لحملهم على نقض المعاهدة·
الدنانير الذهبية
ووجد الخليفة ضالته في الدنانير الذهبية التي كانت تضرب في الدولة الاسلامية وفقاً للطراز البيزنطي، فقام في نهاية عام 74هـ بإدخال بعض التعديلات المحدودة على نقوشها، فزودها لأول مرة بعبارات عربية تشير الى العقيدة الاسلامية وشهادة التوحيد وحذف منها رسوم الصلبان وذلك بحذف الطرف العلوي منها ثم تحويلها في وقت لاحق الى كرة دائرية، وسدد عبدالملك الجزية في ذلك العام بالدنانير الذهبية ''الهجين'' في جمعها بين صورة الامبراطور البيزنطي دون أي رموز مسيحية مع عبارات عربية اسلامية صريحة·
وربما فوجئ عبدالملك بأن الامبراطور البيزنطي لم ينكر نقوش الدنانير وقبل الجزية المدفوعة بها، ويعود ذلك الى ان البيزنطيين نظروا الى الأمر من زاوية السيادة السياسية والنقدية للامبراطورية البيزنطية، فقد كانوا يحرمون على الممالك الأخرى في أوروبا والشرق القيام بسك عملات ذهبية لا تحمل صورة الامبراطور البيزنطي، ومن ثم رأوا أنه من المنطقي أن يسجل الأمويون عبارات اسلامية على نقودهم طالما لم يمتد الأمر الى المساس بالمظهر البيزنطي للدنانير·
وطبقاً لروايات تاريخية متواترة فقد قام عبدالملك في العام التالي بضرب الدنانير الذهبية بصورته هو عوضاً عن نقش صورة الامبراطور البيزنطي وقدم الجزية السنوية بهذا الطراز الجديد، وعندما رفض البيزنطيون استلام الجزية بنقود ذهبية لا تحمل صورة امبراطورهم، ثم نقض المعاهدة من قبل الدولة البيزنطية وتخلص عبدالملك من عارها· ومن الأسف انه لم تصلنا من الدنانير الأخيرة أي نماذج ربما لأنها سحبت من الاسواق بعد احتجاج عدد من أعلام المسلمين آنذاك على تشبه عبدالملك بن مروان بالأباطرة البيزنطيين، وإن وصلت الينا أعداد من الدنانير التي سكت في عام 74هـ·
بعد ذلك قام الخليفة الأموي بعمل إصلاح نقدي شامل امتد أثره الى الدنانير الذهبية والدراهم الفضية والفلوس البرونزية والنحاسية· فقد حدد وزن الدرهم الفضي وفق متوسط أوزان ثلاثة أصناف من الدراهم الكسروية، وأصبح الوزن الشرعي للدرهم الاسلامي هو 2,97 جرام فيما احتفظت الدنانير الاسلامية بنفس وزن النوميزما البيزنطية وهو 4,25 جرام وأصبحت كل سبعة دنانير تساوي عشرة دراهم فضية، وأمر عبدالملك بصنع صنجات من زجاج لوزن عملات الذهب والفضة التي كان تداولها بكميات تزيد على خمس قطع·
* كلام صورة
1- 2- دينار أموي (الظهر) ضرب سنة 94 هـ في عهد الوليد بن عبدالملك
3- دينار أموي (الوجه) ضرب سنة 78 هـ في عهد عبدالملك بن مروان
4- دينار أموي (الظهر) ضرب سنة 78 هـ في عهد عبدالملك بن مروان
5- دنيار أموي (الوجه) ضرب سنة 120 هـ في عهد هشام بن عبدالملك
6- دينار أموي (الظهر) ضرب سنة 120 هـ في عهد هشام بن عبدالملك
كتابات عربية
أما من ناحية الشكل فقد اختفت الصور كلياً من النقود الأموية الجديدة وحلت مكانها كتابات عربية سجلت بخط كوفي بسيط ووزعت هذه الكتابات على أسطر مركزية متوازية وكتابة هامشية تدور مع محيط القطع النقدية·
ويعكس مضمون كتابات الدنانير الذهبية الملابسات التي أحاطت بسك عبدالملك لدنانيره ذات الصورة، ولا سيما على صعيد الصراع السياسي والديني مع البيزنطيين وعلى مستوى تداعيات الخلاف الناشب حول تشبه الخليفة بالأباطرة، جاءت نقوش الدنانير خالية من اسم عبدالملك بن مروان من ناحية، وحافلة بالعبارات التي تؤكد المخالفة الدينية للدولة البيزنطية·
فعلى وجه الدينار سجلت عبارات مقتبسة من سورة الاخلاص في ثلاثة أسطر ''الله أحد· الله الصمد· لم يلد· ولم يولد''·
أما هامش الوجه فقد حمل عبارة السك ''بسم الله، ضرب هذا الدينار سنة سبع وسبعين'' ولم تجر الاشارة الى دار السك باعتبار ان الدنانير الذهبية مقبولة في أرجاء الخلافة·
أما ظهر الدينار فقد سجل بمركزه في ثلاثة أسطر متوازية ''لا إله إلا· الله وحده· لا شريك له'' ولذات العلة البيزنطية اختار عبدالملك هذا الجزء من شهادة التوحيد دون أن يلجأ الى الصيغة البسيطة من شهادة التوحيد ''لا اله الا الله محمد رسول الله''·
وتدعم هذا التوجه بنقش اقتباس قرآني في هامش الظهر يشير الى الرسالة النبوية ونصه ''محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله''· واستخدمت ذات النقوش في الدراهم الفضية مع تغييرات طفيفة يعود بعضها الى تقاليد التداول المحلي للفضة وخاصة على صعيد الاشارة الى اسم دار الضرب، ويعود البعض الآخر الى محاولة التمييز بين نقوش الدنانير والدراهم وذلك بإبدال هامش الوجه بهامش الظهر والعكس·