عندما سألنا احمد إسماعيل العدوي عن رأيه بالمظهر الاجتماعي قال: 'إن الظهور بصورة حسنة أمام الناس مطلوب ولكن بعض الناس أصبح 'يلبس ثوباً ليس بثوبه' عبر المبالغة في الاقتناء، فالأفراد في هذه الحال سيرمون أنفسهم وسط دوامة الديون بهدف التظاهر بالراحة والغنى، إلا أنني ألاحظ ان هذه المبالغة أصابت الكثيرين بشكل سلبي بحيث تكون قريبة من العادات الأجنبية في اللبس والأسلوب ومثل هؤلاء الأشخاص يتجاهلون بأن مجتمعنا تحكمه العادات والتقاليد والأخلاق· ولكن أصبح هذا العصر عصر الفضائيات والموضة وبات الشباب يلاحق المجريات الحديثة وما تحويه المراكز التجارية من تقنية جديدة مثل السيارات والهواتف النقالة· وبالنسبة لي أنا اقتني (على قد المستوى)، لكن الشباب يريدون أن يعيشوا يومهم·· وأنا لا أجد شيئاً أجمل من البساطة·
وأعتقد أنه لا ينبغي للشباب أن يتبع كل ما يعرض ولا يجب ان يتعدى على ذاته بالمظاهر، فالصغير لا ينافس الكبير (ومد لحافك على قد ريولك)·
اللي ما يعرفك ما يثمنك
ويتفق معه محمد حميد المنهالي في عدم معرفة شخصية الإنسان وأسلوبه إلا بعد التعامل معه، فلا يمكن ان نحدد الشخصية بمجرد مظهر كل فرد وأناقته، فالمظهر لا يدل أبدا على نوايا الشخص، فقد يكون فقط متفاخرا ومغرورا أو يعاني من إحباط في حياته وتعاسة يعوضها من خلال التظاهر أمام المجتمع بأنه يملك المال ويملك السعادة الموهومة· وقد يكون له أسبابه الخاصة كأن يكون في عائلته مدللا فيوفر له كل ما يطلب· وبالنسبة لي لا يمكن ان احكم على الشخص من خلال مظهره، وكما يقول المثل (اللي ما يعرفك ما يثمنك)·
ويكمل حديثه قائلا: 'اغلب المظاهر يكون سببها النساء، فلولا النساء لم تكن هنالك مظاهر، وبطبيعة الحال فان الشاب يحب التجديد والبحث عن ما هو مشهور سواء أكانت أداة أو وسيلة'·
رضا الناس·· لا يدرك
ويقول سعيد حميد المزروعي: 'أنا لا اهتم للمظاهر ولا اقتني أي سلعة جديدة إلا إذا أعجبتني وكان مبلغها معقولا، فأنا غير ملزم فيها ولن يحاسبني أي شخص على استعمالي لها· وأحب أن أكون بسيطا مع أصحابي رغم ان فيهم من يستهتر بما اقتنيه ولكن لا يهمني رأي الآخرين فرضى الناس غاية لا تدرك، والمشكلة ان اغلب الشباب يتبعون المظاهر بشكل هائل حتى الألوان الغريبة دخلت إلى لبس الرجل بالإضافة إلى نوعيه قصات الشعر، فقد أصبحت كل قصة بسعر معين وفي اعتقادي أن تفاخر الشباب ناتج عن سوء التربية والدلال الزائد الذي اعتادوا عليه، وكذلك هو الحال بالنسبة للمرأة فقد بات كل ما فيها ماركة'·
لا إفراط ولا تفريط
ويؤكد حذيفه احمد المفلحي 'أن المظاهر تعني الشيء الجذاب للناس، فهي تظهرنا بشكل حسن وبصورة حسنة، والمظهر ضروري في الحياة، فقد أوصى النبي (صلى الله عليه وسلم) أن نكون دائما على طهارة، وأن نظهر بمظهر نظيف، إلا أن البعض سعى للمبالغة والإسراف بشراء الأشياء الضرورية وغير الضرورية· ومن الأسباب التي جعلت البعض يصل إلى مرحلة الصرف بلا مبالاة الرغبة بالظهور بشكل لائق أمام الآخرين حتى يثير اهتمامهم؛ فكل شخص له تطلع معين ربما يحققه من خلال المظاهر التي يتبعها بصورة خاطئة وقد يجهل أضرارها المستقبلية وإلى أي مدى ستوصله، حيث تتسبب في حقد بعض الأفراد عليه لكون الشخص المبذر يمتاز بالغرور والتكبر فلا يكلم إلا من ينسجمون معه في المظاهر، بالإضافة إلى أضرار مادية واجتماعية مختلفة· واعتقد أن النساء هن الفئة التي تهتم بالمظاهر وبالأخص الموظفات لكونها تحتاج دوما للتغيير وتريد لفت الانتباه لأناقتها وماكياجها وإكسسواراتها، وحتى نوازن بين المظهر والإسراف ينبغي أن نتبع منهجاً معتدلا من دون إفراط أو تفريط فالمظهر مطلوب وقد قال الله تعالى 'واما بنعمة ربك فحدث'·
عواقب وخيمة
وفاء راشد الحمادي ترى :أن المظاهر هي تظاهر الشخص بما هو فوق طاقته، ويكون مهتما بصورة ملفتة بالشكل الخارجي وذلك يساعده في إنهاء العديد من المعاملات في مجال الأعمال والوظائف، فبمجرد رؤية مظهره تتيسر الصعوبات في طريقه، ومن هنا ربما يسعى الناس دائما للتجمل· واعتقد بأن من الأسباب التي تؤدي إلى هذه المبالغة الغيرة من الآخرين، ومحاولة استكمال نقص يشعر به بحيث يخفي مستواه الاجتماعي عن من حوله، وقد يكون الأصدقاء من ضمن الأسباب التي تجعله يخجل مما يمتلكه فيسعى بذلك للمبالغة ليتساوى مع الآخرين، وأيضا بهدف لفت الأنظار من خلال اقتناء الكماليات غير الضرورية بحيث يرفض كل ما هو قديم ويحاول أن يقتني كل ما هو جديد·· لكن العاقبة وخيمة وسرعان ما يصبح بعد ذلك منغمسا في تسديد الديون وفوائدها للبنوك، وكل هذا يجعله عاجزا عن التمتع بحقه في تكوين بيت وأسرة فيضيع عمره وهو منهمك اقتصاديا ونفسيا'·
وتضيف وفاء: 'المظهر ليس كل شيء في الحياة، فالشخص بأخلاقه يكسب اهتمام وود الآخرين· وصحيح أن المظهر يلعب أحيانا دور المعزز لهذا الاحترام إلا أننا لا يجب أن نقدمه بشكل مبالغ فيه حتى نستطيع أن نكون على طبيعتنا في تعاملنا وتواصلنا مع الآخرين، فكما يقال (إذا زاد الشيء عن حده انقلب ضده)، بما يعني أن المبالغة في الاهتمام بالمظهر قد تؤدي إلى نفور الناس من حولي والتقليل من شأني حين أتحدث وذلك لأن اغلب الحديث سيأخذ طابعاً أنانياً'·
عامل جذب
ويؤكد محمد صديق البلوشي 'أن المجتمع أصبح يكون فكرته عن شخصية الفرد من خلال مظهره، والمظهر مثل المرآة التي تعكس للشخص مدى جماله وأناقته فلابد أن يهتم الشخص بما يقتني ويرتدي· صحيح أن بعض الأشخاص يتظاهرون بلبس الماركات وآخر صيحات الموضة من قصات الشعر وسيارات ونظارات لكن البعض الآخر يكونون (اسم على مسمى)، بحيث يكون متأثرا بحياته وعمله وعلاقاته، فالحياة تتطلب أن يهتم المرء بمظهره حتى يتم تقديمه على الآخرين فلو تقدم شخص صاحب مظاهر وآخر لا يصل إلى مستوى المتظاهر فسوف يقبل الشخص الأول لان المظهر أصبح جزءا لا يتجزأ من العمل· والنساء أكثر فئة لديها هوس بالمظاهر لكونهن ذات طبيعة تحب التجمل أكثر من الرجل وتحتاج دائما لان تمتدح سواء أكان ذلك من الأقرباء أو الأصدقاء· والمرأة بشكل خاص تمتلك نوعا يسمى بالغيرة من الأخريات، بحيث تكلفها الجري وراء الماركات العالمية، بالإضافة إلى أن المرأة الخليجية تبحث دائما عن الأغلى أو الأشياء باهظة الثمن لاعتقادها أنها الأفضل، فإذا دخلت محلا للعطور مثلا فلن تأخذ ما يعجبها هي بل تظل تبحث عن العطور الغالية لشرائها، ناهيك عن أن المظهر عنصر قوي من العناصر التي تجذب الرجل للمرأة والعكس صحيح'·
ومن جانب آخر يقول محمد خليفة السويدي: 'إن المظهر جزء من حياتي اليومية ولا أحب أن اقضي يومي دون ان اهتم بمظهري فالله جميل يحب الجمال، والمظهر لا يحتاج لفئة معينة وإنما يشمل جميع الأفراد ولكن كلا بحسب ذوقه وطبيعته الاجتماعية· ولكوني ارتبط بفئات ذات نفوذ ومكانة مرموقة وظيفياً يتطلب مني الأمر الكثير من الاهتمام ولكن هذه طبيعتي ولا أجد نفسي مبالغا فيها، فما المانع من توفير كافة المستلزمات إذا كانت الحالة ميسورة ولله الحمد، وأنا لا أحب ان ابخل على نفسي بأي شيء يعجبني حتى لو لم يتوفر لي فإنني الجأ إلى البنك وأسدد لهم بأقساط شهرية، وهذا لا يشعرني بالعجز وإنما اعتبر المظهر أولوية يجب ان نأخذ بها فلا يجب ان احضر الاجتماع مع فئة غنية وارتدي ملابس بسيطة أو حتى امتلك جوالا 'أكل عليه الدهر'، فالحياة تتطلب ان نعايش المظاهر وحالة المجتمع الإماراتي من الناحية الاقتصادية تدعم هذه الظاهرة بكثرة· ومن خلال تجربتي الشخصية فان أفكار الأغلبية عن الشخص تتكون منذ اللحظة الأولى وذلك عن طريق النظر إلى ما يمتلكه، بل وتتطرق إلى سؤاله عن كيفية حصوله عليه أو اقتنائه له· ولا ننسى دور الإعلام وما يبثه من إعلانات وبرامج فضائية تشجع على الاقتناء حيث ان الإعلام يلعب دورا هاما بترويج كل ما هو مستحدث من الكماليات والتي قد يراها البعض غير ضرورية·
ويضيف محمد 'بأن الراحة النفسية والثقة، وكذلك القدرة على تحمل المسؤولية هو ما يجعلني اقتني كل ما هو جديد'·
التوازن والاعتدال
يقول الدكتور عبد الرحمن عزي منسق الاتصال الجماهيري بجامعة الامارات: يتوقف المظهر على طبيعة الفرد وثقافته وشخصيته حيث ان معظم الأفراد يتأثرون بنظرة المجتمع لهم، ومن ثم يسلكون التصرف المتوقع منهم بغض النظر عن مضمون وعواقب مثل هذا السلوك، ويقومون بإبداء المظهر والسلوك المتوقع منهم، مع الأخذ بعين الاعتبار انه يصعب التعميم على الأفراد، فلذلك ينبغي على الفرد ان يستخدم منطق التوازن ليوفق بين المظهر المناسب وبين الإسراف الذي يحمله تبعات مادية واجتماعية ضخمة؛ فلابد أن يكون المظهر ملائما من دون مبالغة· والعامل الأساسي في هذا الميزان هو الثقافة والتعلم والقيم؛ فكلما كان الفرد ذا ثقافة كان أكثر توازنا من غيره، ولا شك أن للتربية في الصغر والتنشئة الاجتماعية والأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام دورا في ذلك، على الرغم من ان السياق العام لا يشجع على هذا التوازن فهنالك نقص في إظهار النماذج المتوازنة في السوق سواء أكان في الواقع الاجتماعي أم في وسائل الإعلام، فالإعلانات عامة تركز على المظهر لا سيما وأن الموضة أصبحت هي المعيار في تقديم المرأة أكثر من مضمونها وذلك متمثل في الأزياء وملامح الوجه وطريقة تسريحة شعرها فالشكل يطغى في هذه الإعلانات، كما أن اغلب الوظائف باتت تهتم بالمظاهر والجمال، وتعتبر المرأة هي الضحية في هذه العملية بحيث تسرع في اقتناء هذه الوسيلة، وليس أدل على ذلك من إقبال النساء على العمليات الجراحية لتغيير ملامح الوجه كما هو سائد في الدول العربية'·
ظاهرة استهلاكية
ويضيف د عزي: 'كلما كان المجتمع استهلاكيا ازداد الاهتمام بالأدوات والأزياء والمظاهر عامة، فالاستهلاك يدعو إلى اقتناء المزيد من الكماليات والوسائل التي تؤثر في المظهر والسلوك ويصعب بعدها الخروج من هذه الدائرة التي يقع فيها الكثيرون من دون وعي لأهمية الحفاظ على التوازن والذي يرتبط بدوره بالمستوى الثقافي والقيمة الموجودة بالمجتمع عامة، فليست المشكلة بالاهتمام بالمظهر والذي يعتبر أمرا مرغوبا فيه ولكن المشكلة هي اعتبار المظهر العنصر المهم في تقييم الفرد، فالفرد هو عبارة عن قيم داخلية من ثقافة وسلوك وعواطف ومشاعر وغيرها من أمور، والمبالغة بالاهتمام يعبر عن حالة مرضية يعاني منها الشخص كالإحساس بالنقص الذي يتم تعويضه بالاهتمام بالمظهر والإعلان يروج لهذا السلوك لأهداف تجارية والتي بدورها تحمل الفرد عواقب ثقافية واجتماعية'·
الاعتدال ضروري
ويقول الدكتور محمد أبو العينين الأستاذ بقسم الاجتماع في جامعة الامارات: 'أصبحنا نعيش في عالم يعترف بالمظهر أكثر من الجوهر، وأصبح الأشخاص ينجذبون بالمظاهر لدرجة قد توصلهم للانخداع بمن يتحدثون معه، وتعتبر هذه الظاهرة غير صحية فمن المفترض الأخذ بالجوهر للتوغل في السمات الحقيقية للشخص الذي نتعامل معه، ورؤيتنا للمظهر يجعلنا ننظر للقشرة الخارجية دون الغوص في أعماق الشخصية، وقد تكون من أسباب المبالغة والانخراط بالمظاهر غلبة الماديات على المجتمع الحديث فأصبح الناس يتميزون عن بعضهم البعض باقتناء الأشياء التي تضفي عليهم مكانة اجتماعية أو هيبة، بالإضافة إلى بعض العوامل النفسية مثل الإحساس بالمباهاة والتفاخر· والسبب الآخر ان وسائل الإعلام تلعب دورا في الترويج للسلع وتحويل المجتمع إلى سوق كبير للتنافس على ما يمكن اقتناؤه ليميزهم عن غيرهم بالحالة المادية، فمن المفترض ان ينفق المرء باعتدال فلا ينفق بسخاء وتبذير ولا يبخل على نفسه فقد قال تعالى 'ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا' فالاعتدال والوسطية هما أساسيات الحياة وليس الانسياق وراء الموضة· ويجب ان يتوقف الأشخاص عن التطلع للآخرين وعدم اللهاث وراء كل جديد· وكما يقال ( من راقب الناس مات كمدا أو هما) ولا اعني بذلك الا يسعى الشخص إلى تحسين صورته وإنما ان يكون سلوكه موائما بين الضروريات والكماليات، فقد يجد الفرد نفسه محاصرا بالإعلانات والدعاية والتي تجعله يصبح أكثر استهلاكية فالناس بطبيعتهم يميلون للتقليد باستخدامهم فلسفة التطلع للآخر ويقتني السلع الثمينة رغم إنها بعد فترة سنخفض قيمتها بكثير عن السابق إلا ان العرب يتبعون فكرة (اصرف ما في الجيب·· يأتيك ما في الغيب) ولا يأخذ بما قد تواجهه من ظروف طارئة على عكس الغرب الذي يمثل سلوكهم العقلانية فهم يميلون أكثر للادخار فعلى كل شخص ان يسلك الحدود المعقولة بالصرف والشراء'·