السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الخَرّوفة تقدح حجر المخيّلة

الخَرّوفة تقدح حجر المخيّلة
3 مارس 2020 00:08

غالية خوجة (دبي)

نامت معنا على وساداتنا، أمتعتنا كثيراً في غالب الأحيان، وجعلت الخوف يتسلل إلى قلوبنا الصغيرة في أحيان أخرى، مع ذلك، ترسخت الحكايات الشعبية أو الخرافات التي يسميها أهل الإمارات «الخروفة» في أعماقنا، وحققت الهدف أو المرمى الذي أنشئت من أجله: ضبط سلوك الطفل على النحو المطلوب.. هكذا يراها المشتغلون في علم الاجتماع وعلم النفس وسواهما من العلوم الإنسانية، أما في عالم الإبداع فتظهر في الممارسات الإبداعية، خاصة الإبداع المكتوب، على نحو واضح، لتحمل رسائل معينة أو لما فيها من السحر وجمال الحكي، كما يرى بعض الدارسين للأدب ونقاده، لكن ماذا عن التشكيل؟ هل انتبه الفنانون التشكيليون الإماراتيون إلى الحكاية الشعبية كثيمة موضوعية وفنية؟ وكيف تتمحور النصوص التشكيلية حول شخوصها وأهدافها وبيئتها؟ إلى أي فضاء لوني ودلالي ورمزي ساهم الفن التشكيلي الإماراتي في توظيف الحكاية الشعبية الإماراتية الشفاهية؟ وما الدور الثقافي والاجتماعي الذي مارسته من خلال الفن؟

الخراريف الشعبية جزء من الثقافة كونها تنتقل من جيل إلى جيل بصورة مختلفة، وتبقى تراثاً شفهياً يحمل سمات المجتمع، هذا ما رأته التشكيلية الإماراتية د.نجاة مكي عضو اللجنة العليا للتسامح، وأكملت: لكل شعب خرافاته الشفهية الشعبية التي قد تتشابه وتختلف حسب بيئة المجتمع وثقافته وتوظيف الناس لهذا التراث بأشكاله المختلفة وأهدافه العديدة، لأن الكثير من خرافاتنا الإماراتية التي حكتها لنا جداتنا وأمهاتنا ليست حكايات شعبية فقط، بل لها أبعاد ثقافية وتربوية وتوعوية وتحفيزية تنشر الإيجابية، كي لا تندثر القيم الأخلاقية والإنسانية والفنية.
وتابعت: عندما يجسد الفنان الإماراتي هذا الموروث الثقافي التراثي الاجتماعي الشعبي، فإنما يعبّر عن ارتباطه المتجذر بهذه الأرض، ويُظهره بعدة أنماط فنية تراثية ومعاصرة، من خلال توظيفه كثيمة موضوعية متعددة الصور والمشاهد والحضور، أو توظيفه كخامة وأدوات، لأن الخامة لها دور كبير في العمل الفني، وهذا ما فعلته في بداية أعمالي الفنية، ففي المعرض الأول في نادي الوصل، الذي أقيم في الثمانينيات، وظفت التراث الشعبي من خلال أعشاب الحناء والورس والزعفران.
وأضافت: للخرافة الشعبية دورها الكبير في الفن التشكيلي الإماراتي، تلك التي بدأ بها الفنانون الإماراتيون، ومنهم عبد الرحيم سالم عندما جسد «مهيرة» في أعماله الفنية المتعددة، وأصبحت لوحاته تعرف بـ «مهيرة»، تلك الفتاة الجميلة التي لها حكاية شعبية جميلة في التراث الشعبي الإماراتي، إضافة إلى الكثير من الفنانين الذين جسدوا أدواراً مختلفة للخرافة، منهم تمثيلاً لا حصراً، أحمد الأنصاري، ومحمد يوسف، وعبد الرحمن زينل، ومنى الخاجة، وعلي العبدان، وشيخ الفنانين عبد القادر الريس.

ومضات
وبلهجة تستعيد جمال الطفولة وعوالمها قالت التشكيلية سلمى المري: الخرافة الإماراتية سردية تعرفنا عليها صغاراً حيث كان أحد أفراد الأسرة من الكبار، وبأسلوبه الشيق يحكيها بشيء من التهويل تارة، ومن الخفوت تارة، فننظر إليه وكأنه ممثل «ميلودراما» كُتب له أن يؤدي أدوارها متكئاً باسترخاء، جاذباً الصغار إلى أن يغلبهم النعاس. هذه الحكايا ليست عابرة، لأنها تشكّل جزءاً كبيراً من شحن أفئدتنا على مخاوف التحذير والتهويل الذي قد يتعرض له الصغار لو لم يذعنوا ويستوعبوا المغزى المباشر منها، وهي تظهر كومضات أثناء عملية قدح مخيلة المبدع بمجالاته المتعددة، ومع النضج يعي أكثر ويبحث في التراث العربي والعالمي، ويربط بين الحكايا التي عرفها ويقربها إلى حكايا وخرافات العالم خاصة المتداولة لدى شعوب السكان الأصليين والمسميات حسب البيئة.
وأكدت المري: الخرافة مادة مختزنة في مخيلة المبدع لها تأثيرها، وله مطلق الحرية في تحويرها والإضافة إليها، والمبالغة في رمزيتها والتعاطف معها. إنها مادة خصبة ثرية، ينبش الفنان فيها، يصقلها بعمله الفني بكل ما لديه من نضج إبداعي، أو يستعين برمزيتها في إيصال الرسالة المبتغاة منها، فمثلاً حين جسدت خرافة «أم الدويس»، نزعت عنها صفة الخبث والدهاء وكيد النساء الذي يراد التحذير منه، وأخذت بتلابيب رواية لامرأة مسنة صاغتها لي بطريقة أخرى، سردتها بحس أنثوي، عفوي، وخلصتها من صبغتها بصبغة الثأر الذكورية، وبالتالي، تعاطفت معها، فبدلاً من أن تكون تلك الجنية التي تغوي الرجال بكامل زينتها وتغدر بهم، جعلتها تلك الفتاة العاشقة الجميلة المزينة بحليها الشرقية، بقدم كائن حيواني، وكف بمنجل قاطع يحذر من الاقتراب، صبية اغتيلت أحلامها مع الفتى الغريب عن قبيلتها، لكنني جعلتها منبع جمال بعيد المنال عن من غدروا بذلك الحبيب على مرأى الجميع، وألحقوا بها ضرراً نفسياً ناتجاً عن مجتمعها الذي صادر حريتها الطبيعية في حق الاختيار، وألقوا بالتسامح في جُبٍّ عميق.
وأكملت: لذلك، جعلتُ الصبية تلعب مع آثار الإمارات ونماذج من الكائنات المكتشفة على مد العصور القديمة، هكذا أثارتني الخرافة لأربطها بالأثر والآثار، وأتخلص نوعاً ما مما علق في نفسي من الحكايات الواقعية التي كنت شهدتها وسمعتها عما يحدث في أوطاننا العربية.
أما التشكيلي أحمد الفلاسي، فيقول: الخرافة الشعبية ولدت من رحم البيئة الإماراتية في مرحلة معينة من الزمن حيث كان الشعب يتمتع بالحياة البسيطة، ويملأها بالفائدة والمتعة والتسلية، وربما تكونت بعض الخرافات أحياناً بسبب الجهل، ويوظفها الفن التشكيلي تعبيراً عن مرحلة زمنية معينة، قد يجهلها الجيل الحديث، لكن الخرافات، بكل تأكيد، تنعش مخيلة الفنان.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©