عدد اليوم
محمود إسماعيل بدر (الاتحاد)
يبدو أن هاجس معظم روايات القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» في نسختها الثالثة عشرة 2020، يتمركز في منطقة رمادية تنبذ الحروب العبثية وصناعة الموت وخطاب الكراهية والعنف والتطرف الفكري، ومن ذلك رواية «ملك الهند» الصادرة عن دار السّاقي في بيروت، لمؤلفها اللبناني «جبور الدويهي – مواليد زغرتا 1949»، وينتهج فيها خطاباً عجائبياً اختلطت فيه خرافات الذهب وحروب الأشقاء وأبناء العمومة، مع حبّ النّساء الفرنسيات، ووعد الثروة الزّائف، وعداوات طائفية تظهر وتختفي في أشكال وألوان مختلفة منذ قرن ونصف.
في ظروف غامضة، يعثر على «زكريا مبارك» بطل الرواية مقتولاً عند حدود قريته «تل ّ صفرا» بعد أيام على عودته من غربة طويلة بين أوروبا وأميركا وأفريقيا، لقد اختار المغدور العودة مخبئا في جعبته لوحة «عازف الكمان الأزرق» للفنان الفرنسي من أصل روسي «مارك شاغال – 1887 – 1985»، التي أهدتها له صديقته الباريسية مع شهادة بأصليتها، وبأسلوب سردي مشوّق ومن خلال عتبة الرواية بواقعيتها السحرية، يعود بنا الكاتب إلى مغامرات زكريا مبارك وتاريخ عائلته التي يكتنفها الغموض خاصة لناحية جدة والده «اميلي» التي هاجرت وحيدة في بداية القرن التاسع عشر إلى أميركا وعودتها بثروة طائلة لتشتري بيتاً للعائلة وتدفن كنزاً ثميناً فيه.
تدور الشبهات حول أبناء العمومة الذين ربما قتلوه طمعاً في هذا الكنز، ليتبع ذلك مرحلة جديدة من نزف إنساني حاد، دشن صرخة صادقة، مبطنة بأبعاد فلسفية عن ضرورة التغيير والانتباه إلى عناصر الحياة المغيّبة والغائرة في هوية هاربة مشتتة، وذاتية يكاد يطمسها الخدر وتلغيها الغيبوبة في ثنيات التطرف الفكري والصراع الطائفي، وأبعاد المأساة اللبنانية.
الرواية كما بدت لنا تحفل بتوصيفات رائعة بكل ما يحيط بشخصياتها، وفيها نبدو وكأننا نعيش معها في شريط سينمائي ذي إيقاع لاهث، هي في الواقع مشعّة ومضيئة على الرغم من حزنها وأجواء الصراعات المضنية نحو كسر الإرادات، ذلك لما لقدرة الكاتب على الإمساك بزمام الأمور من البداية وبالتالي كيفية استخدام جميع أدواته خاصة الفعل المضارع. إن الجديد في أسلوبية الكاتب القادم من فضاء الأدب الفرنسي، أنه يعير أهمية كبرى لأساليب السرد، فهو في كتابة الرواية يكتب في ثنايا (رواية الرواية)، أو ما أطلقت عليه السيمياء المعاصرة اسم (نظرية الرواية) وكان الأمر واضحاً في نص ملك الهند البوليسي الرومانسي الكئيب، الذي فكك العناصر بعدما ركّبها واحداً واحداً.
