8 مارس 2010 21:13
في نهاية الأسبوع المنصرم رفض الآيسلنديون بشكل قاطع خطة لسداد أموال المودعين الخارجيين بعد انهيار بنك إنترنت آيسلندي، في استفتاء عمومي نادر حول استعدادهم لسداد المستحقات الخارجية، وهو ما يمكن أن يؤدي، حسب رأي الخبراء، إلى تفاقم الشعور بالقلق حيال مشكلات الديون الثقيلة واستحقاقاتها المعقدة في أوروبا، بصفة عامة. وبموجب الاستفتاء المذكور رفضت نسبة ساحقة من الآيسلنديين (93 في المئة) خطة حكومية لسداد ديون بريطانيا وهولندا البالغة 5.3 مليار دولار، والمستحقة منذ أكتوبر 2008، بعد انهيار بنك إنترنت آيسلندي.
وقد دفع هذا العجز عن السداد كلاً من بريطانيا وهولندا، وهما الدولتان اللتان ينتمي معظم المودعين الأجانب في البنك إليهما للتدخل، وسداد دفعة جزئية لمودعيهما الذين فقدوا المليارات من العملة الأوروبية "اليورو "بسبب عجز هذا البنك الذي جذبهم إليه في البداية بما كان يعرضه على المتعاملين معه من نسب فائدة مرتفعة مقابل إيداع أموالهم لديه.
والتصويت الذي جرى يوم السبت، والذي أعلنت نتائجه شبه النهائية يوم الأحد، يعكس حالة الغضب العارم في آيسلندا خاصة على تجاوزات القطاع المصرفي، التي استمرت لسنوات طويلة وأدت إلى انهيار مالي في الجزيرة الشمالية، في ذروة الأزمة المالية التي ضربت العالم وتستمر تداعياتها في الوقت الراهن، والتي عانى كثير من الدول من آثارها السلبية.
وعقب التصويت احتفل الناخبون في أجواء كرنفالية، حيث أطلقوا الألعاب النارية في الهواء ورفعوا لافتات مكتوب عليها " آسفون يا سيد دارلنج.. نحن غير موافقين" وهم يشيرون في ذلك بالطبع إلى "أليستير دارلنج" وزير المالية البريطاني. وهذا التصويت -كما يقول المحللون- مثل فرصة استثنائية للآيسلنديين المنهكين للتعبير عن غضبهم العارم على خطط إنقاذ البنوك الفاشلة التي تطبقها حكومتهم. كما كان هذا التصويت أيضا -والكلام ما زال للمحللين- تصويتاً ضد المسؤولين الحكوميين الذين يلقي عليهم معظم الآيسلنديين باللائمة، بسبب تهاونهم تجاه التجاوزات المصرفية التي استمرت لسنوات طويلة، دون أن يتخذوا أي إجراء بشأن إيقافها.
يشار في هذا السياق إلى أن سداد كامل المبالغ المستحقة لمودعي البنك المشار إليه، سيتطلب من كل مواطن آيسلندي دفع 100 دولار شهرياً، لمدة ثماني سنوات. ومما فاقم من إحساس السكان بعبء سداد تلك المستحقات أنه يأتي في وقت ارتفعت فيه نسبة البطالة في الجزيرة بشكل كبير، نتيجة لتداعيات الكساد الحاد الذي ضربها.
وتُبرز نتيجة الاستفتاء أيضاً مخاطر المشروعات المصرفية العاملة على شبكة الإنترنت، والتي ارتفع الكثير من التحذيرات في العديد من الدول بشأنها،كما تفاقم من المخاوف بشأن قدرة بعض الدول الأوروبية على سداد الديون للدائنين الأجانب، خصوصاً في الوقت الراهن، الذي تعاني فيه أيضاً اليونان من أزمة ديون طاحنة، أدت إلى رفع نسب الفوائد على القروض بالنسبة لعدد من الدول الأوروبية الأخرى التي تعاني من أوضاع مالية مزعزعة.
والراهـن أن معظـم المحللين يقولـون إنـه لايزال يتعين على الحكومة الآيسلندية التوصل إلى تسويـة مـع لندن ولاهـاي. ومن جانبهم قال المسؤولون في العاصمة" ريكيافيك" يوم الأحد، إن آيسلندا تحقق "تقدماً" نحو عقد صفقة ستكون أقل تكلفة للجزيرة الصغيرة التي لا يزيد عدد سكانها عن 350 ألف نسمة.
والجدير بالذكر في هذا الصدد أن بريطانيا وهولندا قد أشارتا بالفعل إلى أنهما على استعداد للتخلي عن شرطهما بالسداد السريع والكامل للديون والرضا بشروط أقل.
وقد اعترف "دارلنج" يوم الأحد أن "الموضوع يمكن أن يستغرق سنوات طويلة" قبل أن ترى لندن أي سداد للديون المستحقة لها على آيسلندا. ومع ذلك، وفيما بدا كنبرة تصالحية قال وزير المالية البريطاني إن كلاً من بريطانيا وهولندا على استعداد لأن تكونا أكثر مرونة.
ففي حديث له مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي.بي.سي" قال "دارلنج": "نحن لا نستطيع أن نذهب ببساطة لدولة لا يزيد عدد سكانها عن سكان مقاطعة بريطانية مثل ولفيرهامبتون لنقول لها: انظري، يجب عليك دفع هذه الديون فوراً وبدون إبطاء". ويضيف "لذلك السبب حاولنا أن نكون معقولين، لأن النقطة الجوهرية بالنسبة لنا هي أن نستعيد أموالنا، أما بالنسبة للشروط التي يتم من خلالها ذلك فنحن على استعداد للتعامل بمرونة حيالها".
وفي يوم الأحد سعت الحكومة الآيسلندية التي ترأسها "يوهانا سيجوردوتيير" إلى التقليل من أهمية نتيجة الاستفتاء، الذي يقول بعض النقاد إنه يمكن أن يعرض خطة إنقاذ آيسلندا التي ينفذها صندوق النقد الدولي للخطر. ويشار في هذا السياق إلى أن التوصل لاتفاق مع بريطانيا وهولندا، ينظر إليه أيضاً كمفتاح لدخول آيسلندا السريع للاتحاد الأوروبي، وهو أمر يعتبر حيوياً للوضع المالي في البلاد في المدى الأطول.
وقد أصرت "سيجوردوتيير" على أن الحكومة الآيسلندية وعلى رغم نتيجة التصويت، ستواصل التفاوض من أجل التوصل لتسوية لمعالجة الآثار المتخلفة عن انهيار بنك "لاندسبانكي" الذي يعمل في كل من بريطانيا وهولندا تحت اسم "آيس سيف".
وقالت رئيسة الوزراء في مؤتمر صحفي: "إن هذه النتيجة لا تمثل مفاجأة لنا وكل ما نحتاجه في الوقت الراهن هو المضي قدماً في المهمة المطروحة علينا وهي إنهاء المفاوضات مع البريطانيين والهولنديين".
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
المصدر: لندن