السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضحايا الكلمة··· بينهم سقراط وجاليلو ونيرودا

ضحايا الكلمة··· بينهم سقراط وجاليلو ونيرودا
22 مارس 2008 02:26
كثيرون هم شهداء الرأي، وضحايا الكلمة، على امتداد التاريخ والعصور، يضطهدون وينفون ويشردون لا لذنب جنوه، إلا لأنهم ملتصقون بقضايا الإنسان، يدافعون عن الحق في وجه الباطل، ويشهرون الكلمة والقصيدة والأغنية أمام سيف الجلاد· فمنذ أعدم سقراط بالسم باختياره احتراما منه للقانون، مروراً بجاليلو الذي حكمت عليه الكنيسة وعلى فكره بالإعدام لأنه جاء بنظرية فلكية تخالف تعاليمها في ذلك الزمان حول دوران الأرض والابن الروحي، ومايكوفسكي، وبابلو نيرودا الذي راح ضحية الحكم الفاشي في تشيلي، والتاريخ يسجل بأحرف حمر هذه الصفحات المؤلمة التي يلقى فيها حملة الفكر، ورواد الكلمة الجريئة مصيرهم المأساوي على أيدي الجلاوزة، وخفافيش الظلام· إن القمع الذي يتعرض له أصحاب الأقلام الشريفة يتخذ أشكالاً عدة وصوراً مختلفة من السجن والنفي والتشريد إلى قطع الأرزاق والتصفية الجسدية، وذلك خوفاً من تأثير الكلمة، والرأي الحر المستنير على الناس، ومثل هؤلاء الذين يثبتون على مبادئهم، ولا يبيعون ضمائرهم، أضحوا منارات شامخة تنير ليل الشعوب، وتمنحها الشعور بالثقة والتصميم على التحدي والأمل بمستقبل زاهر، فالمثقف الحقيقي ليس منسلخاً عن قضايا وهموم أمته، بل هو في الصميم منها، يتفاعل ويؤثر ويتأثر ، بما يجري حوله، ويحيل التفاصيل الصغيرة، ومجريات الأمور إلى قضايا إبداعية كبرى، تدفع الناس إلى مزيد من البذل والعطاء، فكم من شاعر ألهب حماس الجموع، وكم من أديب أيقظ النائمين من غفوتهم ، وكم من فنان رسم المأساة المتجذرة، وجعل من الدماء النازفة ينابيع للحرية!!· إن هؤلاء المبدعين الكبار الذين يتغنون بالأمل والإصرار والتصميم على بلوغ الهدف رغم عمق الجراح، ويكابرون على الألم، ويسطرون بدمائهم أروع الملاحم، ويشاركون شعوبهم المعاناة، هم الرموز المضيئة التي تتوهج فيها لحظات الحياة بكامل زخمها وعنفوانها وكبريائها، لأنهم بسلوكهم وتوجهاتهم يحولون وجه الوطن إلى محراب من الإيمان والطهارة، ولولاهم لاستحالت الحياة إلى مستنقع آسن، وليل مستمر وأرض خراب· إن المثقفين الحقيقيين من أولئك الذين يصنعون الحلم الرائع للبشرية، ويشيدون عالماً نقياً طاهراً متفتحاً على الحياة من خلال الكلمة واللحن والشعر والقصة والفكر والموسيقى، يتعرضون في أكثر من مكان للملاحقة والاضطهاد، ويزج بهم في غياهب السجون، لأنهم لم يقفوا متفرجين على عذابات الشعوب وأناتها الحزينة، بل حاصرتهم النيران، وهم ينادون بالأحلام الجميلة التي انبثقت من شرايين الناس العاديين وأعماقهم وأوجاعهم المزمنة· لكن بعض هؤلاء تراجع عن خط البسطاء، وابتعد عن جموع الفقراء وعشاق الوطن، والشعب الحقيقي الذي يقدم التضحيات في العديد من البلدان سواء كانت عربية أم غير عربية، وبدأ يركز على تطلعاته الذاتية ، وأوهامه الفردية، وهذا يعني التخلي عن نزعة الرفض والتمرد على الطغاة، والقبول بصورة الوطن الذي يجوع فيه الفقراء، ويتدفق على صدره دماء الضحايا، وتنتشر في أرجائه رائحة الموت الزؤام· البعض من هؤلاء أعلن توبته وندمه على الماضي، وهو يعلن بملء فيه أنه بعد انفجار الأيديولوجيات اكتشف أنه ساذج، وكأنه لا بد من استيراد العقيدة الأيديولوجية من الخارج، أو من الداخل لا فرق، وتفصيلها على مقاس الوطن حتى يقتنع أن هذا الوطن يتربص به الأعداء، ودم المواطن العربي في أكثر من أرض عربية هو في عالم المحسوس، والواقع، وأن التأثير الذاتي للمبدع في مثل هذه الحالة ينبغي أن يكون مضاعفاً من أجل حث الإنسان على البقاء، ومن أجل قيم الحياة وطموحها الذي لا ينتهي· لا بد للمبدع أن يحتفل بالحياة، وأن يبتعد عن السوداوية والخذلان، وألا يكون أول الهاربين، وأول من يفقد انتماءه في الزمن الصعب، بل هو أول من يستشهد ، وآخر من يموت·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©