11 ابريل 2009 22:06
ينهمك العم ربيع في حديث مطول مع شرطي مرور كان يحرر مخالفات في موقف السيارات، محاولاً إقناعه بعدم مخالفة السيارات الواقفة في منتصف الشارع، لكن الشرطي يعتذر بلباقة معللاً: «هذه عرقلة سير وتستحق المخالفة». فيعود العم ربيع إلى مدخل الحديقة مرددا بلهجته السودانية: «ما معقول يا أخي».
يعمل ربيع جعفر محصل تذاكر في حديقة المطار الجديد منذ عدة سنوات، لكنه منذ عامين فقط بدأ يفقد رواد حديقته بسبب موقف السيارات، يشرح الموضوع وهو يشير إلى موقف الحديقة الممتلئ: «تملأ سيارات المسافرين والعاملين بالمطار موقف الحديقة، ويأتي الزوار فلا يجدون مكاناً يصفون فيه، بعضهم يبحث لوقت طويل وينتظر أن يجد موقفاً فارغاً بالصدفة، بينما الأغلب يصفون سياراتهم خلف السيارات الواقفة وهكذا يحصلون على مخالفات مرورية».
أنشأت حديقة المطار الجديد مع افتتاح مطار أبوظبي الدولي لتخدم المناطق القريبة منه، ولعدة سنوات كانت تستقبل حوالي 700 زائر يومياً ويتضاعف العدد في عطلات نهاية الأسبوع وفي الإجازات، لكنها تعاني من عدم إقبال الناس عليها، وأحد أهم الأسباب في ذلك أزمة المواقف.
يحاول ربيع أن يشرح الموضوع بهدوء أكثر بينما يبرز الأسى في حديثه: «هذه الحديقة بيتي ولها أنتمي، أعيش هنا في غرفة صغيرة مع زوجتي، في كل يوم أقف أمام المدخل وأنظر للحديقة الجميلة متحسراً بسبب عزوف الناس عنها، كنت أبيع يومياً سبعة دفاتر تذاكر على الأقل في كل دفتر مائة تذكرة، لكني اليوم أعجز عن بيع ثلاثة دفاتر كل أسبوع، أشعر أحيانا أني بلا عمل بسبب موقف السيارات».
حاول ربيع بذل جهده لحل القضية التي يجدها شغله الشاغل كما يقول: «اشتكيت للإدارة عدة مرات، ثم أعددت تقريراً مكتوباً عن القضية لا أعرف مصيره مع توالي الإدارات، وحاولت أن أحرج نفسي بمنع بعض المسافرين الذين يأتون ليلا من إيقاف سياراتهم دون جدوى».
مواقف المعاقين مفقودة
يقطع حديث العم ربيع «هرن» سيارة تقف أمام المدخل، فيجري بسرعة إلى الباب ليبعد حواجز موضوعة تمنع الوقوف أمام الباب، بينما صوته يرتفع مرحباً بصاحبة السيارة التي تنزل لتساعد أمها المسنة على دخول الحديقة، وإخوتها الصغار يتراكضون يحملون سجادة وبعض الأكياس.
يعود ربيع إلى المدخل وهو يقول محاولا التعريف بالفتاة: «هذه المرأة من القلة الذين مازالوا يأتون كل أسبوع تقريبا، أمها سيدة مسنة تمشي بصعوبة تشبه بحالاتها كثيراً من النساء اللاتي يزرن الحديقة كل أسبوع ، فهناك نساء حوامل وأطفال صغار في عربات ورجال مسنون على مقاعد متحركة، يزورون المكان ولا يجد موصلوهم مكاناً قريباً لصف السيارات لأن الحديقة ليس فيها مواقف للمعاقين، ما اضطرني لوضع الحواجز والأقماع المرورية أمام الباب كي أفسح المجال لكبار السن والمقعدين للنزول أمام المدخل مباشرة.
زوار قلة
تلج فايزة سالم سعد من الباب، وتقف لتدفع التذاكر وعيناها تبحثان عن إخوتها في الحديقة الفسيحة، أسألها عن موقف السيارات فتعلق بسرعة: «بالفعل ( أزمة باركنات) الحديقة فارغة تقريباً، فنحن أربع أو خمس عائلات فقط، ولا نجد مكاناً لصف سياراتنا، حصلت على مخالفة قبل فترة لأني وقفت وراء إحدى السيارات المركونة، كان شكل السيارة يوحي بأن صاحبها لم يحركها منذ أسابيع، أعتقد أنه كان مسافراً لكن هذا الأمر لا يدقق عليه شرطي المرور، إنه يخالف من يصف لعدة ساعات خلف سيارات تنام في الموقف منذ أسابيع».
تبدو الحديقة خالية تقريباً إلا من بعض الأطفال الذين يجتمعون عند لعبة السيارات التصادمية متسابقين لركوبها، بينما هناك ألعاب تومض أنوارها الكهربائية ولا أحد يقف في انتظار الدخول، محصلو تذاكر الألعاب منهمكون في حديث ضاحك، والألعاب غير الكهربائية لا أحد بجوارها.
تمشي مسافة طويلة في الحديقة التي تمتد مساحتها لحوالي كيلو ونصف متر، ترى كل شيء الطيور المهاجرة، الأشجار الظليلة ، البساط الأخضر الجميل، كل شيء إلا الزوار، يبدو المكان خالياً تقريباً.
حديقة المطار تتميز بوجود شلال وبحيرة صناعية هما الوحيدان في حدائق أبوظبي لكنهما جفا أيضا للأسف بعد غياب الزوار عنهما، وفيها مساحات شاسعة للهو الأطفال ومراجيح وألعاب أخرى تعبث بها الرياح أغلب الوقت، ومصلى رجال يبعد كثيراً جداً عن أماكن وجود الناس عادة، وأشجار ربما أكملت عامها العشرين أو أكثر نحت عليها بعض العابثين حروفاً وكلمات، وبرغم هذا كله لم نصادف سوى ثلاث عائلات في المكان حتى عدنا إلى المدخل مرة أخرى .
مخالفات وحفر
في موقف السيارات يبدو الوضع سيئا بالفعل، حوالي 150 سيارة تقف في الموقف المرصوف، بينما تقف سيارات على جانب الحديقة الترابي، هناك سيارة رنج روفر تقف فوق الرصيف علقت على زجاجها مخالفة يشير تاريخها ليوم 21 فبراير الماضي، وسيارة انفينيتي تقف بوضع غريب فوق أعمال حفريات وإنشاءات، على زجاجها ورقة إنذار بوجود أعمال حفر وصيانة تطلب من السائق إزالة سيارته من المكان قبل تاريخ 17 فبراير، ولكن صاحب السيارة المسافر لم يقرأ الورقة وشركة الصيانة بدأت بأعمالها فحفرت الأرض بشكل أفقي على عمق متر ونصف تقريبا تحت هذه السيارة وواحدة أخرى.
فجأة يأتي شاب أجنبي يرتدي لباس العاملين في المطارات ليحرك سيارته من الموقف، نسأله عن الموضوع فيجيب بعد تردد: «اسمي جيمس وأعمل في المطار، خصصت لي إدارة المطار موقفا مجانيا لكنه بعيد جدا عن مكتبي، هذا المكان أقرب لي نوعاً ما فأنا أمشي حوالي كيلو متر كامل من موقف الحديقة إلى مكتبي بينما تزيد المسافة كيلومتراً آخراً إذا استعملت موقف المطار المجاني».
ويتابع جيمس وهو يضحك: «أشعر بالإحراج، أنا أستعمل مكاناً مخصصاً لغيري، لكنه الحل الوحيد، ثم أن الحديقة فارغة معظم أيام الأسبوع، وكنت أعتقد أن هذا الموضوع لا يمثل مشكلة أيام العطلات إلا أني اكتشفت الخطأ بعد أن قضت زوجتي قرابة 20 دقيقة يوم الجمعة الماضي في البحث عن موقف لسيارتها عند الحديقة»!
مثل جيمس فعل حمد عبدالله حينما ترك سيارته أسبوعاً في الموقف وسافر لدولة الكويت، يقول حمد: «أنا أسكن في العين، ومن الصعب علي أن أجد شخصاً يقلني وأسرتي للمطار ثم يعيدني منه، لذا استعملت سيارتي، وبصراحة فكرت في البداية أن أركنها داخل موقف المسافرين، لكن التعرفة غير معقولة فاخترت أن أصف سيارتي هنا لحين عودتي، ومع أني كنت أخشى من المخالفة إلا أن المخالفة أرخص بكثير من تعرفة المطار ولا تزيد عن ثمن إيجار يوم واحد في موقف المسافرين».
المصدر: أبوظبي