السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استثمِروا في الشعب الإيراني وعاقِبوا حكومته

استثمِروا في الشعب الإيراني وعاقِبوا حكومته
25 أغسطس 2007 01:34
طالما ترددت الشائعات في واشنطن خلال الآونة الأخيرة حول اعتزام الرئيس بوش على ألا يغادر منصبه دون أن يفعل شيئاً حيال إيران· بل الأكثر إثارة للقلق ما تردد عن حصول بوش سلفاً على الضوء الأخضر من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، واستصدار إذن منه بأن تفعل إسرائيل شيئاً إزاء طهران· لكن المشكلة الرئيسية لهذه الإدارة أنها تفكر عسكرياً في المقام الأول، بل ربما يكون العمل العسكري هو خيارها الوحيد في كثير من الأحيان، مما يلحق أضراراً بالغة بأميركا· ورغم أن خيار العمل العسكري ضد إيران لا يزال مفتوحاً، فإن عواقب شن هجوم عسكري عليها بالوكالة، من قبل تل أبيب، ستكون وخيمة للغاية· لكن لحسن الحظ أن الشعب الأميركي ليس راغباً في هذا· فوفقاً لاستطلاع الرأي العام الذي أجرته كل من قناة ''سي بي إس'' وصحيفة ''نيويورك تايمز'' في مارس الماضي، فإن نسبة لا تتجاوز 10% فحسب ممن شملهم الاستطلاع هي التي تؤيد فكرة المواجهة العسكرية مع طهران، في مقابل القلق الذي أبدته غالبية الشعب الأميركي إزاء تزايد اضطراب العلاقات بين بلادهم ودول العالم الإسلامي· وضمن ذلك فقد أعرب الكثيرون ممن شملهم الاستطلاع عن قلقهم إزاء الدمار الذي ألحقته حرب العراق بسمعة بلادهم على النطاق الدولي· ولذلك فمن الطبيعي أن يميل الرأي العام الأميركي إلى تجنب زيادة الطين بلة ودفع الأمور كلها نحو الأسوأ· والحقيقة أن إيران ليست كتنظيم ''القاعدة''، لكونها تتألف من مجتمع جد معقد يمزج بين نمط الحكم الديني والاتجاهات السياسية الشعبوية وجماعات سلطوية متباينة· ولعل أخطر هذه المجموعات، ''الحرس الثوري'' الذي يتألف من نخبة عسكرية نافذة وذات موارد مالية ضخمة، ويقدر لنفوذه أن يزداد أكثر مما هو عليه الآن، في حال سعي العالم لفرض عزلة دولية على طهران· وضمن هذه التقسيمات، يعتمد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على المنحى السياسي الشعبوي الجامح إلى المواجهة مع الغرب· ومما زاد هذا الجموح عند نجاد في الآونة الأخيرة بالذات، تصنيف الرئيس بوش للحرس الثوري الإيراني ضمن المنظمات الإرهابية· ونقطة الضعف الرئيسية هنا أن جموح النزعة الشعبوية هذه، لا يفعل فعله على أتم وجه، إلا حين تكون المواقف والسياسات الخارجية الغربية إزاء دول العالم الإسلامي، فاقدة لشعبيتها· وبالنسبة لعامة الشعب الإيراني، فليس أسوأ على الإطلاق في نظرهم، أكثر من تعرض بلادهم لضربة عسكرية تشنها تل أبيب، مدفوعة بالتحرشات الأميركية· هذا وقد أثبتت كل شواهد التاريخ، أن تعرض أي دولة من الدول لهجوم أجنبي عليها، عادة ما يرجح كفة الرأي العام في الدولة المعينة لصالح التيار اليميني المتشدد· لذلك فإن شارة الإرهاب هذه التي أصدرتها إدارة بوش بحق الحرس الثوري، يجب ألا تستخدم كذريعة كافية للتخلي عن شعب إيران، خاصة أن هذه الشارة تضر بالدبلوماسية الأميركية وتكبلها أكثر مما تطلق لها العنان· ولعل أفضل وسيلة لضرب عزلة كاملة على الحرس الثوري والرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد ونظامه المتزمت، هي أن يفتح الغرب ذراعيه للشعب الإيراني وأن يدعوه لإقامة علاقة مثمرة متفائلة معه· والأكثر من ذلك أن هذا هو الوقت الأنسب لإقامة علاقات صداقة كهذه بين الغرب والشعب الإيراني· والسبب أن ''نجاد'' قد فشل فشلاً ذريعاً في الوفاء بالوعود التي قطعها لشعبه إبان حملته الانتخابية الرئاسية، بينما يزداد يوماً إثر الآخر، تململ الإيرانيين وضيقهم من الانخفاض الحاد وغير المسبوق الذي شهدته نسب توزيع عائدات بلادهم النفطية· وربما هناك في واشنطن من يرد هذا التردي في مستوى معيشة المواطنين الإيرانيين إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة عليهم بقيادة الولايات المتحدة، مع ملاحظة مقاومة العديد من الدول الغربية الحليفة لواشنطن لهذا الاتجاه· ومهما يكن، فقد أثبتت التجارب السابقة أن فرض العقوبات الأحادية على دولة ما، لم يكن وسيلة ناجعة لإرغام تلك الدولة على تغيير سلوكها وسياساتها نحو الأفضل· ووفقاً لدراسة أخيرة أعدها كل من ديفيد ليكتزيان من جامعة تكساس التكنولوجية، وزميله كريستوفر سبريشر من جامعة تكساس (إيه آند إم)، فإن العقوبات الأحادية، وخلافاً لما يرجى منها، كثيراً ما تنتهي بلقاء الدولتين المتخاصمتين في ساحة الحرب والمواجهة العسكرية· فمن بين 200 حالة من الحالات التي شملتها الدراسة المذكورة، تبين ترجيح حدوث المواجهة العسكرية بنحو ست مرات إضافية، في الحالات التي تكون فيها العقوبات سارية وقت نشوب النزاع بين الدولتين المتخاصمتين، مقارنة بالحالات التي لا توجد فيها عقوبات سارية· ذلك هو التفسير الأول، أما التفسير الثاني فله صلة بسابقة فرض العقوبات الأحادية والدولية الطويلة الأمد على نظام صدام حسين السابق وغيره من الأنظمة الشبيهة· وكما رأينا فقد وقع عبء هذه العقوبات على الشعب العراقي، دون أن يتضرر منها النظام الحاكم كثيراً· وعليه فالنتيجة نفسها ستتكرر مع إيران· ويجدر بالذكر هنا أن آخر استطلاعات الرأي التي أجرتها منظمة ''نحو عالم متحرر من الإرهاب غداً''، أيدت نسبة 70% من الإيرانيين الذين شملهم الاستطلاع، أن يكون تحسين العلاقات مع العالم الغربي في مقدمة أولويات حكومة طهران، بينما رأت نسبة 29% فحسب أن تعطى تلك الأولوية لتطوير مشروعات الطاقة النووية· والأكثر إثارة للدهشة في استطلاعات الرأي هذه، أن 61% منهم أعربوا عن عدم رضاهم عن أداء حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد الحالية· وهذا ما يجب أن تستثمر فيه دبلوماسية واشنطن وتعمل على كسب ود الشعب الإيراني بناءً عليه، في ذات الوقت الذي تعزل فيه هذه الحكومة وحرسها الثوري· مارك جوبين أستاذ كرسي بجامعة جورج ماسون، ومدير مركز الأديان العالمية والدبلوماسية وحل النزاعات نائب ديمقراطي من ولاية نيويورك، وعضو لجنة العلاقات الخارجية ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©