6 فبراير 2011 20:27
يواجه المستثمرون في الدول الناشئة التي تتمتع باقتصادات قوية مخاطر عديدة جراء انتشار التضخم. لكن السؤال ما إذا كانت حكومات هذه الدول وبنوكها المركزية تبذل ما يكفي من الجهود لإخماد نيران التضخم التي أشعلها مزيج من ارتفاع أسعار السلع في بلدان عدة من العالم، والاقتصادات المحلية التي تعمل بكامل طاقتها.
ويسير التضخم في العديد من الدول الناشئة بسرعة يقترب معها من مستوى الارتفاع الكبير الذي استهدفته الجهات الرسمية. ويبدو أن إندونيسيا وتركيا ستتخلفان عن ركب محاربة التضخم ما يقود إلى المزيد من الارتفاعات في أسعار الفائدة مستقبلاً. ويعتبر ذلك بمثابة الأنباء السيئة بالنسبة لمستثمري السندات الذين يلاحظون اختفاء قيمة عائدات دخولهم الثابتة نتيجة لارتفاع معدلات التضخم.
وحتى قبل أن تتصدر المظاهرات المصرية العناوين الرئيسية في مختلف وكالات الأنباء العالمية، بدأ قلق التضخم يساور المستثمرين ليديروا ظهورهم لبعض الأسواق. وعانت صناديق الأسهم في البلدان الناشئة في الأسبوع المنتهي في 26 يناير الماضي من أكبر عمليات الانسحاب التي لم تشهدها منذ الربع الثالث في 2008. وخسر مؤشر “أم أس سي آي” للأسواق الناشئة 2% هذه السنة بالرغم من ارتفاع “داوجونز الصناعي” 2%.
وبالرغم من أن معظم التحركات في الأسواق الناشئة لم تكن كبيرة، فإنها تمثل تحولاً في المستقبل عنه في 2010 عندما كانت ثروات هذه البلدان تبشر بمستقبل أكثر إشراقاً مقارنة بالدول المتقدمة الواقعة في فخ المعاناة. ويتوخى العديد من المراقبين الحذر فيما يخص المستقبل القريب للسندات المقومة بالعملات المحلية والتي كانت من الاستثمارات الشائعة في 2010.
ونسبة لانعدام أسعار الفائدة في دول الغرب، قام المستثمرون بشراء سندات ذات فوائد مرتفعة في دول مثل إندونيسيا والهند والبرازيل. وبنمو هذه الاقتصادات أخذت النظرية في الاستمرار وزادت السلطات المالية من أسعار الفائدة التي من شأنها جذب عدد أكثر من المستثمرين ورفع قيّم العملات وزيادة العائدات.
لكن لم تسر الأمور على هذا المنوال وخير مثال لذلك إندونيسيا التي تملك واحدا من أكبر أسواق العملات المحلية في آسيا. ويذكر أنها لم تتعرض أبداً للركود إبان الأزمة المالية، لكنها خفضت أسعار الفائدة كإجراء احترازي فقط. ومنذ ذلك الوقت لم تقم الدولة برفعها بالرغم من نمو اقتصادها بنسبة 6% وبلوغ معدل التضخم ما يقارب 7% في ديسمبر الماضي مقارنة بالعام الأسبق.
وكانت إندونيسيا واحدة من الوجهات الاستثمارية المفضلة في العام الماضي، حيث ضخ المستثمرون الأجانب نحو 9,4 مليار دولار في السندات الحكومية منذ بداية عام 2010. وساعد ذلك في بلوغ أرباح السندات العشرية بالعملة المحلية نحو 7% في بداية ذلك العام. ومع ذلك، قادت مخاوف التضخم إلى عمليات بيع كلي، حيث قام المستثمرون الأجانب ببيع 1,3 مليار دولار من السندات الإندونيسية في الفترة بين 7 يناير 2011 إلى 26 منه، لتبلغ الفائدة ما يقارب 10%.
وانخفضت الأسعار في ظل ارتفاع الأرباح، وخسرت السندات التي بالعملة الإندونيسية المحلية نحو 5% من قيمتها خلال الشهر الماضي فقط. ويقول مايكل جافين رئيس إستراتيجية الأسواق الناشئة في “باركليز كابيتال” “تقدم إندونيسيا واحدة من أكثر السوابق المثيرة لقلق الدول الأخرى التي ربما تنتهي بنوكها المركزية خلف المنحنى”.
وفي الهند انخفضت الروبية 4% مقابل الدولار منذ بداية شهر نوفمبر الماضي حيث أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى بروز مخاوف التضخم. واستجاب البنك المركزي لذلك عبر جملة من زيادات أسعار الفائدة. لكن لم يخفف ذلك من مخاوف المستثمرين بعد. وانخفضت العملة مرة أخرى خلال الشهر الماضي بنحو 0,9% بجانب انخفاض الأسهم لأكثر من 10% في هذه السنة لتصبح الهند واحدة من ضمن أسوأ الأسواق أداء في العالم.
وهناك عدد قليل من البلدان مثل المكسيك التي لا يزال مستقبل التضخم يبشر فيها بالتفاؤل. لكن تتسبب البنوك المركزية في معظم المشاكل بمحاولتها تفادي زيادة أسعار الفائدة خوفاً من جذب المزيد من الأموال لبلدانها. وتدخلت العديد منها لمنع عملاتها من الصعود، حيث يمكن للعملة القوية مقاومة ضغوط التضخم. كما قامت هذه البنوك بزيادة متطلبات الاحتياطات النقدية على المصارف.
ويقول آلان جولد فاجن كبير الاقتصاديين في بنك “إيتاو” في ساو باولو البرازيلية “ليس من الواضح ما إذا كانت هذه المعايير ستعمل. والنتيجة هي زيادة المخاطر الناتجة عن بروز ظاهرة إعاقة الانتعاش في المناطق التي تطبق فيها هذه المعايير التي لم تف بالغرض المطلوب مما يستوجب تشديدها مرة أخرى”. وما يزيد الأمور تعقيداً تداعيات جهود مجلس الاحتياطي الفيدرالي بالاستمرار في ضخ الأموال في النظام المالي الأميركي. وتتحدث ناتاليا جروشينا مدير إستراتيجية الأسواق الناشئة في مؤسسة “روبيني جلوبال إيكونوميكس” المختصة بأبحاث إستراتيجيات الأسواق، عن البلدان التي تربط عملاتها بالدولار بدرجة كبيرة قائلة “في الواقع تقوم الأسواق الناشئة بجلب سياسة التيسير النقدي الأميركية في غير مكانها المناسب”.
نقلاً عن: وورلد ستريت جورنال
ترجمة: حسونة الطيب