7 فبراير 2012
ولد الهدى فالكائنات ضياء.. وفم الزمان تبسم وسناء.. بيت شعري أطلقه أمير الشعراء أحمد شوقي من قصيدة خالدة مدح بها خير البرية صلى الله عليه وسلم منذ ما يقرب من مائة عام، في ذكرى مولده، وعلى نهجه سارت قوافل الشعراء احتفاءً بمولد خير الأنام تأليفاً وإبداعاً وتقديماً لعذب الكلام، الذي يكرس القيم السامية التي جاء بها الرسول الكريم مضيئاً بها طريق البشرية.
تشجيعاً لهذه الرسالة في استشراف الأنوار المحمدية تلألأ مسرح أبوظبي الوطني أمس الأول بمجموعة من الفنانين ترنموا بأبيات من عيون الشعر العربي في يوم مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم، والإعلان عن الفائزين بجوائز البردة التي أطلقتها وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع تكريساً لهذا اليوم الخالد في تاريخ البشرية.
بدأت الأمسية مع آيات من القرآن الكريم تحث على الوحدة ونبذ الفرقة بين المسلمين، عبر فيلم تسجيلي قصير ومشهد إيماني مميز في أعماق الصحراء، لواحد من «الشيبان» مرتلاً تلك الأيات بصوت هادر ومعبر.
«ريم على القاع»
وازدانت خشبة المسرح بمجموعة من شباب الإمارات شاركوا نجوم الصف الأول من الغناء في الإمارات تقديم أنشودة «ريم على القاع» التي ألفها أيضاً أحمد شوقي واشتملت على كل معاني الثناء والمديح للرسول الأعظم، وقام بوضع الألحان لتلك القصيدة وسيم فارس، وغنّاها كل من سفير الألحان فايز السعيد وفهد الكبيسي وجاسم محمد والوسمي، حيث صعدوا على المسرح تباعاً وسط زخات من الفيوضات الروحانية التي عَمّت أرجاء المسرح في هذه الأمسية، نتيجة التمازج الجميل بين جميل الشعر وعذب الصوت ليشكلا سوياً حلقات من الترانيم والأنغام السماوية خفقت لها قلوب الحضور ودمعت العيون عند بعض مقاطعها.
بعد ذلك أعتلى منصة العرض سماحة المستشار الديني في ديوان ولي العهد، وألقى كلمة عدد فيها مآثر الرسول «صلى الله عيله وسلم»، واصفاً ميلاده بأنه ميلاد للبشرية كلها بعد عصور من الاقتتال والتنازع التي بلغت مداها في قيام حربين عالميتين في أقل من عشرة أعوام بين الفرس والروم وهو ما ذكره القرآن الكريم في قوله تعالي «غُلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين» صدق الله العظيم.
وأكد على أن الرسول الكريم هو صاحب الأخلاق المثلى في تاريخ الإنسانية، وأنه أيقظ النفوس والقيم العليا التي كادت البشرية تنساها في الفترة السابقة لبعثته الشريفة بالهداية والنور إلى الناس في كل زمان ومكان.
«خير الخلق»
وبعد كلمته التي زخرت بعظيم المعاني والدروس المستفادة من الرسالة المحمدية، صعد إلى خشبة المسرح مجموعة مختلفة الفئات العمرية، وأنشدوا قصيدة «خير الخلق» من كلمات الإمام البصيري، وقام بالتوزيع الموسيقي لها محمد صالح، حيث ارتدى أفراد المجموعة أزياءً عبرت عن شعوب العالم الإسلامي في أنحاء المعمورة، فهذا في لباس إفريقي، وذلك آسيوي، وثالث شرق أوسطي، وآخر خليجي.. وغيرها من الأنماط البشرية المختلفة التي جمعتها راية الدين الإسلامي، وقد عكست هذه اللوحة الفنية الفريدة صورة الوحدة التي ألف بها الرسول الكريم بين شعوب عديدة ذات أبعاد جغرافية ليست بالموصولة.
المفكر الإسلامي السعودي الدكتور السيد عبدالله فدعق، كان صاحب المشهد التالي عبر كلمة معبرة تناول فيها وجهتي النظر المتعارضة فيما يتعلق بالاحتفال بمولد الرسول الكريم بين مؤيد لإحياء هذه الذكرى ومعارض لها، حيث أكد على أن ذلك لا يستدعي الخلاف كون الفريقين يتشاركا في حب الرسول والرغبة في السير على نهجه والتأسي بسنته الكريمة، ولذلك ينبغي على الجميع محاولة تمثل سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، واتخاذ أخلاقه وسيرته نهجاً نسير عليه، لما فيه من صلاح ومدعاة للوحدة والالتئام بين كافة المسلمين.
ثم اتخذت الليلة طابعاً إماراتياً خالصاً مع أنشودة «المالد» والتي تمت تأديتها جلوساً مع صوت عذب رخيم في رداء من القوة المعبرة، وتشارك في غنائها كل من جاسم محمد وعلي إسماعيل وأحمد العلي بمصاحبة باقي أعضاء الفرقة الوطنية للفنون الشعبية، الذين أبهروا الحضور بما قدمه من تناغم حركي وصوتي مدهش، على الرغم من أعدادهم الكبيرة التي شكلوا من خلالها حلقات من الإبداع الحركي قل أن يحدث له نظير في مثل هذه الأمسية التي جمعت بين الشعرية والفن والروحانيات في التقاء فريد من نوعه.
أيقونة الليلة
أما أيقونة الليلة فتمثلت في كلمة الحبيب لكل من يراه ويسمعه لأنه بحق يسير على خطى الحبيب صلى الله عليه وسلم، وهو العلامة الشيخ الحبيب علي الجفري الذي ألقى كلمة مؤثرة دمعت لها عيون السامعين حين استحضر سلوكيات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسماحته ورفقه بجميع المخلوقات وأطياف البشر على اختلاف انتمائاتهم وتوجهاتهم.
وهو ما ينبغي للجميع الانتهاج به، وإشاعة الحب والسلام في ربوع الأرض ترسيخاً لرسالة الإسلام إلى البشرية.
ثم أخذ الجفري في الدعاء للمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، والذي غرس مبادئ الحب والعدل والمساواة على أرض الامارات تأسياً بالرسول الكريم، وهو ما أنتج في النهاية دولة قوية الاركان، صارت رمزاً وأنموذجاً في التعايش والمحبة وسط عالم يموج بالاختلافات والمنازعات، التي دفعت بالجفري للدعاء من خالص قلبه للأشقاء العرب في سوريا ومصر والعراق واليمن والصومال وفي كل مكان، وسط تأمين الحضور وابتهالهم إلى الله عز وجل كي يقي المسلمين والعرب شر الفتن والأهواء التي يواجهونها هذه الأيام.
وتأكيداً على دور التأسي بأخلاق الرسول الكريم في بناء التراحم بين الجميع، قرأ الجفري على مسامع الحضور رسالة مليئة بالحب والتقدير عزاء أرسلها شاب مسيحي من كردستان العراق، يعزي فيها أحد جيرانه من شيوخ المسلمين الذي توفاه الله.
واشتملت الرسالة على آيات من القرآن الكريم، وعكست تأثر الشاب المسيحي بأخلاق وسلوكيات هذا الشيخ الذي كان محبا للجميع وبادله الجميع ذلك الحب الذي منشأه التحلي بأخلاق الرسول الكريم، في نشر الحب وحسن الخلق مع جميع المخلوقات.
لأنهم جميعاً خلق الله وعبيده، ومن ثم فإن عبوديتنا لله سبحانه وتعالي وطاعتنا لنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، تفرض علينا هذا الحب ونتخذه صراطاً نمشي عليه في علاقتنا مع كل من يحيط بنا.
جائزة البردة
بعد ليلة تعددت فيها قصائد، وارتفعت مدائح تردد صداها في جنبات المسرح الوطني في قلب العاصمة الإماراتية أبوظبي، تنافس مؤدوها في خلب القلوب واستمالة الألباب، بدأ توزيع جوائز الدورة التاسعة من جائزة البردة التي أصبحت حدثا عالميا كبيرا على الأجندة الدولية في مجالات الشعر والخط العربي والزخرفة نظرا لقيمة جوائزها والمستوى الذي وصل إليه المشاركون فيها إضافة إلى عدالة لجنة التحكيم ومهنيتها في تقييم الأعمال المقدمة، فضلاً عن القيمة الكبرى لها المستمدة من ارتباطها بذكرى ميلاد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
المصدر: أبوظبي