4 فبراير 2011 20:21
تواصل البنوك العاملة في الدولة التمسك بسياسات تمويل متحفظة وحذرة العام الحالي، بحسب قراءات محللين وخبراء توقعوا أن تبقى تكلفة القروض مرتفعة ما يقلص السيولة المتوافرة لقطاعات الأعمال ويعوق نموها.
ودعا خبراء الحكومة إلى التدخل لوضع آليات تسمح بتوفير السيولة اللازمة لتمويل قطاعات الأعمال بتكلفة مقبولة، لا سيما بعد أن واجهت مصاعب كبيرة خلال العامين الماضيين، بسبب ضعف السيولة المتوافرة وارتفاع تكلفتها، وستعاني الأمر ذاته العام الحالي.
وقال محمد بيرو الرئيس التنفيذي لمصرف الهلال إن المؤشرات العامة المتوافرة حالياً لا تدل على أن العام الحالي سيشهد تغييراً كبيراً مقارنة مع عام 2010 في مستوى الحذر لدى القطاع المصرفي أو تكلفة التمويل والتسهيلات في السوق المحلية.
واتفق معه رجائي عياش المدير الإقليمي لبنك أوف نيويورك ميلون في الإمارات وعمان والكويت، الذي توقع استمرار حالة الحذر لدى القطاع المصرفي.
وبدوره، دعا الدكتور همام الشماع المستشار الاقتصادي لشركة الفجر للأوراق المالية الحكومة إلى التدخل من خلال إنشاء مؤسسة حكومية لإعادة الرهن العقاري وإعادة رهن الأسهم، مبيناً أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تساعد البنوك على العودة للتوسع في الإقراض، وأن تخفض تكلفة الاستثمار، الأمر الذي يساعد على إنعاش النشاطات الاقتصادية ويسرع في النمو وتجاوز تداعيات الأزمة المالية.
لكن عياش اعتبر أن إعادة الرهن العقاري ورهن الأسهم يمكن أن يؤديا إلى رفع مستويات الفائدة على الإقراض وزياد تكلفة التمويل.
وقال عياش إن المؤشرات لا تدعم تخلي البنوك عن سياساتها المتحفظة، مشيراً في هذا الصدد إلى إعادة هيكلة نحو 4 شركات ومجموعات استثمارية كبرى في السوق المحلية خلال الأسابيع الأولى من العام.
وتجاوزت قيمة الفوائد التي حققتها البنوك العاملة في الدولة والبالغة قيمتها 80 مليار درهم في عام 2010 نحو أربعة أضعاف قيمة التمويلات التي قدمتها البنوك لقطاعات الأعمال، البالغة قيمتها 20 مليار درهم.
ووفقاً لتقديرات خبراء مصرفيين، حققت البنوك فوائد صافية بمعدل وسطي يبلغ نحو 8% على محفظة القروض البالغة 1,037 تريليون درهم بنهاية أكتوبر الماضي وبقيمة تجاوزت 80 مليار درهم، في مقابل زيادة رصيد محفظة القروض والتسهيلات والسحب على المكشوف بنحو 20 مليار درهم فقط، خلال الفترة.
ومحصلة لإجمالي التعاملات البنكية وحركة السيولة بين البنوك وقطاعات الأعمال، تكون البنوك قد سحبت على الأقل، نحو 60 مليار درهم من السيولة المتوافرة في السوق المحلية خلال العام الماضي، بدلاً من ضخ سيولة إضافية في قطاعات الأعمال تساعدها على النمو.
وقال بيرو: “رغم تعافي السوق بشكل تدريجي، إلا أن أسعار الفائدة ستبقى مرتفعة”. وأوضح عياش أن الخروج من تداعيات الأزمة يحتاج إلى بعض الوقت، وذلك بناء على الدورة الطبيعية للحركة الاقتصادية وطبيعة تداعيات الأزمات الاقتصادية.
وتوقع الشماع أن تزداد حدة التحديات التي تواجه الشركات وقطاعات الأعمال في السوق المحلية خلال العام الجاري.
ولكن التحديات لا تقف عند صعوبات التمويل، فثمة بنوك تمارس ضغوطاً على المقترضين لا سيما المتعثرين من أجل ضمان السداد. وعن تلك الضغوط، قال محمد علي ياسين الرئيس التنفيذي لقسم الاستثمار في شركة كاب إم الاستثمارية ومقرها أبوظبي “البنوك في السوق المحلية تمارس ضغوطاً كبيرة على المدينين المتعثرين من أجل التسديد أو إعادة الجدولة بنسب فوائد جديدة أعلى بكثير من نسب الفوائد الأصلية”.
وأضاف: “البنوك تقوم بإعادة تصنيف الشركات وتضعها ضمن تصنيفات بنسب مخاطر أعلى ومن ثم تقوم برفع أسعار الفائدة عليها”.
وأشار إلى أن القطاع الخاص في الإمارات يعتمد أساساً على التسهيلات البنكية لتمويل مشاريعه ونشاطاته الاستثمارية، لكن البنوك بسبب تداعيات الأزمة توقفت عن تمويل بعض القطاعات بشكل شبه كامل مثل قطاعات العقار والمقاولات والخدمات المالية.
وأيد المحلل المالي وضاح الطه ما ذهب إليه ياسين، لافتاً إلى أن البنوك تتعامل بردة فعل على المرحلة السابقة، وأن حجم الضمانات التي تطلبها تغطي 150% من حجم القرض أو التسهيلات الممنوحة.
وكذلك، تلجأ البنوك أحياناً إلى إهمال أو عدم القبول ببعض الأصول ضمانات، والتي كانت تستخدم في السابق، بحسب الطه، ومن ضمنها الأرض الفضاء. وتفضل البنوك رهن الأصول القادرة على توليد إيرادات، لاستخدامها في حال التعثر.
وأكد الطه أن الكثير من الشركات تضطر للموافقة على دفع معدلات فوائد أعلى بكثير لإعادة جدولة ديونها للبنوك.
وقال الشماع “إذا لم تتدخل الحكومة، ستكون القطاعات الاقتصادية أمام تحديات كبيرة”.
وأكد الخبراء أن الكثير من الحكومات في دول العالم والمنطقة، تدخلت لمساعدة البنوك على ضخ السيولة وتوفير التمويل اللازم لدعم وتسريع النمو الاقتصادي.
وأشار الشماع إلى أن الدول المتقدمة مثل بريطانيا واليابان ضخت سيولة لدعم اقتصادها، كما أنه أشار إلى التجربة الأميركية، حيث قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بشراء سندات الخزينة التي تملكها البنوك، من أجل دعم السيولة فيها، الأمر الذي أسهم في سرعة انتعاش الاقتصاد الأميركي وعودة مؤشرات أسواق الأسهم إلى مستوياتها قبل الأزمة.
واتفق معه الطه الذي أكد أن تدخل الحكومة مطلوب وهو تدخل مؤقت، للمساعدة على إنعاش الاقتصاد.
وأشار إلى أن ارتفاع تكاليف الإقراض بسبب ارتفاع سعر الفائدة وارتفاع حجم الضمانات المطلوبة للبنوك كلها تشكل قيوداً على الأنشطة الاقتصادية وتبطئ عمليات التعافي من تداعيات الأزمة. ولكن ياسين لا يرى داعياً لتدخل حكومي حالياً، فقد تدخلت في السابق وقدمت دعماً مالياً مباشراً للبنوك بقيمة 70 مليار درهم، فضلاً عن تخصيص المركزي 50 ملياراً أخرى للقطاع.
وأضاف ياسين “البنوك أخذت مخصصات كافية خلال العامين الماضيين، وبالتالي الانتعاش يحتاج إلى ضخ سيولة في قطاعات الاقتصاد، عبر رفع وتيرة التمويل والإقراض وإلا فإن النمو أو التحسن في الأداء الاقتصادي لن يكون ملموساً”.
المصدر: أبوظبي