استطلاع: فاطمة عطفة - محمد عبد السميع - عصام أبو القاسم
أكد مثقفون ومبدعون وكتاب وفنانون إماراتيون أن المستقبل الثقافي في الإمارات يعد بالأمل، وبالفرح، وبالمزيد من التنوير، وتحرير العقول، والتأثير العالمي، وأن العقد الثالث من الألفية الثانية معقود بنواصيه الأمل لأنه يحمل المزيد من الرسوخ الثقافي للإمارات التي راهنت على الثقافة التنويرية، وكرست للارتقاء بها وبمفاعيلها المختلفة استراتيجيات نوعية، ومشروعات كبرى، كانت أحلاماً وصارت واقعاً يفخرون به.. وقالوا في تصريحات لـ «الاتحاد الثقافي» إنهم متفائلون بالآتي الثقافي، وأن النجاحات التي تحققت هي بشائر ودلائل على نجاحات أخرى قادمة.. وعبروا عن رؤى إنسانية عالية للوطن والعالم العربي والبشرية كلها، معربين عن أملهم في أن يكون الواقع الثقافي العربي أفضل، وأن تنهض الفنون والمسارح والسينما وتأخذ مكانتها العالمية التي تستحقها، مؤكدين أن الحال الثقافية في الإمارات مضيئة، رغم ما يمور به العالم العربي من هموم ومشكلات، وأن الثقافة في الإمارات رهان واختيار، وانحياز للجمال والإنسان والوعي وحرية التفكير والإبداع الذي يتوقعون أن يتنامى أكثر وأكثر في العشرية المقبلة.
وفي قراءتهم لما يتوقعون أن تكون عليه الثقافة في العالم كله، في ظل السيل المعلوماتي وصعود السوشيال ميديا والأبواب المفتوحة على مصاريعها، قالوا إن التحديات كبيرة، وشائكة، أمام الثقافة التي تتصل بالإنساني العميق فينا.. ولم يخفوا خوفهم عليها، بل إن بعضهم ذهب إلى أن العقد المقبل قد يشهد تراجعاً للثقافة النوعية وطغياناً لأشكال الثقافة الاستهلاكية، فيما رأى آخرون أن التغيرات التي سنراها ستكون كبيرة، وعميقة، في ظل الإقبال الهائل على الإنترنت وتوابعه، خصوصاً من الشباب.. لكن بعضهم رسم أيضاً صورة مختلفة.. إذن.. لنقرأ ما قالوا.
جاءت رؤية الكاتب الروائي علي أبو الريش للسنوات العشر المقبلة متفائلة جداً، يقول: «لا شك أن المشهد الذي تعيشه الإمارات اليوم يبشر بخير طبيعي، وهناك بارقة سوف تتسع رقعتها على تضاريس الإمارات، ومن ثم العالم، كون الإمارات الآن تقود مرحلة التنوير في هذا الكون. ونحن نشعر طبعاً بالفخر والاعتزاز بأن قيادتنا تقود المرحلة باتزان ورصانة وصدق، وهذا ما يدلل على التطور المبهر الذي تعيشه بلادنا، كما أن لدينا أيضاً التقدم في مجالات كثيرة، أهمها الوضع الاقتصادي والسياسي، ومن ثم الثقافي».
وتابع أبو الريش: «وجود مثل هذه الرؤية، يعطي الأمل الكبير والأمنيات العريضة بأن الإمارات، وعالمنا بشكل عام، سوف يشهد طبعاً شراكات مضيئة جداً في حياة العرب، رغم كل ما يتضمنه الواقع العام من هنات في بعض المجتمعات، لكن العقول النيرة قادرة على إزالة هذه المطبات التي تعترض طريق التطور».
ولأن الإمارات بدأت بالتأسيس من العقد الماضي وما قبله، وهي التي سوف تستكمل هذا التطور، يؤكد أبو الريش: الإمارات أسست خطواتها بهدوء وثقة، وهذا ما يجعلنا نثق بأن العقد القادم سيكون أكثر انبهاراً وانشراحاً، وأكثر تطوراً وتقدماً على جميع الصعد، لأن الإمارات لم تتعجل بغية حرق المراحل، وإنما سارت بخطوات متأنية وثابتة راسخة، كما أنها تركز على مبادئ الإنسان قبل كل شيء. وبالتالي عندما يتكلم قادتنا بأن الإنسان هو الأساس، فهذا منطق الطبيعة ومنطق الحياة، إذا لم نؤسس الإنسان فلا نستطيع أن نؤسس المجتمع.
شراكة سقْفُها الحب
بنَفَس شاعري تتحدث الروائية لولوة المنصوري عن العقد المقبل، تقول: أتطلع إلى التخفف من العوالق والانتباه والغفران. أتمنى ذلك لنفسي ولكافة الناس، أن ندخل في رحلة التوق للنمو والبذل الروحي الشاق مهما بلغ الخطر، ونعيش تجربة الانتباه لإشارات العقد الجديد، حيث الوعي البشري الذي بات يرتقي نحو البعد الكوني الثالث، لا بد من الانتباه لومضات الرحمة الإلهية، ولا يحدث الانتباه إلا بالتخفف ومسامحة الماضي، ثم الدخول في تجربة ملحمية مؤلمة هي الغفران. جئنا على الأرض لأجل أن نعيش بسلام، والغفران هو الباب الأول للتشارك تحت سقف العالم.
أستحضر هنا مقولة جبران خليل جبران: «كونوا كتلك الأعمدة التي تحمل السقف. لكن، فليكن كل منكم مستقلاً عن الآخر». سقفنا إذن هو الحب، نتشابه في رفعه ونتمايز عن بعضنا بابتكار طريقة الرفع الأمثل. أتطلع إلى الشغف، الالتزام، والتمتع بالتشكل الإبداعي البطيء. فما يخرج بهدوء وتركيز سيدخل بهدوء وتصميم في بؤرة الروح، غير متعلقين بأفكار التفوق والإعجاب وعدم الإعجاب. الإبداع الإنساني قدرة وطاقة لا تأتي إلا من عدم التعلق والتوقف عن البحث عن التفوق في الخارج. الإبداع موصول بالعبور المشترك نحو القمم والضفاف، وبالكرم الفكري والسماحة والتعاون. أما التنافسية، فليست إلا إيحاء اغترار بالنفس، وانزلاق رجعي نحو الأنا المركزية، تكاد أن تتنافى مع المبدأ العصري الأسمى للتشارك والعطاء.
أتمنى أن تتحرر المجتمعات وتتوقف في مراكزها ودوائرها عن التكريس لمفهوم التنافسية المضلل والخطر على الروح البشرية، واستبداله بمفهوم الانسجام والتشارك.
التحدي الأكبر: السيل المعلوماتي
تقول الكاتبة الروائية فاطمة المزروعي: عام 2020 هو رأس العقد الثالث في هذا القرن، الذي يتميز بتوهج حضاري وتطور غير مسبوق في تقنيات الاتصالات وثورة الإنترنت. ومع كل تطور يشهده العالم، فإن التحديات تتزايد والصعوبات تصبح أكثر قسوة، لكنني أجزم بأن أهم تحدٍ يعترضنا في مسيرتنا نحو الإبداع والابتكار ونحو التميز، هو الانغماس في هذا السيل المعلوماتي الذي يغطينا ويكاد يحصر اهتماماتنا، وهو بالفعل يساهم في تأخر الكثيرين وعدم نجاحهم. لذا أول تحدٍ هو التغلب على هذا الكم الهائل من المعلومات التي تصلنا كل لحظة، ولا بد من التدقيق والفرز والتعامل معها بمهارة واحترافية.
ومع إطلالة العقد الجديد، تؤكد المزروعي أن الأماني والتطلعات عظيمة ولا حدود لها، وتضيف: بإذن الله، ستواصل بلادي التطور ومسابقة أمم الأرض، وتستمر في مضمار العمل في المستقبل، وفي اللحظة نفسها نطور جهودنا النوعية في مجالات الفضاء والعلوم والطب، فضلاً عن الذكاء الاصطناعي. ولله الحمد، بوادر مثل هذه التوجهات ماثلة ولا تخطئها العين، فهي منجزات ومشاريع تقام على أرض واقع اليوم.
وختمت قائلة: أمنياتي ودعواتي لعالمنا العربي بأن يعمه السلام والمحبة والتسامح، وأن تسود لغة الحوار والتفاهم بين مختلف الشعوب والمجتمعات، وأن يحل الحب والود محل الكراهية والبغضاء.
مخاوف.. وأحلام
بدوره، يهجس الفنان الدكتور محمد يوسف بما تفكر به المزروعي، يقول: إن من أبرز التحديات التي تواجه الفن الإماراتي، هذه الموجة الإلكترونية التي توشك أن تطغى على كل شيء. نتطلع أن تحافظ الاستراتيجية الثقافية، خلال السنوات العشر المقبلة، على المكتسبات التي تحققت، فلا بد لفننا أن يعبِّر عن هويتنا ويحاور جذورنا من دون انكفاء، ولكن أيضاً من دون ذوبان في ثقافة الآخر، وفي تقديري أن هذه المشكلة لا يمكن تخطيها من دون مضاعفة الاهتمام بالبحث الفني الأكاديمي، ودعم الأنشطة والمناسبات الفنية، التي تبرز الخصوصية الثقافية لمجتمعنا، وتحتفي برموزنا، ولكن من دون انغلاق كامل، إنما بالاستفادة من منجزات العصر والثقافات الأخرى. مما أخافه أيضاً في مشهد السنوات القادمة، أن تسود النزعة التجارية في الساحة الفنية، خاصة وسط أصحاب الصالات، التي صارت تركز على الربح، أكثر من القيم الفكرية والجمالية للعمل الفني. ومما نحتاجه أيضاً، أن يفسح الطريق أمام تجاربنا الفنية، حتى تتواجد في الفضاءات العامة فالاستديوهات والغاليرهات غير معروفة سوى للنخبة والجمهور الواسع، يتواجد في الشارع والأسواق. ومما أتمنى أن يتحقق: زيادة مصادر ومنابر التعليم الفني، العمل على خلق التيارات والاتجاهات الفنية المتنوعة والمتعددة، وهذا يتأتى بعدم قصر الفرص على أسماء فنية محددة، والانفتاح على الجميع.
زحف رقمي
حول رؤيته وتطلعاته للعقد الجديد يقول الروائي والكاتب سعيد البادي: سياسياً، لا أعتقد أن الأوضاع ستتغير كثيراً. لكن ربما حان الوقت لتخمد الحرائق وتنطفئ نيران الحرب، وتهنأ شعوب المنطقة بشيء من الاستقرار والأمن. أما تكنولوجياً، فأعتقد أن العالم سيشهد طفرة كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، وكالعادة ستكون الإمارات من الدول الرائدة في هذا المجال. سيشهد الإعلام التقليدي تراجعاً أكبر خلال العقد القادم، وتسيطر وسائل الاتصال الاجتماعي على نقل الأخبار والمعلومات، وسوف تضطر وسائل الإعلام التقليدي إلى التحول شيئاً فشيئاً إلى الإعلام الاجتماعي من أجل البقاء، والصحف قد تتحول إلى نسخ رقمية، بالإضافة إلى منصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
أما محلياً، فإن الإمارات ماضية في تحقيق مزيد من الإنجازات وتستعد للانطلاق نحو المريخ، ونحو مستقبل مشرق وزاهر، بفضل قيادتها الرشيدة التي لا تألو جهداً وتضع نصب عينيها التميز في كل المجالات. أما في مجال الثقافة، فأعتقد أن الدولة ستحافظ على هذا الزخم الثقافي والفكري، لأن أبوظبي تسير بخطى حثيثة لإنجاز متحف جوجنهايم ومتحف زايد، وهما إضافة نوعية للساحة الثقافية في الدولة وفي المنطقة، وتسعى دبي للتحول إلى منطقة ثقافية جاذبة.
الإمارات.. نقطة مضيئة
ترى الكاتبة مريم الساعدي أن العالم يبدو متجهاً بشكل أكثر تركيزاً نحو فكرة الإنجاز. لم يعد أحد ينتظر أحداً. يبدو أن الجميع - في المجمل - قد تعلم درسه. الحياة قصيرة تجري بشكل لاهث نحو تحقيق الوجود على مستوى فردي وأممي. الأفكار الشمولية التي تعرقل التقدم لم يعد لها ذات الصدى القديم، سقطت أقنعة كثيرة وانزاحت طبقات كانت تحجب الرؤية، استنارت البصيرة بشكل يسهم في القبض على جوهر الأشياء. العبارات الفضفاضة وما لا يؤدي لنتيجة ملموسة تلاشى إلى الظل، لا مكان لأنماط كهذه في العالم الجديد، ومن لا يقدر على التأقلم ينزوي. صوت التعصب كان صارخاً في العقد الأخير، لذلك يميل العالم بأطيافه لاحتضان فكرة السلام المطلق بكل السبل الممكنة. احترقت الحديقة (اليقينيات المختلفة) ولم يعد هناك مكان لحرقٍ جديد، لا بد من استثمار الرماد لتخصيب الأرض وحرثها بورد السلام. لم يعد أحد يصدق أي صوت ينادي بالإقصاء. الإنسانية تتضافر، لكن معركة الجهل مستمرة. إزاحة الغشاوة عن عقول الجماهير الغفيرة تحتاج لسياسات ورؤى استراتيجية متمكنة وجادة بصدق. لا مكان للمحاولات التقليدية المهلهلة.
على المستوى المحلي، تحقق الإمارات نموذجاً مثالياً في خضم منطقة تموج بالصراعات.. التحديات كبيرة، لكنها تبقى نقطة مضيئة ومثالاً حياً على الممكن في أرض المستحيل.
المواطن الإماراتي العالمي
تنظر الكاتبة والناقدة الدكتورة مريم الهاشمي بإيجابية للعقد المقبل، تقول: من هذا الجزء من العالم العربي، ودولة الإمارات تحديداً، لا يسعنا إلا أن نطلق العنان للتفاؤل وإرسال رسائل إيجابية لأنفسنا ولإخواننا في أرجاء الوطن العربي وللعالم أجمع، ولكن نشد أكثر على يد الوطن العربي، في محاولة لجبر كسره، وندعو لخطاه السياسية أن ترجع عن تخبطها، علنا نجتمع كلنا في استقبال العقد الجديد برؤية تحمل سلاماً ورحمة لكل العالمين.
وعلى المستوى الثقافي، فإيماننا كبير بتقاليد الدولة في السير بمنحى التغيير الحقيقي والذي يصب في حضارة الإنسان، وأرى من الآن نهضة تحمل صفات واضحة قوية ومتزنة، في سبيل الوصول لصفات «المواطن الإماراتي العالمي»، والذي سيتمكن من إيجاد توازن عادل بين الثبات والتحول لترسيخ الأعراف الطيبة وتثبيتها لأجيال قادمة. وحين نذكر العقد الجديد، فإننا نخاطب الزمن الذي يعد أحد العوامل الأكثر تأثيراً ونشاطاً، فهو يمثل المولد الحقيقي الذي بنى الجبال من حبات الرمل، ورفع مستوى الكرامة الإنسانية عبر الأزمان الجيولوجية، ومع الزمن نقدر أن نطبخ عاداتنا ومعتقداتنا ورؤانا القادمة على نار هادئة، لنضرب بها الجذور عميقاً، وعندما تزهر يكون الزمن قد هيأ المجال لتفتحها، والدليل ما نجده اليوم، فهو لم يكن سوى بذرة وضعت منذ أكثر من أربعين عاماً، مع استمرار سقيه على مر السنين. ونحظى بتلك الميزة المتفردة لقادتنا الذين يملكون قوة بث الإيمان بعمل ما، أو بشخص ما، أو بفكرة ما، إلى جانب وجود المؤسسات الثقافية في الدولة لتعمل مع غيرها من المؤسسات التي تلبي حاجات المجتمع، وهي في تغير مستمر، والتغير هي الحقيقة الثابتة لمنع الركود، وعلى المستوى الشخصي أطمح لبزوغ الفكر الفلسفي من هذه الأرض ومن قلم يسطع بيننا، فبيننا الشاعر والكاتب والروائي والقاص والناقد، وكلهم بحاجة إلى فكر فلسفي لتُطرح معه تساؤلات كل من يمتهن صفة القلم.
أسئلة برسم المستقبل
يقول الدكتور محمد حمدان بن جرش، الأمين العام لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات: الثقافة الإماراتية طرحت أسئلة محورية تتصل بمستقبل الثقافة وأفقها المنظور، اعتماداً على ما راكمته من منجز إبداعي على مر عقود حافلة بالبناء والتميز. ويحيلنا استقراء الواقع الثقافي المحلي إلى عينات ونماذج مِن تلك الأسئلة التي تلامس عمق الثقافة، وتستشرف مستقبلها ضمن رؤية واضحة وسياسة متكاملة، تسعى إلى التوفيق والموازنة بين الأهداف والوسائل والأدوات المتاحة، من أجل استيعاب الكم الثقافي المنجز، وتكوين جيل قادر على قراءته واستيعاب مضمونه، والتفاعل مع خطابه بما ينسجم مع الخطة العامة للنهوض الثقافي، التي تتبناها مؤسسات الدولة الثقافية.
يتصدر جملة الأسئلة، سؤال محوري مفاده: هل هناك توازن وتناسب بين التراكم الثقافي ومستوى القراءة والاستهلاك؟ لتتواتر من صلبه تساؤلات ملحة، أهمها: ما مدى حضور وتأثير النقد الثقافي والأدبي في تنقيح الأعمال الإبداعية وإبراز الأهم والأفضل منها؟ هل يتبنى المبدع المراجعات التي تدفعه إلى الإبداع بنفس عميق وقوي؟ ما الذي يعيق المبدع عن العمل والإنتاج؟ وهل يحمل في ثنايا تجربته مشروعاً ثقافياً وفكرياً للارتقاء والنهوض بالثقافة المحلية؟ وما مدى قدرة إنتاجه وقابليته للتجدد والتجديد؟
نتحاور مع الآخر
تمتلك الشاعرة الهنوف محمد، نائب رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، رؤية تقول إنها «إيجابية تجاه العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين»، وتضيف: أتطلع إلى أن يشارك الشباب بشكل إيجابي ومتفهم في رفع الوعي الثقافي والأدبي الإماراتي، على الصعيد العربي والعالمي.. ورؤيتي واضحة تجاه الخط الثقافي الإماراتي الصاعد نحو العالمية. والجميل أننا نتحاور مع الآخر من القمة.
رواج لأشكال التعبير
يقول الشاعر الإماراتي بطي المظلوم، مدير مجلس الحيرة الأدبي: ستزداد عذابات الشاعر، والمثقف عموماً، خصوصاً حين تتنازع عليه ذاته والذّات الجمعيّة، بوصفه ضميراً لوطن وقوميّة وإنسانيّة يدافع عنها من خلال الشعر، وأعتقد أنّ العشريّة الثالثة لهذه الألفية ستشهد نوعاً من رواج الثقافة والفكر والأدب والفن في التعبير عن قضايا الشعوب ومصائر الضحايا، وستستمر الاصطفافات الإقليمية، بما فيها من تناقضات، نحتاج نحن معها إلى أن نعمّق من مشتركات الوجود العربي، وأن تكون الذات العربية حاضرة في خطابنا، اعتماداً على تاريخنا الواحد، ولساننا الواحد، وثقافتنا التي تجمع كلّ أقطار الوطن العربيّ، استناداً إلى أنّ الثقافة - بمفهومها الفكري والإبداعي - لها دور كبير حين تكون السياسة عامل تفريق.
أتطلّع إلى أن تزداد مساحة الوعي المجتمعي، وأن يتحرر العقل العربي مما جُبل عليه من رواسب تجعله عامل تهديد للكيانات العربيّة، وأن تتفهّم القيادات العربيّة الدور المنوط بها لتعزيز الأمن المجتمعي وخدمة شعوبها وتوحيد جهودها، في عالم بات يشتغل على التفاصيل الثقافيّة الدقيقة لشرخ المجتمعات من داخلها، وأتمنّى أن يكون الولاء للهوية الأم، بعيداً عن ارتدادات العُصب والمذهبيّات، لأنّ الدولة هي الضّامن الحقيقي للوفاء بالتزامات العقد الضمني بينها وبين مكوّناتها الثقافيّة، بما تحمله هذه المكوّنات من تراث متنوّع هو عامل غنى وليس عامل فرقة واضطراب.
وأرنو إلى أن يتسع مدى الرؤية للنخب الثقافيّة، وأن يكون في كلّ بلدان العروبة أكثر من «زرقاء يمامة»، لمعرفة الأخطار التي تهددنا في فُرقتنا والتقليل من شأننا كأمّة عريقة ذات تاريخ مجيد، لأنّ إيمان الإنسان العربيّ بقيمته وسعيه للحفاظ على وطنه وتأكيد وجوده الإنسانيّ، هو الحصن الحصين أمام عاتيات الأحداث وأنواء ما يستجد، وفي أثناء هذا الفهم آمل أن يغرّد الشاعر بكلّ طاقته في سماء الحب والوطن والإنسان.
استمرار التقدم
وتؤكد الكاتبة موزة عوض أن كل ما يهم المستقبل والعالم والكون بيد الله وحده سبحانه، هو من يُغير التطلعات التي قد نرسمها أو قد نكتبها، وتضيف: ربما يبدو التنبؤ بما يحمل العقد المقبل صعباً لنا كبشر، والرؤية الحقيقية المستقبلية قد لا تبدو واضحة كلياً لنا، وما أستطيع إيجازه أن القرن الواحد والعشرين قد يختلف كلياً عن حاضرنا، وأقصد أواخر القرن العشرين. ومن يدري، قد يبقى كل شيء على ما هو إلا في بعض جوانب التحديات القادمة للتطوير الاقتصادي والفكري والمهني والاجتماعي أيضاً. ما أراه مهماً أن يتطور الجانب الإنساني بشكل أكثر إيجابية وقدرة على التركيز، بل ما أتمناه لنا كبشر، أن يكون الفكر العربي قادراً على أن يستوعب الكثير من التغييرات الاقتصادية والاجتماعية، فالرؤية والتطلعات للعقد المقبل تنحصر في عقل الإنسان نفسه، وكل ما أرجوه أن تتغير حال الأمة العربية إلى الأفضل، بدلاً من أن تسوء وتتدهور في حال عدم الاستقرار الفكري.
ويأمل الفنان ناصر نصر الله، أن تواصل الحركة التشكيلية الإماراتية نشاطها، وتحقق المزيد من النجاحات على الصعيدين المحلي والدولي، ويقول: بصفة خاصة، أتمنى أن يجد طلاب كلية الفنون من يأخذ بيدهم، ليندمجوا في المجتمع الفني العام ويبرزوا حضورهم، وهو أمر يحتاج لتضافر وتعاون من المؤسسات الفنية الرسمية وكذلك من الفنانين، ومن بين ما أتطلع إليه أن تتزايد المعارض الخاصة بالفنانين لا المعارض، التي تقيمها المؤسسات الحكومية فحسب، وفي إطار هذه المعارض الخاصة نحلم بأعمال فنية تنتج في إطار مشاريع ورؤى للتفاعل والتواصل مع الناس العاديين في الشارع، أو خارج النطاق الضيق للاستديوهات والغاليرهات، ولعل من الأشياء التي ننتظرها خلال العقد القادم الإصدارات الفنية المتخصصة، ولا أقصد الإصدارات التي تنقل أو تغطي الأنشطة التشكيلية، ولكن تلك التي تكون هي في حد ذاتها بمثابة عمل فني.
عناية أكثر بالشباب
ويقول الفنان ناصر عبد الله: بدايةً، لا بد من الإشارة إلى أن الفنون البصرية كانت هي المتسيّدة خلال العقد المنقضي، وتحتل صدارة المشهد مقارنة بغيرها من أشكال الفنون، وربما كان السبب وراء ذلك، انسجام هذه الفنون وتناغمها مع التوجه المنفتح على ثقافات العالم في دولة الإمارات، على أن كل هذا الاهتمام بالفنون أثر في حيوية الفنانين المحليين، وأدخلهم في ما يشبه حالة «الاسترخاء»، باعتبار أن الفرص والإمكانيات متاحة، وافتقدنا الجهود الفردية، وصار كل ما يُنتج يصدر عن المؤسسات الرسمية لا من الفنان كذات فردية، وما أتمناه هو أن نشهد في الأعوام المقبلة حضوراً أكثر حرارةً للفنان المحلي في المجتمع، عبر المبادرات والمشاريع الخاصة التي تعكس تفاعله مع الحياة من حوله. كما أتطلع إلى الاهتمام بتجربة الشباب خاصة الذين تدفع به كلية الفنون، لا بد من وضع خطة فاعلة لإدماجهم في الساحة.
ديناميكية مسرحية أكبر ودعم للفرق وأن يلتقي المسرح بجمهوره
علاء النعيمي
يعتبر المخرج والممثل المسرحي علاء النعيمي أن الساحة المسرحية ما كان لها أن تتطور على هذا النحو خلال العقود الثلاثة الماضية ويصل صداها لكل دول الخليج لولا دعم صاحب السمو حاكم الشارقة، مع ذلك، يضيف النعيمي، فإن تطور المسرح لو أردنا مقارنته بالأنشطة الثقافية الأخرى في الدولة كالتشكيل والأدب سنجدها أكثر تطوراً وتقدماً مقارنة بالمسرح. أتمنى أن نشهد في السنوات العشر المقبلة ديناميكية مسرحية أكبر، وهذا يمكن أن يتحقق بدعم الفرق وتنويع وزيادة المهرجانات بحيث تغطي جميع مدن الدولة. صحيح هناك مهرجانات مسرحية في الشارقة ولكن ما آمله هو أن تغطي هذه المهرجانات المسرحية بقية مدن الدولة لكي تصل المسرح بجمهوره، وأرجو أيضاً أن لا تقتصر هذه المهرجانات على مسرح النخبة إنما تكون للجمهور بشكل عام.
عناية أكبر بالمسرح ليقوم بدوره في المجتمع
عبد الله صالح
الممثل والكاتب والمخرج المسرحي عبد الله صالح، يؤكد أن ما يقدمه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ينعكس وسوف ينعكس إيجابياً في المستقبل على تطور المسرح وازدهاره، ويتمنى أن يجد المسرح عناية أكبر في العقد المقبل، ويتطلع إلى أن تجد الفرق المسرحية في جميع الإمارات المزيد من الدعم المادي من قبل الهيئات الثقافية والمؤسسات لكي نستطيع أن نبتكر وننجز مشاريع فنية مهمة ومؤثرة، ذلك أن ما تقدمه وزارة الثقافة وتنمية المعرفة للفرق بالكاد يغطي النفقات الإدارية ولا يسمح بإقامة أي مشروع. ولقد أدى تراجع الدعم الموجه للنشاط المسرحي في بعض الإمارات إلى أن نشعر باليأس وبعضنا توجه إلى الدراما التلفزيونية وترك المسرح، ما نتمناه هو أن نجد الدعم المالي في السنوات القادمة حتى نستطيع أن نقوم بدورنا في دعم ونهضة المجتمع.