الجمعة 25 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 34 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أضداد لغة الضاد

أضداد لغة الضاد
27 ديسمبر 2012
في الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام، تحتفل عديد المؤسسات والهيئات ووزارات الثقافة على المستوى العربي، باليوم العالمي للغة العربية، حيث تقرر الاحتفال بلغة الضاد في هذا اليوم بالذات، كونه اليوم الذي صدر فيه القرار رقم (3190) للجمعية العامة للأمم المتحدة، وأدخلت بموجبه اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية، ولغات العمل في الأمم المتحدة، وهذا في الواقع أمر مهم جدا إن نظرنا إليه من جانب فكري ثقافي على الأقل، لما يحققه من مكانة رفيعة لهذه اللغة، التي هي في الأصل لغة القرآن العظيم، فهي بذلك تحمل قدسيتها وقيمتها اللغوية والفكرية والإنسانية.. ولكن من أسف أن مثل هذه المناسبة تمر علينا مرور الكرام إلا من احتفالات بسيطة تقيمها بعض وزارات الثقافة في الوطن العربي على استحياء وخجل. يمر اليوم العالمي للاحتفاء باللغة العربية والذي تنظمه الهيئة العامة للأمم المتحدة عادة في الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام دون ضجيج. أما أهمية هذه المناسبة فلا تتأتى من كونها اعترافا واحتراما للغة الضاد.. وإنما لتوقظ فينا ذلك الحنين إلى لغتنا الأم، يوم إن كانت حال لسان أبنائها وذلك الهاجس حول ما تواجهه هذه اللغة من حروب وتداعيات وهجمات فكرية من جانب صناع العولمة بقصد تهميشها وإزاحتها عن دورها الحقيقي في المواجهة وتأكيد الهوية والذات والشخصية العربية الإسلامية. وفي هذا السياق يقول الدكتور محمد إسماعيل عبد الهادي في مقالة له بعنوان “دعاة العامية يفشلون في الكيد للفصحى”: “ولا ننسى على الدوام أن لغتنا العربية ما زالت تتعرض لمحاولات مشبوهة تهدف إلى النيل منها ودثرها بركام من اللهجات العامية. أحمد علي البحيري كان الاستعمار بأدواته المختلفة أساس هذه المحاولات والمحرض عليها.. لكن بقيت لغتنا العربية صامدة في وجه الريح والعواصف وبقي القرآن الكريم خير حافظ لها. ولقد امتازت هذه اللغة عن غيرها من لغات البشر بحكم ظروف تاريخية وخصائص لغوية ذاتية جعلتها تنجح في التعبير عن شخصية الأمة وقد تراءت في شخصيتنا عبر العصور ولخص تاريخها تاريخنا بكل صدق وقوة وموضوعية”. القضية إذن ملفتة للانتباه كونها قضية جيل بأكمله، وقضية لغة بدأ بعض أبنائها بالتخلي عنها مما يقلل من هيبتها وجلالها.. وهي صاحبة الدور التاريخي في حمل الهداية الإلهية بالقرآن الكريم، ثم حمل الحضارة العربية الإسلامية بل والحضارة الإنسانية إلى العالم عن طريق الترجمة والتأليف والانتشار الذي رعته وتبنته الدولة الإسلامية، وهي اليوم واحدة من اللغات الست في هيئة الأمم المتحدة مع الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية.. فهي لغة الحضارة بكل معانيها وتجلياتها.. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: أين نحن من لغتنا؟ ولم يريدون اغتيالها في وضح النهار؟ وهل هي محاولة أخرى مستميتة من رعاة العولمة لتدمير هذه اللغة التي ينطق بها ملايين العرب والمسلمين في أرجاء العالم كله؟ هو سؤال من بين مئات الأسئلة التي تحاصرنا وما زالت إجاباتها معلقة إلى إشعار آخر! جائزة إماراتية قديما لم تسلم العربية من محاولات إزاحتها وطمس معالمها من خلال أحقاد الاستعمار الغربي، الذي أراد استبدالها بالفرنسية أو الإيطالية أو الإنجليزية، ولم تنجح تلك المحاولات حتى بعد الجهد المركز والمكثف لمدة طويلة على نحو ما حدث للعربية في بلد المليون شهيد الجزائر.. وكان من أهم أسباب ذلك هو ثبات الناس على هويتهم على الرغم من تعلمهم لغة الاستعمار الفرنسية، تسهيلا لأمور حياتهم ليس إلا. وبرغم ذلك فان تلك المحاولات الخبيثة لم تتوقف حتى يومنا هذا وأيضا فإن المحاولات العربية الجادة من بعض البلدان لم تتوقف على صعيد المواجهة، وكانت العبرة بثبات ويقظة أهل اللغة وأصحاب القرار نحو لغتهم على نحو المبادرة التي قامت بها دولة الإمارات العربية المتحدة قبل سنوات بإطلاق برنامج المحافظة على العربية، وتوج المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” تلك المبادرة بتقديم جائزة باسمه للمجتمعات التي تحافظ على تراثها اللغوي من الاندثار أو التهميش، حيث تتعرض العديد من اللغات الضعيفة اليوم إلى التآكل والإهمال مثل الاسكتلندية القديمة ولغة هايدا في كندا وسؤامي في السويد وكاندوسوم في ماليزيا وشار دار في الهند، وغيرها من اللغات التي تتضمن معان ومفاهيم ثرية. العربية المنفتحة العربية إذن ومنذ عهود بعيدة وهي عرضة لسطو وهجمة لغات أخرى.. ومن قبيل الاستطراد نسأل: هل تورطت العربية في تاريخها الطويل في وأد أي لغة من اللغات؟ أما الإجابة فتبدو بالاستقراء الدقيق، أن العربية لم تتورط ولم تتجاهل أي لغة أو دين أو عرق، حتى أنها لم تمنع أيا من اللغات الأخرى من التطور، فقد أفادت مثلا من الفارسية القديمة، وترجمت بعضا من آثارها القيمة في شتى مناحي العلوم والإبداع.. وقد تداخلت العديد من اللغات مع العربية مثل الكردية التي تعايشت معها، بل وأفادت منها، ولم تعمل العربية على إذابتها أو تهميشها، وما زالت الكردية هي اللغة الثانية في العراق حتى يومنا هذا. وغير ذلك من أمثلة كثيرة مثل اللغة السواحلية في شمال أفريقيا والهوسة في نيجيريا والقبطية في مصر وكانت لغة الدواوين لقرنين من الزمان. وبهذا يمكن القول أن العربية هي خارج قرار اليونسكو الذي اعتبر يوم الحادي والعشرين من فبراير من كل عام يوما عالميا لحماية اللغات الأصلية الموجودة في كل دولة.. حيث تشتد المطالبة بحماية أكثر من 6000 لغة تتعرض إلى التهميش والاندثار وطمس المعالم من جانب بعض اللغات أو الدول القوية المتسلطة. ومن هنا يمكن التأكيد على أن العربية لم تتعرض أو تتعد على أية لغة، لوثوقها من مكانتها وإمكانياتها كونها لغة ديمومة وازدهار وتتمتع بخصوصية وبعد إنساني يحترم كل ثقافة ولغة دون تحيز أو تعصب مقيت. ومع كل ذلك فان العربية في تاريخها الطويل المرير لم تسلم من حروب الإضعاف والتهميش.. وما زالت إلى اليوم تواجه التحديات لاعتبارات تخرج كثيرا عن دائرة التنافس الشريف، إلى دوائر غير بريئة وتخفي وراءها الكثير من الأحقاد الدفينة. حروب على العربية وفي هذا الصدد يقول الدكتور ناصر الدين الأسد، وهو واحد من الرواد العظام في مجال الدراسات الأدبية والنقدية واللغوية في العالم العربي والحائز على جائزة الملك فيصل العالمية وجائزة سلطان العويس: “أول الحروب التي واجهتها العربية انصبت على رسمها وشكل حروفها، وكانت اللعبة في استبدال الحرف العربي بالحرف اللاتيني، لكن الأخير سقط على أسوار الحرف العربي لأنه لم يقوى على حمل العربية بقوتها وامتلائها بمعاني الجماليات والرمزيات والتركيبات الكثيرة التي تقوم عليها عبر خصائصها الذاتية من اشتقاق وإبدال وإقلاب ومجاز وتعاقب ونقل ووضع وإقراض واقتراض وتعريب ومقومات أخرى كثيرة. أما اللعبة الثانية فأرادت الوقيعة بين الفصيحة والعامية الدارجة، وحاول البعض خلق لغة وسطية أو ثالثة.. ومن الغريب أن نرى بعض المستشرقين والكتاب العرب وقد تبنوا مثل هذه الحملة التي فشلت أيضا وسقطت تحت كبرياء الفصيحة وفخامتها”. ومن جانبه يوضح الدكتور محمود علي الكردي أستاذ الأدب الشعبي في جامعة القاهرة: “إن حروب الاستعمار ضد العربية كانت أشد وحشية وخشونة، فهل نستطيع نسيان الاستعمار الإيطالي في ليبيا ومحاولته فرض لغته على الشباب الليبي وكيف حاول الفرنسيون إحلال الفرنسية أمام العربية في الجزائر؟ لكن هذه الحرب لم تنجح أيضا وبقيت العربية برسمها القرآني وفية لمتطلبات الأمة والعلم والأدب والإبداع وكل مناحي الحضارة والحياة. أما ما نراه اليوم من حملات تشكيك، ومحاولات تخفيف الدور الذي تلعبه العربية من خلال التدخل في المناهج التدريسية والتعليمية يعد أخطر وقعا على هذه اللغة وأبنائها من الجيل الجديد الذي أصبح في وضع لا يحسد عليه لا سيما بعد ظهور اصطلاح الإرهاب وسيطرته على الفعل الإنساني في العالم”. ويضيف الكردي: “اليوم وكما نرى فلا شك أن العربية تتعرض لزحف خفي من جانب (العولمة) التي تسعى جاهدة للإطاحة بهذه اللغة الحية الجميلة، ونعلم أن الحملة الجديدة تتخفى وتبرز أنيابها من خلال التعاملات الاقتصادية. ومثالا لذلك ما نشاهده في بعض البنوك والفنادق والمراسلات وكيف يحاولون إحلال الإنجليزية مكان العربية وتطبيقا لذلك فإن كوادر العمالة التي يتم الاستعانة بها في منطقة الخليج العربي على سبيل المثال تلعب دورا خفيا لفرض لغات ولهجات غريبة تؤثر سلبا على أداء العربية. هذا إلى جانب ما نراه في بعض الجامعات الخاصة والكليات التي تشترط التدريس بالإنجليزية على حساب العربية، إلى ذلك فإن بعض المعاهد والجامعات تصر على التعامل مع الموضوعات العلمية وأبحاث الطلبة باللغة الأجنبية، وما يعكسه ذلك على أجيالنا الجدية المبتعدة عن لغتها الأصلية قسرا؟”. ونستثني هنا (جامعة الإمارات العربية المتحدة، وبعض الجامعات العربية الأخرى) التي ما زالت قابضة على العربية ومكانتها في كافة برامجها وتوجهاتها ومشاريعها البحثية والتدريسية ونقول: علينا التفكير جديا بتعريب المصطلحات حتى نزيل العقبات التي تتعرض لها اللغة العربية في تطوير التعليم، حينئذ سنجد أن هذا هو الأساس على المستوى العربي، حيث لا يسعى المفكرين والمستشرقين في المؤسسات الأجنبية المعنية إلا التعامل مع دلائل المصلحات العربية لينعكس إيجابيا على وضع لغتنا عالميا. وهنا لا بد من ذكر أن الكثير من المصطلحات الأجنبية هي ذات أصول عربية ومن السهل استرجاعها إلى أصولها العربية من خلال عملية تعريب المصطلح على اعتبار أن المجال العلمي والبحثي مرن ومفتوح ولا بد من بدائل على الدوام لكي ندافع عن لغتنا ونؤمن لها الحماية الضرورية مما يسهل معه التأثير في جامعاتنا ومدارسنا وطلبتنا وتوجههم نحو لغتهم ضمن منظومة صحيحة من الاستخدام والتعبير. مع العولمة.. وضدها من هنا نستكشف حجة بعض المتخفين وراء العولمة من أن العربية غير قادرة على احتواء العلوم المعاصرة والاصطلاحات الجديدة التي تتطور كثيرا لا سيما في مجالات تدريس العلوم والطب وغيرها، وبالطبع فإن هذه الحجة باهتة، ونعرف كم أسهمت العربية في نشر العديد من كتب العلوم والطب وعلوم الدواء وغيرها وكيف أفادت حضارة أوروبا من ذلك، ونعرف في ذات الوقت أن ذلك جزء من حرب تقودها جهات تحقد على العربية وأهلها، كون هذه اللغة تحمل من الموروثات والأبعاد الحضارية الكثير مما يربط الناس بتاريخهم وحضارتهم ورسالتهم في بناء العالم. وهنا من المهم الإشارة إلى أن العرب وصلوا إلى قمة مجدهم الأدبي في القرن العاشر. والمتتبع لحركة الترجمة عند العرب يعرف أن الكثير من تراث الأمم السابقة على العرب ترجم في القرنين السابع والثامن بواسطة السريان عن طريق السريانية أول الأمر ثم بعد ذلك عن طريق اليونانية مباشرة. وبعد أن استقر الإسلام في البلاد المفتوحة أخذ العرب بتعلم اللغات الأجنبية حتى استطاعوا هم ومن اعتنق الإسلام نقل الكثير من آثار اليونان إلى اللغة العربية. وهكذا بدأت الترجمة في أيام الأمويين ونشطت في العصر العباسي وتميزت حركة الترجمة في ذلك العهد بترجمة كتب الطب والفلك والرياضيات والفلسفة والمنطق ويكفي أن نذكر من أشهر المترجمين: سنان بن ثابت بن قرة وأبو متى بن يوسف القنائي مترجم كتاب “فن الشعر” لأرسطو. وكل ذلك يعني أن العربية في كافة مراحلها لم تتخذ موقفا رافضا حتى من ترجمة الأدب الأجنبي.. وما زالت حتى وقتنا هذا لغة متداخلة وحية ومتوازنة لخدمة التراث الإنساني بشكل عام. كونها اللغة التي فتحت صدرها لتراث الإنسان الخالد ومعارف البشرية، كما اتسعت لمقومات الأمة الإسلامية التي شرقت بالحضارة وغربت وانصهرت في بوتقتها الحضارة الفارسية واليونانية وأصبحت لغة العلم والمعرفة كما كانت لغة الأدب البارع والفن الرفيع منذ الفتح الإسلامي. لغة قادرة وفي هذا السياق يقول المؤرخ العربي الدكتور الراحل نقولا زيادة: “من المهم أن نعلم أن الإسلام قد سمح للمترجمين أن يترجموا كثيرا من الآثار التي أنتجها وثنيون”.. ونقول: ألم يسمح الإسلام بترجمة كتاب (كليلة ودمنة) الذي نقله ابن المقفع عن اللغة الفلهوية؟ وألم يسمح أيضا بترجمة كتاب (الشاهنامة) للفردوسي الذي نقله البنداري عن الفرس في عهدهم الوثني؟ ومن هنا نرد الادعاءات الغربية من أن العربية لغة قاصرة ومحدودة وليست قادرة على التطور. كما نرد على الشعوبيين الجدد والذين ينادون بضرورة تطوير اللغة ويدعون بان تتحول اللغة إلى عدة لهجات يعد أمرا طبيعيا لا يمكن لأحد أن يقف في وجهه ويصورون الفصحى على أنها لغة عربية غارقة في بحر العاميات. ونقول بأنها لغة حية ونابضة ومتطورة منذ آلاف السنين وما زالت كذلك تأخذ بمقدار وتعطي أضعافا للبشرية وإبداع الإنسان وفي كل المجالات وأن المؤامرة عليها تستهدف أساسا الدين الإسلامي وكتابه المجيد وتراثه العريق، فالعربية في وقتنا الحاضر قد تجاوزت النطاق المحلي داخل الوطن العربي لتدخل مجالات أوسع وأفسح على خريطة العالم كلغة دولية في العديد من منظمات الأمم المتحدة وهيئاتها، كما أصبحت تدرس كلغة ثانية في الكثير من الدول الإسلامية مثل تركيا وباكستان وماليزيا وبعض الدول الإفريقية، هذا بالإضافة إلى اهتمام معظم جامعات العالم بها وتخصيص كرسي لتدريسها، كما دخلت مجالات وميادين العلوم الحديثة كالترجمة الآلية واستخدام العقل الالكتروني وغير ذلك من الميادين. أثر الإعلام وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الإعلام العربي الضعيف يلعب دورا سلبيا في إفساد اللغة.. فعندما تفقد اللغة العربية مصداقيتها من خلال هذا الإعلام لا سيما المرئي منه حيث إفساد لغة الأجيال الجديدة التي تتأرجح بين كومة من اللغات واللهجات المحكية المحطمة الهزيلة لأننا وللأسف تركنا الحبل على الغارب لأنصاف المذيعين والمذيعات في معظم الفضائيات العربية لكي يتلاعبوا في تصدير مادة إعلامية هشة للناس.. وهنا تكمن المأساة في أن هؤلاء المذيعين يعملون حثيثا على عدم التحدث بالفصيحة على أصولها مما أسهم في طمس جمالياتها وأبعادها حيث سيادة لغة صحافية ذات نمط واحد يحبس نفسه في مصطلحات وكليشهات غريبة يلتقطها المتفرج العربي وتلتصق في ذهنه ليصعب بعد ذلك تحقيقها من جديد مهما حاولنا وهذا بالطبع ينطبق على السينما الجديدة التي تسخر من اللغة الفصيحة حتى ليبدو الأمر أن كل من يتكلم الفصيحة هو مصدر سخرية للناس، وتبعا لذلك التعاطي الخاطئ مع العربية ابتعد عنها الكثيرون لا سيما من قطاع الشباب واصبح لهم لغة مفككة ومحشوة بالعبارات الغريبة المشوهة، وهذا واقع يجب أن لا ننفيه أو نهمله وهذه واحدة من الأزمات والتحديات التي تتعرض لها العربية من قبل أبنائها. وفي هذا السياق فلنستحضر هنا كلمة (تلفزيون) التي يستخدمها الناس في مصر وبلاد الشام متأثرين بذلك بالمصطلح الفرنسي، بينما نجدهم في ليبيا يستخدمون كلمة (الإذاعة المرئية) وفي تونس (تلفزة) وفي المغرب (التلفاز). ولكن أي تلك الاصطلاحات هو الصحيح فللأسف لا أحد يعرف حتى الآن؟!. ولكن من المفهوم أن مثل هذا الخلط في النطق والمصطلحات يزرع الحيرة والتناقض بين قيمنا الحضارية القديمة والنماذج الأوروبية التي يضخها علينا الإعلام الغربي بشكل هستيري عبر الانترنت والأفلام والفضائيات وغيرها من وسائل الغزو الفكري الخارجي الذي يعمل حثيثا وقصديا على تعطيل أحلام أجيال كاملة.. ونحن نتفرج على ما يدور ومن ثم نتساءل في مؤتمراتنا ومهرجاناتنا الثقافية، دون أن نسأل: لماذا وصلنا إلى هذا الحد من الإشكاليات المتعلقة بلغتنا ومناحي الإبداع والإنتاج على كافة المستويات؟ تحديات معلقة لا شك أن اللغة العربية مستهدفة ومقصودة مع سبق الإصرار والترصد وأنها ما زالت تواجه بعض التحديات المعلقة منها: ? مفردات اللغة في العمل المعجمي القاموسي، وضرورة توحيد مصطلحات اللغة على المستوى العربي.. ? الأعمال الإبداعية وضرورة إفادة الكتاب من مخزون وتراث العربية في أزمنة مختلفة تم فيها تقديم إبداعات ما زال الكثير منها لم يطرق حتى الآن..لا سيما في مجال الأعمال التاريخية. ? طرق تعليم العربية وتوصيلها إلى الجيل الجديد وما يرتبط بذلك من جهود المؤسسات التعليمية ومجامع اللغة العربية ومراكز البحوث الإسلامية، ومحاولة استخراج كنوز العربية وتقديمها بإطار معاصر للناشئة. ? استخدام العربية في الإدارات العامة وسوق العمل والبحث العلمي والتعليم والمحادثة، حيث نجد أن اللغة الأجنبية تزاحم العربية بشكل ملحوظ لا سيما في المدارس الخاصة والبنوك والفنادق والشركات الاستثمارية ومجال الاقتصاد وقطاع البترول. ? تطويع اللغة العربية تماما في مجالات الاتصالات الحديثة ومتطلبات الترجمة وبرامج الحاسوب.. ? خطب الجمعة في المساجد، فقد لوحظ أن بعض الخطباء لا يراعون تماما قواعد العربية وجمالياتها من حيث النطق أو المعاني، ويعكس ذلك بدوره حالة سلبية من ترسيخ ثقافة غير مكتملة لا سيما في جانب روحاني وإنساني مهم. رؤية متجددة حول هذا الموضوع كان الدكتور محمد أمين قد تحدث في محاضرة له بعنوان “اللغة العربية والحياة” نظمها اتحاد الكتاب في أبوظبي، قال فيها: “لا يكفي أن تكون العربية هي اللغة الأصلية في أي بلد عربي، بل يجب أن تكون هي اللغة القومية، ورغم نجاح بعض البلدان العربية (سورية) في تعريب تدريس العلوم بالعربية إلا إن ذلك يبقى جزءا محدودا نحو طموحنا في أن تكون العربية هي لغتنا اليومية، وينبغي أن نتحدث بها جميعا كلغة مفهومة للجميع. وبدون ذلك فننا نلعب دون أن ندري في دائرة انحسار العربية لمصلحة اللغات الأخرى بل ونسهم في تعزيز الحرب الخارجية التي تقودها مؤسسات وأفراد لكسر قيمة هذه اللغة وإضعاف هيبتها بما ينعكس على كافة مناحي الإبداع والتقدم الحضاري العربي”. وما زالت الصيحات تتعالى وتحذر من الخطر الذي يحيق بأرقى لغة إنسانية حملت العروبة والإسلام والرسالة عبر مئات السنين دون أن تكل أو تقع، وربما تكون آخر صيحة رفعها مشاركون في ندوة لافتة ومهمة عقدت في القاهرة مؤخرا، إذ أوصى المشاركون بضرورة تعميم تعريب تدريس العلوم بالعربية في كافة أقطار الوطن العربي، كما أشارت الندوة إلى برامج وخطط ومشاريع تتبناها مؤسسات أجنبية لتهميش العربية والتقليل من دورها في المؤسسات العالمية.. وهنا يبقى القول إن القضية أخطر بكثير من لغة تهاجم.. إن القضية تتعلق بثقافة أمة ومجتمعات وهوية ينبثق منها الكثير من التوجهات وسبل المواجهة.. وبقدر ما نملك من عزيمة بقدر ما سنملك لغتنا، ولنتذكر أن نجاح الثورة الجزائرية يعود إلى الأمهات الجزائريات والزوايا الدينية والكتاتيب، فقد أرضعوا أطفالهم حليب اللغة الأصلية ولهذا نجحوا في أن يكونوا الأبناء الأصلاء لهذه اللغة التي باتت على مفترق طرق بل تواجه اخطر تحد في شخصيتها وهويتها ومعانيها وحروفها ونهجها في العالم. ونختتم في هذه الجزئية بالسؤال القديم المتجدد: ما الذي يتوجب علينا تقديمه للمحافظة على لغتنا العربية وهويتنا العربية الأصيلة؟ علينا أن لا نتوقف عن المواجهة واستخدام لغتنا استخداما إنسانيا حقيقيا على المستوى القومي.. وعلينا أن لا نخضع لمفاهيم الآخر ورعاة العولمة مهما كانت تلك المفاهيم والذرائع.. والقضية برمتها تحتاج إلى ضمائر حية وأصوات عالية بمواجهة هجمة تعمل حثيثا وفي الخفاء من أجل تهميش هويتنا وإزاحة تاريخنا بأكمله. وهناك حاجة ملحة لمعاضدة الجهود الكبيرة التي تبذلها بعض مجامع اللغة العربية في مجال تعريب العلوم وتبني الأعمال الفكرية والعلمية التي قامت تلك المجامع بتبويبها، فضلا عن ضرورة التنسيق بين الجامعات العربية لإيجاد سياسة تعليم تعنى بالعربية في مجال التعليم العالي. ذلك أن التعليم باللغة العربية يؤدي إلى تأصيل حاضر الأمة العربية في جذورها التراثية وجعلها أكثر قدرة على قهر الحاضر ورؤية المستقبل لنرى ذلك اليوم الذي تصبح فيه لغتنا العربية لغة النطق السليم والكتابة والمراسلات ولغة العلم والبحث العلمي في جامعاتنا ومؤسساتنا وصولا إلى رجل الشارع العربي.. ولكن علينا أن ندرك أيضا أن اللغة العربية في موطنها الأصلي قد فقدت الكثير من هيبتها وسمعتها وعلينا أن ندرك أن مهمة استرجاعها ليست مهمة يسيرة...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض