القاهرة (الاتحاد) - القهار من أسماء الله تعالى، ويعني الغالب الذي قهر خلقه بسلطانه وقدرته، وصرفهم على ما اراد طوعا وكرها، وخضع لجلاله كل شيء، فاسم الله «القهار» يدل على معنى الغلبة، وأن أمره نافذ في الخلق جميعا، وكل ما سواه مقهور تحت أمره.
سمى الله نفسه القهار على سبيل الإطلاق كما في قول الله تعالى: «يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار» «يوسف:39»، وقوله: «قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار» «الرعد:16»، ويقول الداعية عمر خالد إن اسم الله القهار يُشعر بهيبة وجلال الله عز وجل ويملأ خشية لا خوفا، فالله سبحانه وتعالى القهار لا شيء في ملكه إلا خاضع له، كل ما في الكون من الذرة إلى المجرة من الثرى إلى الثريا من الأرض إلى السماء، الحشرات والأسماك والطيور وجميع العوالم، يقول تبارك وتعالى «وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير» «الأنعام:18» وهو ليس قهر ظلم وإنما هو قهر بحكمة، ويقول: «يوم تبدل الأَرض غير الأَرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار» «ابراهيم:48» ويقول: «يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار» «غافر:16».
ملك الله
والله قهار لكل متكبر جبار، والأرض فيها المتكبرون وفيها المتجبرون وما أظلمهم، فالقهار كثير القهر، وقهره عظيم، يقهر من نازعه على توحيد ألوهيته وعبادته وربوبيته وحاكميته وأسمائه وصفاته إن الإنسان يولد قهرا ويموت قهرا، وهو فيما بين ذلك مقهور، فأولى له فيما بين بدايته ونهايته أن يذل لله للقهار الذي قصم بسلطان قهره كل مخلوق.
ومن معاني القهار أن الله قهر العباد كلهم بالموت، لا نبي ولا رسول ولا قوي ولا غني ولا صحيح ولا مريض ولا فقير ولا رفيع ولا وضيع ولا ملك ولا وزير إلا ويموت «إنك ميت وإنهم ميتون» وحتى ملك الموت يأتي دوره يقال له مت يا ملك الموت فيذوق طعم الموت، وينادي الله «لمن الملك اليوم لله الواحد القهار» «غافر:16».
والقهار صيغة مبالغة من اسم «القاهر»، والفرق بينهما أن القاهر هو الذي له علو القهر الكلي المطلق باعتبار جميع المخلوقات على اختلاف تنوعها، فهو قاهر فوق عباده، له علو القهر مقترنا بعلو الشأن والفوقية، فلا يقوى ملك على أن ينازعه في علوه مهما بلغ في سلطانه وظلمه، وإلا قهره الله باسمه القهار، قال تعالى: «قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون» «المؤمنون:88»، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا ملجئ منك إلا إليك».
المستضعفون
وأما القهار فهو الذي له علو القهر، فالله عز وجل أهلك قوم نوح وقهرهم وقهر قوم هود، وفرعون وهامان والنمرود، وقهر قوم صالح وقوم لوط، وأبا جهل والمشركين، قال تعالى: «وأنه أهلك عادا الأُولى وثمود فما أبقى وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى فبأي آلاء ربك تتمارى هذا نذير من النذر الأُولى»، «النجم:56:50»، كما قال: «ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد» «الفجر:6/13»، فالقهار موجود، ولكنه يتركهم ويمهلهم ليصلوا لمنتهى القوة ويأخذهم، فلو أخذهم وهم ضعفاء فأين ستكون العبرة، والمستضعفون المظلومون كثيرون وعاجزون يفتقرون إلى معين قهار وملك قادر جبار، فالواحد القهار هو ملجأهم وهو بالمرصاد.
الوحدة
قال ابن القيم، إن القهار لا يكون إلا واحدا وأنه يستحيل أن يكون له شريك بل القهر والوحدة متلازمان فالملك والقدرة والقوة والعزة كلها لله الواحد القهار ومن سواه مربوب مقهور له، فخلق الرياح وسلط بعضها على بعض وخلق الماء وسلط عليه الرياح تصرفه وتكسره وخلق النار وسلط عليها الماء يكسرها ويطفئها وخلق الحديد وسلط عليه النار تذيبه وتكسر قوته وخلق الحجارة وسلط عليها الحديد يكسرها ويفتتها وخلق آدم وذريته وسلط عليهم إبليس وذريته وخلق إبليس وذريته وسلط عليهم الملائكة يشردونهم كل مشرد ويطردونهم كل مطرد وخلق الحر والبرد والشتاء والصيف وسلط كلا منهما على الآخر يذهبه ويقهره وخلق الليل والنهار وقهر كلا منهما بالآخر وكذلك الحيوان على اختلاف ضروبه لكل منه مضاد ومغالب فاستبان للعقول والفطر أن القاهر الغالب لذلك كله واحد وأن من تمام ملكه إيجاد العالم على هذا الوجه وربط بعضه على بعض وإحواج بعضه إلى بعض وقهر بعضه ببعض.