أحمد محمد (القاهرة) - كانت أم الدرداء الكبرى من فضليات النساء ومن ذوات الرأي منهن مع العبادة والنسك، حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن زوجها أبي الدرداء عويمر الأنصاري، وكانت زاهدة فقيهة، حتى قصدها الناس ليتعلموا منها رقة القلب وخشوع الجوارح عند ذكر الله عز وجل وقراءة القرآن الكريم، وأقامت بالمدينة المنورة وتوفيت بالشام.
الفهم الصحيح للإسلام
هي الصحابية الجليلة خيرة بنت أبي حدرد بن عمير بن أبي سلمة الأسلمي، وأخت أبي محمد عبدالله بن أبي حدرد وأم بلال بن أبي الدرداء، وتزوجت من أبي الدرداء عويمر بن مالك الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أحمد بن زهير: سمعت أحمد بن حنبل يقول: خيرة بنت أبي حدرد الأسلمي هي أم الدرداء الكبرى. وذلك تمييزاً عن أم الدرداء الصغرى «هجيمة الوصابية».
أسلمت أم الدرداء وحسن إسلامها وكانت من ذوات الرأي السديد مع الفهم الصحيح للإسلام. وعن قصة إسلامها وزوجها تقول خيرة: كان عويمر بن مالك متعلقاً بصنم له، وقد تبع أهله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عبدالله بن رواحة أخاً له في الجاهلية، وكان يدعوه إلى الاسلام فيقول: يا عويمر، أترضى أن تكون آخر دارك إسلاماً؟ فيأبى أبو الدرداء. وذات يوم وضع منديلا على صنمه وخرج، فجاء عبدالله بن رواحة ودخل بيتي. فسأل عن عويمر فأخبرته أنه خرج آنفاً، وكنت أمشط رأسي، فدخل ابن رواحة، ومعه قادوم فأنزل الصنم، وجعل يقدده «أي جعله قطعاً» وسمعت صوت القادوم، وهو يضرب ذلك الصنم، فقلت: أهلكتني يا ابن رواحة، فخرج وأقبل عويمر، فوجدني أبكي شفقا منه، فقال: ما شأنك؟ قلت: أخوك عبدالله بن رواحة دخل فصنع ما ترى، فنظر عويمر إلى الصنم المحطم وغضب غضبا شديداً، ثم فكر وقال: لو كان عند هذا خيراً لدافع عن نفسه. ثم انطلق الى عبدالله بن رواحة، وقال له: اصحبني إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فانطلقا حتى أتيا الرسول صلى الله عليه وسلم فأسلم عويمر بن مالك، وأسلمت معه زوجته خيرة بنت أبي حدرد رضي الله عنها.
أحاديث نبوية
وروت أم الدرداء الكبرى عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أحاديث نبوية، منها حديث النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: «ما من ميت يقرأ عنده سورة يس إلا هون عليه الموت». وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث: عن الخطأ والنسيان والاستكراه».
وروى عن أم الدرداء الكبرى جماعة من جيل التابعين، منهم صفوان بن عبدالله بن صفوان، وميمون بن مهران، وزيد بن أسلم، وأم الدرداء الصغرى.
ويروي سهل بن معاذ عن أبيه عن أم الدرداء أنه سمعها تقول: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خرجت من الحمام فقال: «من أين يا أم الدرداء؟» فقالت: من الحمام، فقال: «والذي نفسي بيده، ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن».
مواقف للصحابية الجليلة
ومن المواقف المعروفة للصحابية الجليلة أنه عندما آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين أبي الدرداء وسلمان الفارسي، جاء سلمان لأبي الدرداء زائرا، فرأى أم الدرداء قد أهملت نفسها، ولاح في وجهها القهر، فقال لها: ما شأنك؟ فقالت: إن أخاك ليس في حاجة إلى شيء من الدنيا، أصبح أبوالدرداء لا ينام الليل. فسكت سلمان الفارسي ولم يكلم أبا الدرداء. وقامت خيرة لتصنع لهما طعاماً، فلما أكلا هيأت أم الدرداء لهما فراشهما فنام سلمان وأبوالدرداء هنيهة، ثم قام أبو الدرداء ليصلي، فأمسك سلمان بثوبه وقال له: نم يا أبا الدرداء. ونام ثم نهض ليصلي، فأمسك سلمان به، وقال له: نم. فنام عويمر بن مالك، فلما كان الثلث الأخير من الليل قام أبوالدرداء ليصلي فقال سلمان الفارسي: الآن انهض لتصلي. وعندما انبلج الفجر خرجا ليصليا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبوالدرداء: لأشكونك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال سلمان الفارسي: يا أبا الدرداء إن لربك عليك حقاً، ولأهلك عليك حق، ولجسدك عليك حق فأعطِ كل ذي حق حقه. فلما قضيت صلاة الفجر مال أبوالدرداء على إذن النبي صلى الله عليه وسلم، وشكا له ما فعل سلمان الفارسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرهبانية لم تكتب علينا، صدق سلمان».
وقد توفيت أم الدرداء قبل أبي الدرداء بسنتين، وكانت وفاتها بالشام في خلافة عثمان بن عفان.