الثلاثاء 15 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 37 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

دون دليلو يكتب قصصاً للمواساة في ظل الحياة المعاصرة

دون دليلو يكتب قصصاً للمواساة في ظل الحياة المعاصرة
17 ديسمبر 2011 00:01
ينظر النقاد إلى الكاتب الأميركي دون دليلو المولود في 1936 والذي ظهر اسمه على قائمة المرشحين لجائزة نوبل لعام 2007 باعتباره أحد أهم كتاب أميركا المعاصرين، وأن ما يلفت الانتباه إلى أعماله هو تسليطها الضوء على تفاصيل الحياة الأميركية في نهاية القرن العشرين، وبداية القرن الحادي والعشرين، بما في ذلك السعي إلى فهم ذهنية وسيكولوجية الشخصية الأميركية. أهم أعمال هذا الكاتب روايته مابعد الحداثية الشهيرة “ العالم السفلي” 1997 التي يتناول فيها جزءاً مسكوتاً عليه من تاريخ أميركا أثناء الحرب الباردة، وروايات سابقة منها “ أمريكانا” 1971 و” ثرثرة بيضاء” 1985. وإضافة إلى الرواية والقصة، يعرف دليلو كمؤلف مسرحي، له خمسة أعمال مسرحية، كما يعرف من خلال مقالاته. في نوفمبر من العام الحالي صدرت لدليلو مجموعة قصصية بعنوان “الملاك ازميرالدا”، وهي أول مجموعة يصدرها منذ بداياته في كتابة القصة القصيرة في ستينيات القرن المنصرم. وحسب ترتيبها وتاريخ نشرها المتسلسل، فإن تاريخ القصص التي تحتويها المجموعة، المؤلفة من تسعة أعمال، يتوزع على مدى ثلاثة عقود، حيث يعود تاريخ نشر أولاها “إبداع” إلى سنة 1979، في حين نشرت آخرها في نوفمبر 2011. ومن حيث الشكل تقسم المجموعة إلى ثلاثة أجزاء، يحتوي الجزء الأول على قصتين، والثاني على ثلاث، والثالث على أربع قصص. معروف عن دليلو انتماء أعماله شكلاً ومضموناً إلى ما بعد الحداثة، وحسب نقاد معاصرين تعتبر رواية “ثرثرة بيضاء”، نقطة الانطلاق نحو مناقشة موضوعات مستجدة في الحياة الإنسانية المعاصرة كالنزعة الاستهلاكية ونظرية المؤامرة والفوضى الخلاقة والإرهاب وغيرها. والواقع أن المضامين التي تدور حولها قصصه تكاد تكون مشابهة، فمعظم قصص مجموعته تسلط الضوء على حياة الأشخاص في عزلتهم، وحدتهم وتأملهم. ثمة مشاهد يلتقطها المؤلف عما يدور في أذهان شخوصه، لحظة يستغرقون في التفكير. وبينما هم يغوصون عميقاً في حالة من اللاوعي، يلتقط هو بذكاء صورة واضحة للأفكار التي تجول في رؤوسهم. ومن جهة يبدو هؤلاء في ظاهرهم ساهمين، صامتين، في حين أن دليلو يجعلهم يضجون بالحياة. إن قارئ هذه القصص على الرغم من الصمت المطبق على أبطالها، إنما يستمع ويشاهد ويستمتع بما يحدث أثناء الصمت. أحدث ما نشر في سلسلة أعمال دليلو القصصية “المحروم” 2011. وهي تدور في نفس الإطار المعني بتحري فعل الوحدة والتأمل. لحظة يهيمن فيها الصمت والوجوم على بطله، الستيني، المتقاعد، المطلق. إن رحلة “ليو” اليومية مع هذا الطقس تبدأ في التاسعة صباحاً. وهكذا فهو ينفق معظم أوقاته وعلى نحو منتظم أمام السينما، سارحاً في اشباح النسوة اللاتي تلوح أمامه جيئة وذهاباً. هنا لا يجد القارئ من الفاعل شيئاً سوى عينين شاخصتين، محدقتين في الفراغ. وكأنما الكاتب يؤكد على أن ما يحدث في ذهن هذا الرجل هو ما يهم. أما التفاصيل فترويها مطلقته “فلوري” التي تنفق جل وقتها في التلصص على ممارساته تلك. فلوري تتأمل رجلاً يتأمل. وحسب الراوي، فهو كما يرتسم في ذهنها “رجل يهرب من ماضيه.. هل يتصور أحدكم أنه يرتاد السينما لمشاهدة الأفلام ؟ ربماكان هناك شيء آخر، شيء أكثر أهمية بالنسبة له! إن تهمة ليو تدور حول مشاهدته النساء وهن يتحركن أمام ناظريه، فيسرح في المرأة تلو الأخرى” وها هو يشاهد امرأة اخرى قائلاً “ ترى أين تراءت له ؟ أوربما تساءل عن تلك التي مرت منذ لحظات! أو تُراه يتساءل.. من هي أول امرأة عرفها في حياته؟ هذه الأسئلة لاتقتصر على بطل دليلو وحده، بل تنتقل إلى ذهن القارئ الذي لابد وأنه سينتظر الإجابة عليها مدفوعاً بالفضول. قصة أخرى ربما وجد فيها القارئ نوع من المواساة في ظل ظروف الحياة المعاصرة. القصة نشرت سنة 1983وتحمل عنوان “لحظات إنسانية إبان الحرب العالمية الثالثة” وفيها استشراف لما ستكون عليه تفاصيل الحياة على كوكب الأرض مستقبلاً. بداية يسلط الضوء على حالة العزلة والسكون التي تهيمن على سلوك طاقم مركبة فضائية مقاتلة. فيصف الراوي مسار الرحلة التي يقوم بها اثنان منهما عبر السفينة المجهزة على نحو ملائم. وكتعريف بهذه الفترة الزمنية يشير إلى أنها الزمن الذي يكون فيه “حظر الأسلحة النووية قد مهد الطريق لأن تكون ظروف الكرة الأرضية أكثر ملاءمة للحرب “. وفيما تتابع السفينة مسارها في الفضاء الخارجي، ويرسل الراوي تعليقاته واصفاً ملاحظاته الدقيقة المرعبة ، عن الأرض كما تبدو أثناء تهيئتها لأن تكون أكثر أمناً بالنسبة لهم، يكتشف القارئ أن ثمة لحظات “ مليئة بالشعور بالحميمية “ يفرضها السكون وتحرض على الإحساس بها العزلة، ثمة ذكريات عن الأصوات المنبعثة من أجهزة الراديو القديمة والأطعمة الطازجة، والنساء المثيرات وروائحهن العطرية تملاء شوارع المدن، يلوذ إليها الطاقم وتقطعها اللحظة التي تمارس فيها الطقوس العسكرية استعداداً لأن يحل الدمار بالكرة الأرضية. أما الملاك إزميرالدا 1994 وهي القصة التي تحمل المجموعة اسمها فهي كما يرى الكثيرون الأجمل صياغة ونكهة. وتروي حكاية فتاة صغيرة يأتي خلاصها من الفقر والتشرد، على يد مجموعة من الراهبات اللاتي يتطوعن للإهتمام بأطفال إحدى مدن الأكواخ. وفيما يتحول وجهها البريء فيما بعد إلى ايقونة للجمال تعرض للترويج لعصير البرتقال في لوحة للإعلانات وسط الطريق ليمارس من خلالها المارة طقس التحديق اليومي، تختفي فجأة. وبالنسبة لهم، فإن ذلك الاختفاء يعادل فقد الشعور بالأمل، الخلاص، الإلهام.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض